في كل يوم تطلع فيه الشمس من المشرق قبل أن تصل إلى مداها في المغرب تطل علينا فاجعة مصدرها الحرب المشئومة الدائرة الآن في جنوب كردفان دون أدنى مبرر أو منطق لاستمرارها حتى هذه اللحظة التي دخلت فيها شهرها العاشر ولا بصيص أمل لإيقافها ، وكأن الحكمة غابت من طرفي النزاع وفقدا الوعي عما يترتب مستقبلاً من هذه الحرب في مجالات الحياة المختلفة على إنسان المنطقة المسكين الذي أصبح كالريشة في مهب الريح العاصفة تتنازعه الأقدار ما بين حرب ضروس وفقر مدقع ، وسياسات مركزية وولائية يشوبها الضباب خاصة فيما يتعلق بمصير الحرب الدائرة الآن ، والتي أخذت أبعاداً جغرافية جديدة تهدد آمن واستقرار المواطن فمن العباسية بالمنطقة الشرقية التي ما حلم التمرد يوماً بدخولها أو حتى مجرد الاقتراب منها للحصون التاريخية المعروفة لمملكة تقلي الإسلامية من عقيدة ، وورع ، وتصوف ، وتنوع في الأعراق كانت بمثابة العواصم من القواصم القبلية والجهوية طيلة تلك الفترة الماضية إلى إن تم اختراقها مؤخراً من قبل الحركة الشعبية ، وبالأمس القريب كانت الهجمة الثانية بعد الشرقية لمنطقة جاوا او بحيرة الأبيض الحدودية مع دولة الجنوب هجمة بقيادة دولة الجنوب ، ومشاركة الجبهة الثورية التي تضم حركات دارفور وبقايا الحركة الشعبية من جبال النوبة ، والنيل الأزرق ، ويبدو أن دولة الجنوب تسعى إلى حتفها قبل أن تبلغ رشدها السياسي بهذه التصرفات الرعناء ، ولئن عجزت الحكومة في إيجاد حل سياسي لهذه القضية فلن يعجز أهل المنطقة من الدفاع عن أموالهم وأعراضهم المنتهكة من سفهاء الحركة الشعبية ولن يتنازلوا عن شبر من أرضهم ، وحتى هذه اللحظة لم يقل مواطن المنطقة كلمته الفاصلة للحد من الفوضى التي تمارسها الحركة الشعبية في جنوب كردفان من تعطيل التنمية وترويع و تجويع المواطنين ، لكن حتماً سيقول كلمته بعد آخر مشهد من المسرحية السياسية التي تعرض الآن على مسرح جنوب كردفان والتي يشاهدها العالم كله دون أن يتأثر ببعض لقطاتها الحزينة ، من سفك الدماء ، والتشريد ، والنزوح ، والتجنيد القسري للأطفال العزل .نحن نعلم تمام العلم أن المجتمع الدولي منحاز وبصورة فاضحة للحركة الشعبية ولو تدخل حتى من باب الإنسانية فمن اجل عيون عبدالعزيز الحلو ورمضان حسن ولذلك لاخير يرجى منهم ، ولكن نقول ونصر على أن الحكمة غائبة والوعي مفقود في سياسة الحكومة تجاه حل القضية والاما استمرت الحرب إلى هذا اليوم ، وخطورة استمرار الحرب في جنوب كردفان له أبعاد خطيرة: البعد الأول : سيفتح الباب على مصراعيه للمجتمع الدولي للتدخل من باب الإنسانية ( خداعاً ) أومن باب الدعم العسكري لحركات التمرد عن طريق دولة جنوب السودان التي ما قامت إلا لتؤدي دور زعزعة الأمن في المنطقة . البعد الثاني : توسيع دائرة الحرب في فصل الخريف ولو في شكل تقطيع الطرق وتخويف المزارعين الأمر الذي ينعكس سلباً على عملية الإنتاج الزراعي وبالتالي تأخذ الحرب شكلاً ثانٍ وهو حرب ( المجاعة ) وهذه اخطر من حرب السلاح ، ومن مصلحة الحركة الشعبية أن يطول أمد الحرب ليطول أمد المعاناة حتى يسخط الشارع والرأي العام من الحكومة وهذا هدف إستراتيجي من أهداف الحركة الشعبية تقود الحكومة نحوه بلا وعي ولا بصيرة . ولذلك من الحكمة أن تعي الحكومة هذا المخطط الخطير وتسعى لإيجاد حل سلمي سياسي عاجل ، وان هي خجلانة - أي الحكومة - من الرجوع إلى الاتفاق الإطاري الذي سارع به د. نافع لإيقاف نزيف الحرب فلتبحث عن إتفاق آخر وبآليات أخرى وما أكثر الآليات التي لم ندلها موقفاً أو مبادرة ولم نسمع لها صوتاً حكيماً يكون ترياقاً وبلسماً شافياً للجرح النازف