يحكي النيل للبحر قصة أروع ضفتين ضمتاه بين جوانحهما، ضفتان تحملان أروع شعب على وجه الارض.. النيل عبر شواطئ عدة.. واخترق شعوباً عدة.. لكن لم يحتف بشعب بهذه القاصة وتلك الاستقامة.. شعب يتنفس السلام ويعيش الوئام. ويتعاطى المحبة كالعنب حبة.. حبة.. والفروسية عند اللزوم، كريم مقدام وعلى بساطة البساطة الاحمدي الممدودة يفترش الخضراء ويلتحف الغيم مجيد يطلب ثأره ولا ينام على الضيم، وإذا سئم خطة خسف قال بملء فيه «لا».. يتماهى فيه «موزاييك» التعدد الثقافي والاثني في أرجوزة «مموسقة» اسمها انا السودان!! هذه ليست «شيفونية» منرجسة قال النيل وانما مشاهدة وصفية، واختبر العابرين على عبابك أيها البحر مع التحية. حقاً أن الشعب السوداني يشكل أمثولة قيمية نادرة في مفهوم التعايش، والوئام والسلم المجتمعين، وهذا الوئام ليس معناه مطلقاً أن يتنازل طرف لصالح طرف آخر عن ثوابته واصوله ويتلاشى بفهم «لا أنا أنا، ولا أنت أنت»، كما لا يعني أيضاً ان يلغي طرف طرفاً آخر، والا كان صراعاً عدمياً مجنوناً بفهم «يا أنا.. يا أنت»، ولا أيضاً أن يقبل كل طرف بالآخر بعلاته وعواهنه وعيوبه دون مبادرة إصحاح أو إصلاح بفهم «أنا أنا.. وأنت أنت»، ولكن بفهم «قل تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم»، والكلمة الوسطى لا تعني «المحطة الوسطى»، أو برنامج «الحد الأدنى» وانما هي بالضرورة تعني الكلمة العليا، والحضرة الشماء وبشكل أدق اتجاهات الصواب وبالعامية «منطقة عدل الراس». كم هو مرير أن ترى نسيجنا السوداني المجتمعي البديع بغزله الرفيع يتعرض لتمزيق مريع.. وكم هو مرير أن يجترح الجاني جريرته ثم يفلت دون عقاب، والأفظع والأمر أن تجيد التهمة على الضحية ويطالب بدفع الدية قبل تنفيذ القصاص عليه مع إثبات حسن السير والسلوك، هذا ما حدث سادتي الأفاضل هذا ما حدث بالضبط!! بينما قضية حريق الأضرحة واغتيال حارس قبة اسماعيل الولي رهن التحقيق الامني والجنائي، وبينما جراح اخواننا في ساحة المولد لم تندمل، وفي ظل أجواء طائفية مشحونة أحوال أمنية بالغة التعقيد، وتحيز رسمي واضح للجانب الصوفي، في ظل هذا الجو المفعم بالتوتر يخرج علينا صبيحة هذا اليوم 22 ربيع الأول 3341ه الموافق 41 فبراير 2102م بيان المجلس الأعلى للتصوف «هذا ما كان ينقصنا» ليصب مزيداً من الزيت على النار فيزيد في التهاب الموقف دون تدخل الدولة لوأد الفتنة، وانما تمرير، او السماح بمرور مادة الفتنة للعلن، بيان يحوي في طياته بذور الصراع الطائفي في تجريح، وإساءة وإضفاء ألقاب استفزازية مثل «وهابية وتكفيريون» ثم تجيير تهم لم ينهض بها دليل، ولم يوجهها حتى أصحاب الأضرحة أو اولياء الدم، بل وقالوا أكثر من ذلك إن انصار السنة خارج دائرة الشبهات فكيف يتهمنا هؤلاء؟ ومن هؤلاء؟ ولحساب من يعملون؟ بيان صبياني رديء الإخراج، وخطاب ديماجوجي تحريضي حامض.. مشبع بالشحن الطائفي عالي التوتر، لا يكترث بما يترتب عليه من احداث ولا يأبه بايلولة الفصام المجتمعي النكد مثل «ثور مجنون في مستودع الخزف» واسمحوا لي سادتي ان اقدم اسئلة قد تساعد في حل بعض عقد القضية.. أولاً: لماذا تأخر البيان طوال هذه المدة 61 يوماً كاملة من الأحداث؟ وهل لهذه الحملة التحريضية والاعلامية المضادة والمتشفية ضد جماعة عريقة مثل جماعة انصار السنة المحمدية علاقة من قريب او بعيد بمسلسل تفكيك النسيج الاهلي وتفجير الحروب الاهلية في المنطقة «اليمن» أنموذجاً؟ وهل للمسألة اية علاقة بملفات الفساد والمفسدين في البلاد؟ وهل الشيعة مستفيدون من هذا الصراع؟ ومن هي هذه اللجنة التمهيدية؟ وهل يفترض بلجنة تمهيدية تقوم بالترتيب لهيكلة المجلس الاعلى للتصوف هل يحق لها ان تصدر بيانات بهذه الحساسية؟ اسئلة اطرحها على المراقبين، وما يعقلها الا العالمون. ومن خلال هذه الاطروحة سأعالج بالسبر والتحليل والتقسيم ست قضايا أرجو ان تشكل «منطقة عدل الراس». أولاً: الرواية الحقيقية للأحداث. ثانياً: تهمة التكفير. ثالثاً: من أحرق الأضرحة. رابعاً: موقفنا الشرعي من المولد. خامساً: موقفنا الشرعي من الصوفية. سادساً: رسائل موجهة. أولاً: الرواية الحقيقية: الأحداث يظن البسطاء انها بدأت في ساحة المولد يوم الاحد 6 ربيع الاول 92 يناير، وهي في الواقع ظهرت للعلن في ذلك الوقت لكن لم تبدأ اذ ذاك.. وما كان لهكذا احداث ان تقع، ولا ان يستحل مسلم دم اخيه المسلم، ولا أن يقع هذا المستوى في التباغض والفصام المجتمعي الغريب على تفاصيل هذا الشعب المسالم الا في اجواء شحن طائفي عالي التوتر يغيب فيه الوازع الديني والعقل والمنطق وكل الاعراف والعادات المحترمة، وكان تقدير الوقت في غاية الخبث فهو قبل المولد بأيام، حتى لا تبرد جذوته، ويكون من المبكر أن تصل الجهات العدلية فيه الى قرار، ويبقى الحكم الى الجماهير، وتتحول الى قضية رأي عام ويستولي الجنون على منسوبي الطرق الصوفية المحشورين في هذه الملهاة بغير وعي، تقودهم حمأة الانتقام المجنون، فتفسح قوة المنطق مكانها لمنطق القوة، ويغيب الوعي ويسود منطق الغاب حيث البقاء للأشرس، وتم الاعداد للكارثة بحرفية عالية كتلك التي حدثت في العراق واليمن وباكستان.. انهم خبراء الفتنة، امراء الظلام، مقاولو الحروب الاهلية وسأسفر عنهم في ثنايا المقال. بدأ المخطط منذ الاعتداء على الاضرحة: ادريس ود الارباب، والمقابلي، وحسوبة والحاج يوسف، والفكي هاشم، ثم ليعطي المشهد إثارة خاصة يذبح شيخ في الثمانين من عمره حارس ضريح اسماعيل الولي.. الحصيف يلاحظ أيضاً التوزيع الجغرافي للالغام الموقوتة شرقاً في تمبول الى العليفون مرورا بسوبا ثم الحاج يوسف فشمالا الفكي هاشم والى الغرب باتجاه الابيض وانتهاءً بنيالا، تغطية جغرافية وضعت بعناية، حيث الكثافة الصوفية ليقبع الجميع فوق برميل بارود بانتظار الانفجار.. وكان الانفجار.. والموعد ساحة المولد، حيث التجمع الصوفي المحموم.. وفي يوم الأحد 6 ربيع الاول، وبعد انتهاء الفعاليات الدعوية المعتادة منذ اكثر من 06 عاما، وبعد خروج الشباب من مخيم انصار السنة، حضرت مجموعة من المتفلتين قاموا بتكسير محتويات الخيمة والاعتداء على الخفراء الاربعة. وهنا انفجر الموقف حيث تشجع بقية المتصوفة المحجمين امام هذا الانتصار البارد في اليوم الاول ليعاودوا الكرة في اليوم التالي، وفي اثناء فعاليات اليوم الثاني تجمهر شباب الدعوة السلفية، ولكن نسبة للوجود الامني الكثيف مع وعود الا تتكرر هذه الاعتداءات، وتغليب حسن الظن بأن الحدث كان عابراً، فوجئ شباب الدعوة السلفية بوابل من الحجارة تنهال عليهم، والشرطة لا تستطيع ان تفعل شيئاً، وحالت الشرطة بين الفريقين ولكن لضيق منفذ خيمة انصار السنة لم يكن هناك فرصة للمناورة أو الحركة أمام الاعتداء الجبان، ولم يحدث أن تمت اشتباكات أو مواجهة مباشرة فقط رمي من بعيد