الزواج هذا الرباط المقدس، وهو سنة الأولين والآخرين، وقد ورد ذكره فى الكتاب الكريم فى الكثير من السور، حيث حض ديننا الحنيف عليه بالعديد من الآيات، منها قوله تعالى: «وإن خفتم ألا تقسطوا فى اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا»، كما أن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان يدعو الشباب إلى الزواج وأن يختاروا ذات الدين، حيث قال «ص»: «يا معشر الشباب من استطاع منك الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»، وهذا يؤكد مدى حرص الإسلام على هذه الرابطة الطيبة التى تمثل النواة الأولى لأى مجتمع يحرص على العفة. والوصول إلى شريكة الحياة أو الزوجة المناسبة، اختلفت طرقه منذ قديم الزمان، ولكن الطريقة المعروفة هي أن يتقدم أى شاب لخطبة فتاة ما بعد أن يكون قد تعرف عليها وعلى أسرتها سواء بصورة مباشرة أو عن طريق وسيط، ونجد أن أسباب التعارف تختلف من زيجة لأخرى، فأحياناً يكون بسبب صلة القرابة، وهناك زواج الزمالة وزواج المهنة الواحدة، وغيرها من أشكال الزيجات التى تحدث لأسباب وعبر وسائل مألوفة ومقبولة عند المجتمع. ولكن هل ما ذكرناه من وسائل هي الوحيدة التى مازالت تستخدم؟ الإجابة قطعا هى لا، فالتحول التقنى والاتصالى الذى شهده العالم فى العشر سنوات الأخيرة أحدث تغييرات كبيرة فى المجتمعات، وظهرت وسائل جديدة كانت غير متاحة حتى وقت قريب، فالملاحظ بعد أن أصبح الدخول إلى الشبكة العنكبوتية متاحاً للكثير من الناس خاصة فئة لشباب، صرنا نسمع عما يسمى زواج «النت»، حيث أنشئت الكثير من مواقع الزواج والتى تتيح الفرصة للكثيرين للتعارف والتواصل مع بعضهم البعض بعد التسجيل، ومن ثم كتابة بيانات عن أنفسهم، وبعد ذلك يحددون شروطهم المطلوبة فى زوجة أو زوج المستقبل، وتعمل هذه المواقع على ترغيب الشباب من الجنسين لخوض التجربة وبطرق مختلفة، من بينها نشر نماذج لزيجات وتجارب للزواج عبر الشبكة حققت نجاحاً كبيراً. «الصحافة» دخلت أحد هذه المواقع ووقفت على بعض طلبات الزواج من الجنسين التى فيها الواقعى وفيها ما هو أشبه بالخيال، والكثير ممن يرتادون هذه المواقع يستخدمون أسماء مستعارة وأحيانا صفات يكون فيها نوع من لفت النظر، فإحدى الفتيات وصفت نفسها بالحائرة، وذكرت فى بياناتها أن عمرها «30» عاما وأنها تحمل شهادة جامعية وتعمل موظفة، وقدمت بعض الأوصاف الجمالية من ناحية لون الشعر والطول وغيرها «طبعا للترغيب»، وعن شروطها فى شريك المستقبل، قالت إنها تريده جامعياً ويعمل فى وظيفة محترمة، وألا يقل طوله عن «165سم»، وأن يكون له سكن منفصل عن أسرته. وأخرى وصفت نفسها ب «القنوعة»، وقالت إن عمرها «27» عاماً وتحمل شهادة جامعية ولا تعمل ومتوسطة الجمال، واشترطت أن يكون شريك حياتها حسن المعشر وله دخل مريح ولديه إمكانية العيش بصورة منفصلة بعيداً عن أسرته أو أسرتها. إحداهن قالت إنها تبلغ من العمر أربعين عاما، ولديها ماجستير فى إدارة الأعمال ومقيمة بالسعودية، وأنها على درجة عالية من الجمال، وقدمت شروطاً تمثلت فى أن يكون زوج المستقبل ممن يحملون شهادة الماجستير على الأقل، وأنها تحبذ أن يكون من حملة الدكتوراة، ولديه بيت وسيارة، وألا يقل دخله عن ثلاثة آلاف دولار، ويقدس الحياة الزوجية. ترى كيف هى شروط الشباب الذكور؟