في جنوب كردفان وأعني من هذه الآليات مجلس حكماء جنوب كردفان الصامت لكن نأمل إن يكون هذا الصمت بمثابة تأمل وتدبر في حكمة مرجوة قد ينطق بها المجلس في الوقت المناسب لان ألسواي ما حداث كما يقول المثل السوداني . ومن الآليات التي يمكن أن تلعب دوراً في الحلول أبناء جنوب كردفان في السودان وخارج السودان في المؤتمر الوطني والحركة الشعبية المصنوعة جناح دانيال كودي وتابيتا بطرس . ومن الأحزاب الأخرى داخل الحكومة العريضة أو خارجها كلهم يقع عليهم العبء في تحمل مسؤولية الحل لهذه الحرب قبل فوات الأوان بل قبل فصل الخريف .لكن تفاعل هذه الآليات مرهون بسياسة الوالي وانفتاحه على الآخرين وبسط الشورى في الأمور الهامة والمصيرية ، والبعد عن التفكير الأحادي ، ونظام إدارة الشركة الخاصة ? أو أسلوب التعليمات ، مطلوب ومنفذ ، كل هذا لايزيد الحرب الدائرة إلا إستعاراً ويزيد هوة الخلاف بين أبناء الولاية في كيفية إدارة الأزمات والكوارث التي تحل بالولاية من حين إلى آخر . لأمن مبدأ حب الخلاف ولكن من مبدأ الحرص على مصلحة الولاية ، ولعل من حسن الفال أن الوالي بدأ في هذا الاتجاه بلقاءاته النوعية خلال الأيام الماضية بأعضاء المجلس الوطني أو أساتذة جامعة الخرطوم ، ونرجو أن يكون له لقاء عاجل مع أساتذة جامعة الدلنج ليسمع آراءهم في ما يجري بالولاية عسى ولعل إن يجد من الآراء والافكار ما يساعده على الخروج من هذه الازمة . بعد ان عجزت اجهزة الدولة وعلى رأسها المؤتمر الوطني في إدارة الازمة وإيجاد حل لها بالطرق السلمية التي تحفظ دماء ابناء الوطن الواحد من الطرفين .إن ولاية جنوب كردفان لا تحتمل إستمرار هذه الحرب لاكثر من هذا فقد تعطلت كل مشاريع التنمية التي بدت في كثير من المجالات ، اصبح الصرف على بند الأمن خصماً على بنود التنمية وبدأت الولاية في التراجع والتقهقر الى الوراء بسبب الحرب فالتعليم في كثير من المناطق التي تسيطر عليها الحركة توقف تماماً ، والخدمات الصحية تكاد تكون منعدمة . والمواطن مهدد بالجوع ، والضغوط النفسية التي تمارس عليه من قبل الحركة الشعبية ، فعدد كبير من المواطنين مكرهون على البقاء في مناطق الحركة الشعبية كدروع بشرية وليس بإختيارهم وإرادتهم الحرة . فلا يمكن لعاقلٍ من البشر ان يرضى بوضع كالذي اختارته الحركة الشعبية واجبرت عليه المواطن الذي كان يتمتع بكل الخدمات التعليمية والصحية ، وحرية الحركة في أي مكان يريده في السودان دون قيد او شرط . ولذلك عندما ننادي بالحل السياسي لهذه القضية فمن اجل المواطن الذي اصبح ضحية لغباء الحركة الشعبية وتعنت المؤتمر الوطني . لهذا لابد من صوت ثالث ينطق بالحكمة ويقول لطرفي النزاع ارضاً سلاح - فاذا كانت الحكمة غابت عن مجلس الحكماء فلا ينبغي ان تغيب عن الشركاء الذين ينتظرون تشكيل الحكومة بالولاية بلعاب يسيل كالدماء . وبلهفة جائع يبحث عن لقمة عشاء، او ظمآنٍ يبحث عن جرعة ماء .إن موازين الحرب الجارية الآن بالولاية ربما تغير الموازين السياسية فإذا كانت الحكومة اختارت الحل العسكري فان على الوالي ان يقدم حكومته الى معسكرات التدريب اولاً سواء كان معسكر عيسى بشارة بالقطينة ، اوالمرخيات لمقتضيات المرحلة . ولاختبار الشركاء القادمين في الشدائد لان المرحلة مرحلة شدائد وليست مرحلة موائد . واخيراً نقول ونهمس في اذن الحكومة العريضة الجناح الملحق بالمؤتمر الوطني ( الصادقاب والمرغناب ) رايكم شنو في حرب جنوب كردفان كأحزاب كده إتكلموا إحتمال ناس الحركة يسمعوا كلامكم لانوا البينكم عامرة من كوكدام وجيبوتي ، لعلكم تهتدون لحل . ومدد يا ميرغني وجنوب كردفان ليك ألف سلام .