رغم مرور اسبوعين واكثر على الذكرى السنوية للراحل المقيم الفنان مصطفى سيد احمد فما فتئ صدى ذكراه يعتصر قلوب الشعراء الذين تعامل معهم الراحل في اطار مسيرته الفنية التي تتصل باواصر المحبة والصداقة بينه والشعراء، فهم كثر لا متسع لذكرهم بيد اننا نخص منهم اليوم الشاعر محمد طه القدال الذي انبرى لاوراق الورد متحدثا و راويا عن عناصر و مقومات الرؤية الفنية للراحل مصطفى. هنا لا مناص من الاشارة للشاعر القدال الذي سطر يراعه لمصطفى العديد من الاغنيات لكن كان ابرز اغنياته الاغنية ذائعة الصيت ( شليل) التي يقول مطلعها شليل ما راح شليل ما فات يا اللوز الفتق فى الوادى هو لبلب ويا البحر الطمح مدادى هو لبلب ويا حجواتنا يا دعواتنا هو لبلب شليل ما راح .. شليل مافات اذ يرى الشاعر القدال ان من فرضيات تجربة ورؤية وفكرة الراحل مصطفى سيد أحمد الفنية أنه كان يمكن أن يتغنى لليل والبنفسج والأحلام الوردية وأمنيات المحب للمحبوب، أو أن يتغنى للهجر والدموع والأسى. أو أن يتغنى للوطن، مضيفا لقد تغنى لكل ذلك لكن بفهم جديد ومختلف وقال . إن غناء مصطفى لشعراء جدد وشباب لم يكن من باب التجريب ولكن عن فهم عميق للشعر نفسه وزاد نسبة إمكاناته العاطفية وقوته التعبيرية مؤكدا انه كان يمكن أن يركن للكلمة المعتادة والروتينية في الحب والهجر والدموع والوطن التي سادت منذ عشرينيات القرن الماضي مستدركا ان مصطفى كانت له رؤية شاعر وفطرة سليمة تدعوه إلى تخير حب جديد تتداخل فيه الأم مع الحبيبة مع الوطن فلا تدري أهذه عاطفة مصوبة نحو واحد منهم أم تجاههم جميعاً. ويضيف القدال لكن هذه رؤية شعرائه و أيضاً رؤاه مقرا ان مصطفى عندما اختار أشعار الشعراء لم يسمع بأحد منهم ظل طيلة مسيرة مشروعه يتخير الشعر بغض النظر عن من يكون الشاعر وقال لقد تغنى في بداياته الأولى بأشعار وألحان مختلفة وعندما اكتملت أدواته في الصوت وملكة التلحين وانضباط الأداء وثلاثتها كامنة في ذاته بحث عن تلك التي خارج ذاته وهي الشعر الذي يعبر عن رؤيته وعاطفته المتجددتين، وكان يمكن أن تستبد به عزة النفس وهو نفسه شاعر أغنياته بنفسه ويلحنها ويتغنى بها كما يفعل غيره ممن سبق ومن لحق فينال التقريظ لتعدد المواهب، واضاف القدال لكن كانت هنالك مناطق في الشعرية التي يروم لا توجد إلا عند آخرين من الشعراء فآثر التماسها عندهم فالتمس الشعر لديهم ولم يلتمس ذواتهم فقط. معتبرا هذه من اهم الدوافع التي دفعت بمصطفى بأن يختار من الأشعار فيتناولها بالتلحين قبل أن يلتقي شعراءها وبعضها قبل أن يعرف شعراءها حتى. كان يبحث في صفحات الجرائد والمجلات وذاكرة أصحابه عن الشعر الجديد الجيد بمقاساته هو وليس بمقاسات من سبقوه وبغض النظر عن صاحب الشعر وقال ان مصطفى في تنقيبه المثابر قد التقى عدداً من الشعراء منهم هاشم صديق وعاطف وحميد وقاسم أبوزيد وصلاح حاج سعيد وجمال حسن سعيد وبشرى الفاضل وأزهري وحافظ عباس ومحمد مدني وقدال وغيرهم وغيرهم الكثير واردف قائلا ان رؤيته وفطرته قادتاه إلى طرق باب جديد لتوصيل ما يريد وهو أن يذهب إلى متلقيه في أماكنهم ويلتقيهم ويشاركهم أفراحهم وهو يحمل عوده فقط. أو أن يسجل بدأب وتدفق ما تجود به عبقريته في التلحين على شرائط الصوت وهو الأغلب، بعضها مكتمل يرجو التنفيذ الكامل وبعضها محض أفكار ألحان صورها النهائية ذهبت معه إلى مقامه حيث هو الآن. وفي الختام سأل القدال الرحمة والمغفرة للراحل قائلا ارجو الله أن يكون مقامه مقاماً حسناً في سدر مخضوض وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب واضاف مادحا الراحل في مسيرته الفنية ليقول القدال كانت النتيجة أن كل من التقاه مصطفى كفاحاً أو غنى في مناسبة تخصه أو تلقاه على شريط الصوت ما كان مستمعاً متلقياً فحسب بل تولد لديه إحساس بأن هذا الفنان المغني صديقه الشخصي أو واحد من أهله. وفي وقت أغلقت أمامه أبواب الانتشار الطبيعي عبر الإذاعة والتلفزيون تجد أنه الأكثر انتشاراً رغم ذلك. إن فكرة الراحل المقيم مصطفى سيد أحمد تتلخص في مجملها في تغيير المفاهيم السائدة المتكررة إلى مفاهيم متجددة سواء على مستوى خلخلة الذات دون إرباكها وذلك بتثبيت مبادئها وقيمها وميراثها أو بتحريض الوطن ليتطلع إلى آفاقه المشروعة. تجلى ذلك في ألحانه وفضاءات صوته الواسعة الملونة قبل وأثناء وبعد الأشعار التي تغنى بها.