{ وهي قيمة مهدرة لدينا وغير مقيّمة، تماماً كقيمة النظام والدبلوماسية في التعامل والمرونة واحترام الآخر، فالوقت لا يعنينا بالقدر اللازم على اعتبار أنه كالسيف إن لم نقطعه استقطع من أعمارنا المنسربة من بين أصابعنا لتكون المحصلة بالأخير مجرد «صفر» كبير في حسابات الإنجاز والطموح والأثر الطيب من بعدنا. { ولقد درجت العادة لدينا على عدم الالتزام بالمواعيد حتى أصبح الأمر موروثاً اجتماعياً مقبولاً، بل إن الغريب المستنكر أن يلتزم أحدنا بموعده تماماً أو يؤدي المهمة الموكلة إليه في زمنها المحدد فيعتبر حينها شخصاً استثنائياً خارقاً للعادة وربما مخلوقاً من كوكب آخر! فلماذا استسلمنا ببساطة لثقافة هدر الوقت وعدم الالتزام به؟ ولماذا يتعامل معظمنا في حياته بمبدأ الفوضى المنظمة؟ ولماذا نحن شعب اللحظات الأخيرة فنأتي لموعدنا بعد ساعتين من التوقيت المضروب ونفاجأ كل عام حتى على الصعيد الرسمي بأن الخريف قد حان وباغتنا بكوارثه التي لم نتهيأ لها رغم علمنا التام بموعد حضوره؟ ولماذا تظل أمورنا غير واضحة حتى وقت متأخر من يوم الوقفة أو ليلة العيد وتكون حينها معظم النساء في (لخمة) وحيرة ما بين الستائر والنظافة والخبيز والحنانة والسوق لأنهن ببساطة (زنقن) أنفسهن وحاصرنها بكل هذه المهام رغم الأيام الطويلة الماضية التي كان بإمكانهن أن يقمن فيها بكل ما يلزم بمنتهى التأني والدقة وعلى الوجه الأكمل بدلاً عن هذه الدربكة المفبركة! { لقد كنت أعاني الأمرين من إصابتي بقلق المواعيد وحرصي على الالتزام التام بتوقيت الدعوات واللقاءات لأقضي الساعات الطوال في انتظار ممل يقتات من أعصابي ويشعرني بالضيق والندم، وأعترف أن تغييراً جوهرياً قد أصابني مؤخراً فانتقلت إليّ عدوى (الجرجرة) والتقاعس كحال معظم السودانيين، ورغم أنها صفة سلبية وغير مرضية لطبيعتي إلا أنها جنبتني الانتظار الطويل وأعفتني من إحساسي بالسذاجة وضياع الزمن دون جدوى، ولكنها بالمقابل حولتني إلى كائن «منافق» من الناحية الشرعية على اعتبار أن المنافق إذا وعد أخلف، وإلى إنسان غير متحضر على اعتبار أن الالتزام بقيمة الوقت واستثمار الزمن كما يجب من أبرز سمات الحضارة والتقدم، غير أنه وفي مجالنا العامر بالارتباطات الرسمية والشعبية استوقفني على نحو شخصي النهج الحضاري الذي تتبعه وزارة التنمية البشرية الوليدة بقيادة الرجل الاستثنائي «كمال عبد اللطيف» التي جعلت شعارها الأبرز «قد حان وقت التغيير» ورغم أن إنجازاتها لم تظهر بعد جلية للعيان؛ إلا أنهم قد بدأوا التغيير فعلياً من الداخل وبقرارات حاسمة من الوزير شخصياً أهمها احترام قيمة الوقت والالتزام به حتى إن الأخ «كمال» يمنع دخول أي كان إلى أحد اللقاءات أو ورش العمل المهمة التي تحرص الوزارة على إقامتها باستمرار إذا جاء حضوره متأخراً عن الموعد المضروب، بالإضافة إلى العديد من المحاذير والقرارات ذات الأبعاد الحضارية الراقية التي تنبئ بمستقبل مشرق لهذه الوزارة إذا ما نجحت في تعميم سياساتها كما يجب لا سيما في دواوين الخدمة المدنية حيث تضيع نصف أعمارنا سعياً بين مكاتب الموظفين الذين يأخذون الأجر ولا يكترثون كثيراً للعمل ويبرعون في المماطلة والتسويف دون أن يخافوا فينا الله، فهل نحلم بعالم ملتزم بمواعيد إنجليزية؟ أتمنى. { تلويح: «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» فلنبدأ على بركة الله.