* ما من رجل يؤمن بالله ورسوله يُبدي شماتته في الموت.. فذاك ليس من المروءة ولا الأخلاق النبيلة حتى الشماتة في العدو ناهيك عن الأخ الشقيق.. والجار الصديق.. وقد راعتني الأنباء الواردة من القاهرة بمقتل أكثر من سبعين مصرياً في أحداث شغب جرت أثناء مباراة بين فريقي المصري والأهلي في إستاد بورسعيد في منافسات الدوري الممتاز.. وقاربت أعداد الجرحى الألف جريح ممَّا أُضطر معه الإتحاد العام لكرة القدم المصري لتأجيل وتعطيل مباريات الدوري لأجل غير مسمى . ولست أدري لماذا قفزت إلى ذاكرتي ذكرى تلك «الليلة السوداء» التي أعقبت فوز الجزائر على مصر في المباراة الفاصلة بينهما والتي جرت في عاصمتنا وكمية الردح والبذاءات والشتائم التي لم تستثنِ حتى السيد رئيس الجمهورية الذي كرَّم المنتخب المصري عندما أحرز البطولة الأفريقية التي خسر فيها السودان مبارياته «الثلاث بالثلاثة» وجرجر أذيال الخيبة والندم.. وقلَّد الرئيس البشير الفريق المصري والجهاز الفني والاتحاد الأوسمة ونفحهم «بمظاريف دولارية» واستضافهم على مائدته العامرة بمنزله العامر.. ومع ذلك كانت المداخلات في تلك الليلة السوداء تقول « فين إنت يا عمر يا بشير !؟» والتهكمات التي تقول «دول حتى ما عندهمش مطار !!» والصراخ والولولة «دول دبحونا بالسكاكين يا بيه !! دول حيموتونا يا بيه !!» في حين أن دفاتر الشرطة لم تسجل اي حادث أذى بسيط أو جسيم وبالضرورة لم تقع أية خسائر في الأرواح وتكفلت الشرطة بحماية البصات التي أقلَّت المشجعين المذعورين حتى سلم الطائرة دون المرور حتى بالإجراءات الروتينية للمسافرين في «سماحة سودانية» قلَّ نظيرها حتى لا نقول «عباطة وعوارة» وقبضنا بعد ذلك «الريح» وشبعنا من «أولاد بمبة» شتائم وتشنيعات وإساءات حتى أسفر الصبح وعاد المصريون إلى «قاهرتهم» بالسلامة لم ينقص منهم «ضُفُر» ولم يكلف أحدهم نفسه مؤونة الإعتذار لأبناء البوابين والسفرجية !! * أنا أكتب بذات المرارة التي وجدتها في نفسي منذ تلك «الليلة السوداء».. لأنني كنت من المتحمسين والمتابعين الفاعلين في تكريم الفريق المصري ومن المعجبين بموقف «أبوتريكة» الذي كتب على قميصه الداخلي «من أجل غزة» وأظهره عندما أحرز الهدف فأطربنا ذلك.. ولكن «إن أكرمت الكريم ملكته......................» وتخيلوا معي لو أن ما وقع في بورسعيد وقع في أم درمان !! ماذا ستكون عليه النتيجة ؟! قصف جوي من الطيران الحربي المصري للمواقع الحيوية في السودان.. إنزال بحري في ميناء بورتسودان.. إصطياد وقتل السودانيين المقيمين بمصر.. منع البواخر من المرور في قناة السويس من و إلى الموانئ السودانية.. طرد السودان من جامعة الدول العربيهة والإتحاد الأفريقي ومنظمة المؤتمر الإسلامي.. تبني المواقف المناوئة للسودان في المنظمات الدولية كافةً.. إعادة إحتلال السودان ورفع العلم المصري على سارية القصر الجمهوري في الخرطوم «على أقل تقدير».. إنها النظرة الاستعمارية الاستعلائية التي تحكم علاقتنا بمصر مبارك «وقتذاك».. طلب السفير المصري الشربيني مقابلة الأستاذ المغفور له محمد خوجلي صالحين وزير الثقافة والاعلام للإحتجاج على حلقة من برنامج الحديث السياسي الذي يعده ويقدمه الرائد «اللواء» يونس محمود من إذاعة أم درمان تعليقاً على كمية من الهجوم والأحاديث الساخرة السافرة التي كان يكتبها كثيرٌ من الكتاب المصريين وأشهرهم «محمود السعدني» وعندما عرض الوزير على السفير القصاصات المرصودة من مثل تلك «الكتابات» قال الشربيني «السعدني ده واحد حشَّاش وإبن ...............» ما يصحش تشتموا مصر من أمي ضرمان «أم درمان» علشانه !!.. ثمَّ إتضح بعد تلك الليلة السوداء إنهم كلهم محمود السعدني كما نعرفه نحن أو كما عرَّفه السفير الشربيني . * شغب الملاعب ظاهرة عامة في كل الدنيا والمشجعون الغوغائيون أكثر بكثير جداً من المشجعين المهذبين.. في كل الميادين.. بل إن بعض الدراسات النفسية تقول إن نسبة قليلة جداً من المشجعين هم من يذهبون من أجل المتعة والتشجيع وأكثر من ثلاثة أرباعهم يذهبون من أجل التهريج والتنفيس والتحلل من ضوابط المجتمع والصخب والجلبة والضوضاء والفوضى.. إنَّ ما حدث في إستاد بورسعيد حدث ويحدث في كثير من ملاعب العالم وإنْ بدرجات متفاوتة لكن خسائر بورسعيد كبيرة جعلت الكثيرين يقولون «إنت فين يا مبارك ؟! إنتو فين يا أمن يا مركزي ؟!.. إحنَّا غلطانين اللي شلناكم تعالوا بقى ذنبنا في رقبتنا..» هل صحيح إن الطابور الخامس.. أو الثورة المضادة.. أو البلطجية.. كانوا وراء هذه الواقعة المؤسفة ؟ أين عقلاء مصر ؟ إذا كان الحزب الفائز في الانتخابات بجماهيره العريضة يطلب حماية البرلمان والطرق المؤدية إليه من المتظاهرين «الثوار» !! وإذا كان المجلس العسكري الذي حقن دماء المصريين وإلتزم بالجدول الزمني للتغيير الديمقراطي مغضوب عليه ويطالب البعض برحيله وإعدام رئيسه طنطاوي !! و إذا كان ميدان التحرير أعلى من البرلمان المنتخب !! فأين النظام إذن ؟ يابني الثورة طلعت أي كلام !! فلو كانت هتافات المشجعين ومعهم الطبالون والزَّمارون «والرقاصين ع الواحده ونص» يقولون «الأهلي حديد المصري سيَّحُو.. قاعدين ليه ما تقوموا تروحوا» تُزهق بسببها عشرات الأرواح.. نحن نقول شنو للمرشح العاوز يعيد إحتلال السودان.. يا جدع ده أنتو طلعتوا أي كلام . وهذا هو المفروض