أفادت الأنباء الواردة من العاصمة الاثيوبية أديس أبابا ان المفاوضات بين وفدي حكومة السودان ودولة جنوب السودان تسير بوتيرة جيدة، وان الطرفين احرزا تقدماً بتوقيع اتفاق أمني ، حيث اقرا بعدم تبادل الاعتداءات علي المناطق الحدودية ، وللوهلة الاولي يعتقد الكثيرون ان هنالك حدودا مختطة او مرسومة يتنازع عليها الطرفان، ولكن العالمين يعرفون ان الحدود مقصود بها المناطق الجنوبية - الشمالية المتاخمة للمناطق الثلاث التي نص عليها البروتوكول المصاحب لنيفاشا ، وبهذا يكون التحليل المنطقي لما اتفقا عليه هو التأكيد علي اهمية معالجة « القضايا العالقة » وهو امر ليس بالجديد، والسؤال هو لماذا تأخر الطرفان في البت في تلك المسائل العالقة وسمحا بتطور احداث جديدة تتعلق بتلك المناطق وبروتوكولاتها ؟ ان النزاع حول أبيي هو أم الأزمات التي فرخت أحداث ولاية جنوب كردفان والنيل الأزرق ، ان ملف أبيي هو الملف المفتاحي لصناعة علاقات جيدة ومتطورة بين حكومة الخرطوم وحكومة جوبا ، ومن المهم التركيز علي هذا الملف قبل الشروع في عقد صفقات تختص بالنفط ورسوم عبوره ، ان النفط لا يصنع السلام ولكن السلام تصنعه التفاهمات حول القضايا العالقة . ويلاحظ انه كلما بدأت المفاوضات بين وفدي البلدين في أديس كلما ازدادت وتيرة اصدار الفرقعات الاعلامية السالبة من بعض الاطراف هنا وهناك، ومن السهل علي المراقبين ان يلاحظوا ايضا الأنباء « المنهمرة » عن اتخاذ الخرطوم ترتيبات صارمة لطرد ابناء دولة جنوب السودان الذين مايزالون بالشمال، في الوقت الذي يبحث الجانبان وسط حفاوة الوسطاء كيفية ترسيم تفاهمات وعلاقات تقوم علي الاحترام المتبادل وحسن الجوار ، ان التحليل المنطقي لكل هذه التناقضات يشير بوضوح الي وجود مراكز ضغط سالبة في الشمال والجنوب تعمل بجهد ومكر كبير لإفشال المفاوضات بين الخرطوموجوبا والحيلولة دون بناء علاقات مبنية علي التفاهم وحسن الجوار والتعاون الاقتصادي والاجتماعي المثمر ، علي الطرفين ان يحدا من تغلغل مراكز الضغط الضارة وابعادها من بؤرة صنع واتخاذ القرار..لقد رأينا كيف زرعوا الفتنة العنصرية وأشاعوا الكراهية والبغضاء بين ابناء الوطن الواحد حتي حدثت كارثة الانفصال واصبح السودان مثار سخرية العالم المتحضر. ان الوفدين مطالبان باحراز المزيد من التقدم علي كافة الصعد وصولاً الي توقيع اتفاقات محترمة تفضي الي نزع فتيل النزاعات المسلحة وتسمح بتمرير نفط الجنوب عبر اراضي وموانئ الشمال لمصلحة الاستقرار الامني والغذائي لشعبي البلدين، وتسمح فوق ذلك كله بانسياب سلس للغذاء والبضائع بين الجانبين، الي جانب ترسيم حرية تنقل مواطني البلدين بصورة تعضد الروابط والعلاقات الانسانية عوضاً عن اعادة « لحمة وسداة » العلاقات التي قطعتها رياح الانفصال والعداء الأهوج ، لدينا جنوبيون ولدوا وعاشوا في الشمال يتعرضون اليوم للفصل من الخدمة والابعاد بناءً علي حيثيات انفصال سياسي غير عادل، ولدينا بالمقابل شماليون عاشوا في الجنوب وهم لن يرتضوا وطناً بديلاً عن الجنوب ولهم منافع وذراري..هنالك مسلمون كثر ومساجد بدأت اصواتها تخفت بفعل الضعف الناجم عن الفصل والانفصال عن الوطن الام . ان شعبي السودان ينتظرون من المفاوضات الجارية حالياً في العاصمة الاثيوبية اديس الكثير، فالوقت والظرف لا يسمحان باستمرار النزاعات المسلحة والوضع الاقتصادي لكلا البلدين يشهد تضعضعاً وهشاشة لا تتحمل فواتير وكلفة الحرب، ولذلك من الأسلم للطرفين إقرار اتفاقات جيدة بأعجل ما يتيسر والالتفات لمشروعات البناء والتعمير والاهتمام برفاهية الانسان السوداني في الشمال والجنوب .