بشكل صبياني، وهذا ما يفسر الإصابات الكثيرة وسط السلفيين، ولم ترصد اية اصابات وسط الصوفية لانهم هم المعتدون، وقد شوهد احد الضباط محمولاً على اعناق الصوفية المبتهجين وستتم ملاحقته قانونياً، وما كان لتلك الشرذمة من الدهماء أن تتجرأ على هذا الفعل دونما ضوء أخضر من بعض منسوبي القوات النظامية، ولا نحزن على ما حدث لنا بل نستبشر لأن هذا من معالم مسيرة الدرب المضيء درب الانبياء والمرسلين ومن بعدهم المصلحين، قال تعالى «وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما اصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين»، وفعلهم هذا فعل من غلبت عليه شقوته ولم يطق منازلة فكرية، وحار جوابا امام الاسئلة الصعبة فلجأ لمنطق القوة امام قوة المنطق، وهذا جواب يتداوله اهل الباطل في يوم ما حرفوه وبدلوه وانتهى اليوم الثاني. ونسأل الله ان يشفي الجرحى ويتقبل اعمالهم... وفي اليوم الثالث بدأت مفاوضات بين قيادة الجماعة بالمركز العام ومعتمد ام درمان، وكانت للاسف مفاوضات عبثية جداً، وكان لنا امل ان الاجهزة العدلية بها درجة من الرشد بحيث تنتبه لخطورة ما جرى وما سيجري، وانتظرنا اليوم الثالث، وفي اليوم الرابع توجهت حشود أنصار السنة الى مخيمهم، ولم يجرؤ احد ان يقترب منهم هذه المرة، لكن كان هناك نشاط محموم لجيراننا في الجوار حيث تجمع كل الموتورين ضد هذه الدعوة السلفية، السؤال هل كان وجود هذه الخيمة بالذات الى جوارنا صدفة؟ وبدأوا بكيل السباب والشتائم والتهديد والوعيد، ورفع لافتات مكتوب عليها عبارات استفزازية والمؤسف أن المعتمد كان موجودا في خيمة انصار السنة وقائد الشرطة كذلك يسمعون ويرون ولم يحركوا ساكناً، وانصار السنة في صبر متلمظ، ومرة اخرى كانوا هم الاعقل وصمام امان المجتمع حينما استجابوا لرجاءات، اقول لرجاءات الجهات الامنية بأن هناك مخططاً لاصطدام وفتنة وشيكة «خليكم انتو العاقلين، وسنتعامل نحن مع محركي الفتنة» وبالفعل انفض الجمع بسلام، ولكن وللاسف الشديد كانت جائزتهم المقدمة للعقلاء من انصار لسنة ان تم تجميد نشاط انصار السنة ذلك العام، واغلق الملف بهذه الخاتمة المخزية التي تعوزها الحكمة والعدالة.. وانا اتلقى هذا الخبر التفت الى الضفة الشرقية من النيل حيث مدينة بحري الهادئة الوادعة وساحة المولد فيها تحتوي على ذات التفاصيل الصوفية وانصار السنة، وتساءلت المولد في ام درمان هو المولد في بحري!! وانصار السنة في ام درمان هم انصار السنة في بحري!! والصوفية هم هم!! طيب ما الذي غير الاحداث وشكل معالجتها؟ ما الذي اختلف؟ ربما كان الاختلاف ويا للصدفة ان معتمد ام درمان غير معتمد بحري، وهنا اقدم اتهاماً صريحاً اتحمل مسؤوليته، ان معتمد ام درمان لم يتصرف كرجل دولة، وانما بشكل فيه محاباة وتمييز طائفي واضح. ولنسأل السيد المعتمد ترى لو كان انصار السنة هم من قام بالاعتداء على الصوفية او هددوهم او رفعوا لافتات كتلك التي رأيت والسباب والتهديد الذي سمعت ماذا كنت ستفعل فيهم؟ اترك الاجابة لكم والمثل الدارفوري يقول «دَبَرة في ميرم يكوو خادم»، وكل ذلك سيكون خصماً على مستقبله السياسي وسمعته المجتمعية، وقبل ذلك موقف امام الله، واتق دعوة المظلوم وان كان كافراً، وعند الله تكتمل الخصوم، قال تعالى «الله ربنا وربكم لنا اعمالنا ولكم اعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا واليه المصير» وقلبت تلك الصفقة. البيان النكد: لما شعر مدبرو الفتنة ان جذوة المؤامرة قد بدأت بالخمود، اطلقوا هذا البيان المهووس الذي يفتقد لادنى مسؤولية وتعوزه الحكمة ليجدوا الدماء في عروق مجتمع الكراهية ويصبوا الزيت على النار، لكن عشمنا في اهلنا كبير، واملنا من قبل في الله اكبر. ظل انصار السنة جنبا الى جنب مع الصوفية نعم يختلفون لأبعد مدى في المولد وفي غيره في المساجد في الاحياء في مواقع العمل وفي المناسبات الاجتماعية يتحاورن يتناظرون يتجادلون، لكنهم ابداً لا يتباغضون، واذا حصل شجار ما سرعان ما يطفأ وتعود الحياة إلى وداعتها.. أخبرهم ايها الصوفي المتعصب كمال دوليب عن جدالاتنا التي تهتز لها القاعات، وحواراتنا الملتهبة، ثم أخبرهم عن صحبتنا واحترامنا لبعضنا البعض، ليت والدنا خليل الشريف القطب الختمي حي ليحكي لكم عن ادب الخلاف اواه لخليل الشريف رحمه الله رحمة واسعة في بيته الرحب المضياف تلتقي كل الوان الطيف السياسي والفكري بأناقة ولياقة يتبادلون الحوار والجدال مختلفون حتى النخاع لكن في قمة الادب.. في هذا البيت المضياف والذي حوى عددا من الطلاب ولا زال ابناؤه الشريف واخوته على ذات الدرب.. هناك التقيت بطالب بجامعة القرآن الكريم وكان هذا الطالب صوفياً متعصباً، وكان معنا المرحوم عبد الوهاب الختمي ذلك الفتى الاريب اللبيب، وكنا نتحاور ونتناظر، ولكن ذلك الشاب المتعصب كان شديد النزف شديد التطرف، كان ذلك في عام 3991م، ولم التق بذلك الطالب الا في المحطة الوسطى.. عفوا.. ليس في سوق ام درمان ولكن على شاشة قناة الشروق الفضائية يوم الاحد 5/2/2102م كان ذلك الطالب هو محمد مصطفى الياقوتي وزير الدولة بوزارة الأوقاف، ظننت ان تقدم السن والمسؤولية ستخففان من حدة التطرف لديه، لكن خيبت افعاله توقعاتي حينما تصرف لا كرجل دولة وانما كطائفي من الطراز الاول، وتناسى ان له واجبات على قطاع مهم من هذا الشعب وهم انصار السنة المحمدية غير ممنونين، فأحرجه د. عصام البشير وزير الارشاد السابق وقال له ان انصار السنة جماعة لها تاريخها ولها منجزاتها وكوادرها في كل مكان في دواوين الدولة وديوان الافتاء وقاعات البحث العلمي، لا يمكن تجاوزهم او شطبهم هكذا، ثم اضاف ان مثل هذه الامور لا تناقش بهذه الخفة على الهواء الطلق، وانما لها اصحابها من اهل العلم والنظر واهل الحل والعقد. د. عصام البشير مع اختلافه منهجياً مع انصار السنة في بعض الامور الخلافية، الا ان ذلك لم يمنعه ان يتعامل مع الحدث بمسؤولية وتجرد يليقان برجل محترم وداعية مكرم فله الشكر والتقدير. واقول لأصحاب الاغراض والامراض ان خطابكم المبحوح قد تأخر كثيراً.. كثيراً جداً.. يروى ان عمر محمد الطيب نائب الرئيس الراحل نميري احضر الشيخين ابو زيد محمد حمزة ومحمد هاشم الهدية رحمه الله زعيمي جماعة انصار السنة، وطلب منهما توقيع تعهد بالا يذكروا الاولياء بسوء في ساحة المولد، وتوعدهم بأن من يفعل غير ذلك سيعاقب وسيغرم «002» مئتي جنيه «مبلغ كبير وقتها»، فسأله الشيخ ابو زيد حفظه الله «انتو البسب ربنا.. ويسب الدين بتغرموه كأم؟» فسكت الجنرال لانه تذكر ان قانون السودان وقتها يغرم الذي يسب الدين 01 جنيهات فقط، ألم أقل لكم تأخرتم كثيراً؟ كان غيركم اشطر واكبر واكثر.. ذهب الجميع وبقينا وسنستمر باذن الله، والمحروم من حرم عن موالاة والمسجون في سجنه هواه والموفق في عرف الله.