تشهد بلادنا هذه الأيام غلاءً متصاعداً في اسعار السلع بالأسواق . ويمكن ان نصف حالة الاسعار بانها إنفكت من قيدها ثم انطلقت مثل الحصان الجامح . بل يمكن ان نصف غلاء السلع مثل السيل الجارف وقوة تياره فوق طاقة مواجهته ومن(يتعنتر) ويقف امامه لصد هديره الطامح سوف يجرفه بعيداً . وبالطبع محدودو الدخل هم ضحايا طوفانه الذي لا يرحم .. فسياسة الاقتصاد الحر لعبت دوراً قاسياً وقياسياً في استشراء الغلاء بصورة لا تطاق فأثر ذلك في تآكل مفاصل اقتصادنا .. وعفى الله عن السيد/ عبد الرحيم حمدي وزير المالية الأسبق فقد اعطى الضوء الاخضر لسياسة تحرير السوق لينطلق مثل الرياح الهوجاء فتكتسح الأخضر واليابس وبالتالي وقع علينا المثل (عايره وادوها سوط) ولكنه سوط يلهب الآن ظهور الناس التعابة الغلابة. لأن مستوى دخلهم لا يستطيع مجاراة السوق . وهاهو حصاد تحرير سوق عبد الرحيم حمدي يطفو على السطح متمثلاً في غلاء متصاعد مبالغٌ فيه وفوضى اسعار لا مثيل لها .وفتح الباب لدخول سلع ومواد غير معروفة المنشأ والمصدر .وانفلات صرف وسعر الدولار بأسلوب متقلب الأهواء لم يحدث من قبل في بلادنا لدرجة اننا لا نفرق بينه وبين سعر الطماطم ، فتارة سعرها هابط وتارة سعرها مستقر وتارة اخرى متصاعد ليقارب افق السماء . فالسيد عبد الرحيم حمدي دلنا على درب اقتصاد متعرج ووعر وقال لنا سيروا عليه فنهاية هذا الدرب سالك وممهد وصالح لمواصلة المشوار عليه ولكن عندما ادرك السيد حمدي أننا توغلنا وتورطنا في مسلكه انسحب (براحة) من المشهد السياسي والاقتصادي في بلادنا ثم لاذ في ركن قصي يرعى املاكه واعماله الخاصة . وتركنا نواجه الغلاء والاقتصاد العليل .. ولكن الطامة الكبرى ان وزراء الاقتصاد الذين جاءوا من بعده بدلاً من الغاء خطته الاقتصادية الحرة الفاشلة ساروا على نهجها فزادوا الامر تعقيداً وتضييقاً على ارزاق العباد وهاهم يجنون الغلاء المتوحش والسوق الاسود والاحتكار (وكسر البضاعة) اي بيعها بأقل من سعرها المعتاد عند اقتراب مدة انتهاء صلاحيتها لإغراق السوق ومن ثم كساد البيع وبذا يكون العرض اكثر من الطلب . اضف الى ذلك أن السيولة غير متوفرة بسبب الغلاء . اذن السيولة منعدمة والغلاء مستشري والاقتصاد متردي .. ووالله من يمر بالقرب من وزارة المالية نهاية دوام العمل اليومي ويرى الاعداد الكبيرة من الموظفين والموظفات خارجين من الوزارة ومتوجهين الى حافلات الترحيل والى سياراتهم الخاصة يعتقد أن هؤلاء ( القوم ) فيهم من العبقرية الفذة والذكاء الفطري والمقدرة العلمية الفائقة والخبرة العملية الواثقة ما يستطيعون به حل معضلة اقتصاد (أجعص جعيص دولة) اياً كان مصدر دخلِها واياً كان موقعها على الخارطة الجغرافية والسياسية . ولكن واقع الحال يقول انهم لم ولن يستطيعوا فعل شيء حيال الاقتصاد المنكمش والغلاء المستعر . فوالله انا في حيرة من امري اذا كان كل ذلك الكم الهائل من الكادر الوظيفي المؤهل لم يفعلوا شيئاً لنهضة الاقتصاد فماذا يفعلون في المكاتب المكندشة . فالبترول وقد خرج من الميزانية العامة للدولة اذن ماذا هم فاعلون ؟ * اما ابراج بنك السودان ، تلك المباني الضخمة الفخمة العاجية فمن يراها يعتقد ان الدولا (راقد عندنا هبترش) وان اقتصادنا يفوق اقتصاد إمارتي دبي وابوظبي ويضاهي اقتصاد الصين وسويسرا - عشان كدا - قمنا بتجهيز هذا المبنى (الجهامة) من اجل التوريد اليومي للمليارات الدولارية واليورو . لأن انتاجنا الصناعي والزراعي والخدمي يفوق الآفاق وصادرات بلادنا بملايين الأطنان لذا تحتم علينا تخزين عائد المليارات في مبنى محصن ومدرع كبنك السودان الجديد .اذن تدفق الدولار نحونا انعكس علينا في شكل حياة الرفاهية ورغد العيش وبحبوحة المأكل والملبس والمشرب ، والفسحة (الما خمج) . وبالطبع الآن ليس بيننا فقير او محتاج . وليس فينا جائع او مريض . وليس لنا هناك عزيز محبوس بشيك . وليس في وسطنا مديون او مهدد بالإفلاس . بل ليس عندنا طالبة او طالب مطرود من مدرسته او محروم من اداء امتحانه بجامعته بسبب المصاريف . كما ليس هناك شخص مريض اخرجوه من المستشفى لأنه لا يملك ثمن إقامته بالمستشفى لأداء العملية ومواصلة العلاج . وليس في بلادنا سكن عشوائي فالكل ساكن ومستقر في منزل فيه كل الخدمات . اما شوارعنا خالية من ظاهرة المشردين والمتسكعين .. وليس في مستشفياتنا النفسية