، أحدهم رمز لنفسه باسم «عبده» وقال إنه جامعي ويعمل موظفاً فى مؤسسة حكومية، ويبلغ من العمر «35» عاماً، وقال إنه يرغب فى الزواج من فتاة جامعية أو خريجة ثانوى على الأقل، وأن تكون ممن يقدسون الحياة الزوجية وأن تقبل بالعيش معه فى بيت أسرته. «ح. م» قال إنه يعمل تاجراً وعمره «45» عاماً، ويرغب فى الزواج من فتاة جامعية لا يهمه إن كانت تعمل أم لا، وأنه يريدها ذات خلق ودين. أحدهم وصف نفسه ب «التائه»، حيث قال إنه موظف فى شركة خاصة وبمرتب مجزٍ، وأنه من أسرة متوسطة وعمره «33» عاماً، ويريد أن تكون زوجة المستقبل موظفة وخريجة، وأن تكون على قدر عال من الجمال، وألا يزيد عمرها عن الثلاثين عاماً. هذه نماذج بسيطة جداً أخذناها من أحد مواقع الزواج السودانية، ولاحظنا فيه أن عدد الذكور الراغبين فى الزواج بهذه الوسيلة ضعف عدد الإناث، مما يشير إلى أن هناك تحفظاً لحد ما من قبل الفتيات السودانيات، بينما يتعامل بعض الشباب مع الأمر بشىء من الجرأة. العديد من الباحثين ذكروا أن لجوء بعض الشباب من الجنسين لمواقع الزواج عبر الشبكة العنكبوتية، مرده لصعوبة الاختيار فى هذا العصر بسبب الضغوط والمشغوليات وضياع معظم ساعات اليوم فى البحث عن الرزق. إلا أن البعض يرى أن هناك الكثير من الشباب من الجنسين يتعاملون مع الأمر بدون جدية ويعتبرونه نوعاً من التسلية، مستشهدين بقلة الزيجات التى تنتج عن التعارف عبر «النت»، أو أنها تكاد تكون غير محسوسة، وأكدوا أن الزيجات فى مجتمعنا مازال معظمها يتم بالصورة التقليدية القديمة. بعض علماء النفس قالوا إن لجوء هؤلاء الشباب والشابات للبحث عن شريك الحياة عبر «النت» نتيجة طبيعية لحالة الإحباط التى تنتاب الكثيرين من المقبلين على الزواج، مشيرين إلى أن أغلب طلبات الزواج إن لم تكن جلها تكون ذات شروط يرسمونها بخيالهم بعيداً عن الواقع، وأكدوا أن الكثير منهم لن يجدوا ما يصبون إليه لعدم واقعيته، وذكروا سبباً آخر للجوء بعض الشباب لهذه الوسيلة، وهو إصرار الكثير من الأسر على طلبات الزواج المكلفة وفرض شروط تصل أحيانا لدرجة التعجيز، ودعوا لتيسير الزواج حتى لا يضيع الشباب. وبعض العلماء حذروا الشباب من اللجوء للزواج عن طريق الشبكة العنكبوتية، حيث ذكروا أن بعض ضعاف النفوس يستغلون الأمر لتقضية الوقت، وأن همهم الأول والأخير هو هتك أعراض الناس، وناشدوا أولياء الأمور والأمهات مراقبة أبنائهم وبناتهم حتى لا يقعوا فى ما لا تحمد عقباه. ظاهرة الزواج عبر «النت» ورغم مضى سنين عليها، لم تجد دراسة اجتماعية حقيقية تبين ما إذا كانت ناجحة أم فاشلة، علماً بأنها أصحبت فى ازدياد، بدليل كثرة مواقع الزواج، سواء أكانت سودانية أو عربية أو أجنبية.