قال أمير شعراء العرب في العصر الحديث أحمد شوقى مخاطباً أحد قادة التعليم فى عهد الاستعمار البريطانى لمصر : أفمِنْ نداك على المدارس أنها ** تذر العلوم وتأخذُ الفوتبولا ؟ وكأنى بشوقى كان حاضراً في بورسعيد مساء الأربعاء أول فبراير الجاري وهو يشاهد مباراة الأهلى القاهري ضد المصرى البورسعيدي والتى انتهت بفوز المصرى البورسعيدي مما أدى إلى شغب راح ضحيته حتى ساعة كتابة هذا المقال ثلاث وسبعين نفساً والجرحى بالمئات. وقالت وسائل الاعلام إن الموت لم يكن جراء التدافع أو الدهس غير المتعمد بالأرجل بل كان بالسكاكين والمطاوي وأنواع السلاح الأبيض وأكثر من ذلك بأخذ بعض( الأعداء المنافسين ) ورميهم من أعلى سطوح الأستاد ليموتوا ! هل كان شوقي مخطئاً حينما قابل ما بين العلوم والفوتبول ؟ سمعت عندنا هنا في السودان من يقول : «أنا الهلال بالنسبة لى عقيدة «ومن يقول المريخ ومن يقول الموردة وعوّض كلمة الهلال بأيّ فريق يمُر على ذهنك ..... فاذا صار الولاءُ لنادي الكرة عقيدةً وأصبح هذا الولاء يجعلك تقتلُ النفسَ التى حَرَّم اللهُ إلاّ بالحقِّ بل وتقتل المؤمنين وتدخل نفسك في قائمة من جزاؤهم جهنم خالدين فيها وغضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً أليماً تفعل ذلك ولا يهمك لأنك أصلاً قد دخلت الاستاد بهذه النية المبيتة و أنت تحمل في جيبك سكيناً ومطواة وخنجراً وجنزيراً فهل هذه من أدوات التشجيع في كرة القدم ؟ وإذا لم يكن ذلك هو الجهالة والجهل بعينهما فقل لى ماهما ؟ طالبت الجماهير بإقالة المجلس العسكرى والحكومة لأنهما لم يحميا الجماهير بشكل مناسب . أقيل محافظ بورسعيد وأقيل مدير الأمن واتهم الإخوانُ فلولَ حزب الرئيس السابق حسنى مبارك بتدبير الفوضى وأهم من ذلك كله علّقت الحكومة النشاط الرياضي فى كل مصر وأعلن الحداد لمدةِ ثلاثة أيام يعني باختصار تسبب شغب الفوتبول فى كارثة قومية يمكن أن تعصف باستقرار البلاد! وتذكرون مباراة مصر والجزائر فى أم درمان وكيف أنها كادت أن تودى بالعلاقات الثنائية بين مصر والسودان ومصر والجزائر حتى أن بعض الصحفيين سماها ساخراً ( بمعركة أم درمان الثانية) .... الأولى طبعاً هى معركة كررى بالمناسبة ، سميتها هنا فى هذا العمود حينها بحرب (داحس والغبراء )الأمدرمانية. لقد شكل التعليم والإعلام الغربي أذهاننا هنا بحيث لاتقبل مطلقاً حتى مبدأ نقاش ماهو جائز وما هو حرام فى كرة القدم بل أحلّت كل ممارساتها ودلعوها بتلقيبها (بالمدورة الساحرة) ! اختصاصيوعلم النفس عندهم توصلوا إلى أنها وسيلة من وسائل تخدير الجماهير فى العالم الثالث وإلهائهم عن المهام الضرورية الفعلية للتقدم ثّم إبعادهم عن النقد الموضوعى لما يدور حولهم من أفاعيل الحكومات وخاصة الموالية للاستعمار الجديد والتى توغل فى تمكين المستعمرين من مقدرات البلاد وأخيراً لتنفيس الحماس الديني والوطنى بحيث يوجه إلى عدو وهمىِ هو الفريق المنافس بدلاً من العدو الحقيقي. لا تستطيع صحيفة يومية أو مجلة دورية أن تصدر عدداً دون أن يحتوى على صفحتين على الأقل للفوتبول ويستحيل أن تجد الآن قناة تلفزيونية أو إذاعية ليس فيها برامج خاصة بالفوتبول بل إن هنالك صحفاً ومجلات وقنوات تلفزيونية وإذاعية تتخصص (حصرياً كما يقال) في الفوتبول وهذا كم هائل من الدعاية المتعمدة المبهرة التى تؤدى وأدت إلى ما رأينا من اللوثة بهذه اللعبة الماكرة ذات المرامى الثقافية والسياسية الكيدية لدرجة أن الناس في خضمِ هذا البحر الهائج مِن الدعايةِ الإعلامية نسوا ترييض الابدان وانصرفوا عن ذلك للكلام عن الرياضة بدلاً مِن ممارستها. لماذا لا نقلص كل ذلك إلى النصف مثلاً على الأقل وكأننا نتعامل مع مدمن للحشيش توطئةً وتدرجاً نحو الشفاء الكامل، لأن من يطالب فى هذا الزمن بالإلغاء الكامل لهذا النشاط الإعلامى غير الضرورى والمؤجج لهذه النار التى لن تلبث أن تحرقنا جميعاً .... لن يلتفت إليه أحد ولن يوصف بأقل من كونه متخلفاً أو مجنوناً !