بدأ أمس التقديم لنحو 20 ألف وظيفة على المستوى الاتحادي وهناك خمسة آلاف فرصة أخرى على مستوى الولايات مما ينعش آمال آلاف العطالة من الخريجين الذين ظلوا خلال السنوات الماضية يغادرون جامعاتهم ويحملون شهادات تحولت الى كابوس لأسرهم ،التي كان تنتظر تخرجهم لتحقيق طموحات وتغيير واقعهم وتكوين أسر جديدة ولكن..!! ويأتي فتح التنافس على هذه الوظائف بعد أسابيع من تعهد الرئيس عمر البشير بإنهاء سياسة التمكين والتدخل السياسي في التوظيف،وستكون هذه المنافسة اختباراً حقيقياً لامتناع الحزب الحاكم عن التأثير على سياسة التوظيف واختيار أهل الولاء على حساب الكفاءة ،مما يعني أن الوطنية ومطلوبات التأهيل هي الشرط الأساسي لتولي الوظيفة وليس أي شرط آخر. هذه الوظائف ستخفف من صفوف الخريجين، الذين تمزقت شهاداتهم الأكاديمية ،وحفيت أقدامهم وهم يتجولون بحثا عن وظيفة تمنحهم أملا في حياة كريمة،ولكن لا يزال عشرات الآلاف في الانتظار والملل والاحباط،حيث ان العطالة وسط الخريجين اقتربت من 40%،بجانب الأيدي العاملة الأخرى التي تأثرت بالوضع الاقتصادي المتعثر والسياسة الانكماشية والركود،ولولا التعدين الأهلي الذي استوعب مئات الآلاف لوصلت البلاد مرحلة الانفجار، ولكن الحمد الله الذي غير حياتهم ووفر لهم كسب سبل عيش كريم بلا تخطيط ولا جهد من أية جهة رسمية أو خاصة. وقد تفشت العطالة خلال العقدين الأخيرين بتزايد اعداد الخريجين التي تسبب فيها التوسع في التعليم مع عدم وجود خطط لاستيعابهم أو ربط التعليم بحاجة السوق، وتطبيق سياسة التحرير الاقتصادي عند اوائل التسعينيات وما تبعها من توفيق للاوضاع لبعض المؤسسات واعادة هيكلة وخصخصة بعضها ، يضاف الى ذلك الهجرة المتزايدة من الريف الى المدن. ولا سبيل لانهاء البطالة بالوظائف ، لأن فرصها محدودة ولا تستوعب كل الأيادي العاملة والخريجين ولا تحقق طموحات من يريدون دخلا وفيرا بعد أن سُحقت الطبقة الوسطى،و للخروج من البطالة يتطلب إعادة هيكلة الاقتصاد وفتح مجالات التدريب والإعداد الوظيفى حسب الإحتياجات، وابتكار اساليب جديدة ومرنة لتحفيز العاملين في الاقتصاد غير الرسمي كالمزارعين والرعاة واعادة النظر في السياسات الزراعية ، مما يساهم في ايقاف الهجرة من الريف ،وخروج الدولة واجهزتها من مجالات العمل الإنتاجي والتجاري، واخضاع كل اجهزتها لقوانين مكافحة الاحتكار، وتنظيم المنافسة وتشجيع الإنتاج الوطني. وثمة أمر آخر صار يشكل قلقا للأيدي العاملة الوطنية وهو زحف العمالة الأجنبية على وظائف لا تتطلب مهارة غير متوفرة، لذا ينبغي وقف أصدار التراخيص الخاصة بجلب العمالة الأجنبية ، وعدم منح أي استثناءات إلا فى أضيق الحدود لنقل الخبرات. وهناك ضرورة لصياغة برنامج استراتيجي للتنمية وتحديد دور القطاع الخاص، والتركيز على الصناعات التحويلية التي تستوعب أعداداً ضخمة من العاملين ، ونبذ عقلية الجباية التي تقود الى صرف النظر عن تنمية الموارد ،وتأسيس صندوق مكافحة العطالة،وقبل ذلك توفر إرادة سياسية لمكافحتها، خاصة أن الربيع العربي الذي غشي دولاً في محيطنا كان وقوده العطالة والفساد ،ولا تحسبوا أن قطاره غادر محطة السودان أو تجاوزها.