اشخاص دخلوها بسبب انهيار اوضاعهم المادية . اما اسواقنا ومواقف المواصلات فهي مخططة بأسلوب رائع ومنظم وعلمي مدروس . وكل سائق حافلة ملتزم بخطه المحدد . اما اسعار السلع موحدة وثابتة (ويا ويلو و سواد ليلو من يزيد عن السعر المعتاد) سواء كانت اسعار سلع تموينية او دواء او مواد بناء وغيرها . لأن مراكز الرقابة على السلع منتشرة في كل مكان ، في الاسواق ، المحطات ، مواقف المواصلات ، الاحياء السكنية . اما الفساد المالي والاداري فهذا المصطلح غير موجود في قاموسنا القانوني والسياسي لأن الحكومة تضرب الفساد والمفسدين بيد من حديد يعني ليس هنالك اختلاسات مالية او تزوير في اوراق الاراضي . وليس هنالك تلاعب في المستندات الرسمية وليس هنالك مجال للرشاوي او (مسحة شنب) . واي شخص اياً كان مركزه يختلس ويتم ضبطه يعلقون رقبته في ميدان المولد بالحلة الجديدةالخرطوم حتى يكون عظة وعبرة لغيره - عشان كده بلادنا خالية من الفساد يمختلف اشكاله - لذا نلنا شهادة الجودة الشاملة (الآيزو) . اما انشاء الطرق والكباري الطائرة والمستشفيات الحديثة والمدارس والجامعات هى جزء يسير من الخدمات التى تقدمها الدولة لمواطنيها . اما خدمة الاتصالات والكهرباء والمياه والمواصلات هي ضمن خدمات عائدات دفع الضرائب والعوائد فتقدمها الحكومة بأسعار زهيدة في متناول يد اي شخص ثم نعرج نحو السلع الغذائية فهي متوفرة بمختلف الانواع مثل اللحوم والاسماك والدجاج والخضر والفواكه والعصائر - اشكال والوان . فهذه السلع كما هو معلوم مدعومة من الميزانية العامة للدولة . ثم ندلف نحو البناء والمعمار فمطاراتنا الدولية هي من احدث مطارات الدنيا حيث تجلت فيها روعة وجمال البناء حيث التصميم المعماري المتطور . اما السكك الحديدية الممتدة في انحاء البلاد هي من اعظم القطاعات في المنطقة العربية والافريقية (قطار كل ربع ساعة) متجهاً لكل انحاء السودان ولك حق اختيار السفر باي وسيلة عبر السكة حديد ، مترو ، اكسبريس ، السريع . وكلها مريحة ومكندشة وذات خدمات وجودة فائقة . اما خطوطنا الجوية - ناقلنا الوطني - ذلك عالم آخر من التقدم التقني في مجال الطيران المدني .. دقة في المواعيد (اقلاع وهبوط) فلدينا طيارون اكفاء ومهندسون مهرة (وما عندنا طيارة بدق الدلجة كلو كلو) ولدينا كادر وظيفي في هذا المجال يقابلونك بترحاب وبشاشة ومعاملة طيبة كريمة. اما المضيفات سماحة وجمال مثل الغزلان . فالمضيفة عندما تتجول داخل الطائرة لتتفقد طلبات المسافرين يخيل لك انها الغزال الذي يمشي على الرمل . اما العلاج والتعليم في بلادنا متوفر بأحدث الوسائل والاجهزة وهو خاص فقط بمواطني السودان . اما الوجود الأجنبي فهو مقيد بقوانين الهجرة والاقامة الشرعية . اذن الحكومة مهتمة بهذا الامر لأن بلادنا مترامية الاطراف ، واسعة الحدود ، متعددة الطرق والمسالك . فكان لابد من فرض هيبة الدولة حتى لا تتم عملية تهريب البشر وتسللهم عبر الحدود الى داخل البلاد . خاصة اننا نعاني من كثرة مشاكل لاجئ غرب وشرق افريقيا . ولكن الآن تم القضاء على تلك الظواهر بفضل تشديد الاجهزة الرقابية على الاجانب واللاجئين . اما السياحة في بلادنا فهي من اكثر القطاعات اهتماماً لدى الحكومة لأنها تدر دخلاً مقدراً من العملات الصعبة كل ذلك بفضل تهيئة السواحل البحرية والشطئان النهرية . وايضاً بفضل تهيئة المعينات والوسائل لزيارة المحميات الطبيعية - الدندر والردوم - . وكذلك تسهيل اجراءات زيارة المناطق الاثرية والتراثية في شمال السودان . اذن السياحة في بلادنا رائجة لان الاستراحات والفنادق رخيصة الاسعار ومهيأة لاستقبال اى عدد من السياح اما التعايش السلمي والديني في بلادنا هو مضرب للأمثال وصرنا قدوة لعدد من الدول - فالصوفية وانصار السنة سمن على عسل - . وحزب المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي عجوة معطونة في عسل . وحزب الامة القومي وحزب الاتحاد الديمقراطي طبق فواكه (تفاح مع عنب) والحزب الشيوعي والبعثي والناصري طبق بلح محلى بجوز هند - اما قادة الحركات المسلحة فقد جنحوا للسلم لانهم ادركوا ان النزاعات لا طائل منها فهي هلاك للبشر والشجر والحجر فأهل السودان قد اعياهم تردي الاوضاع في بلادهم.. فيا اخوتي الكرام ما ذكرته من آمال واحلام وامنيات في هذا المقال لهي جديرة بأن تتحقق اذا تضافرت الجهود وصدقت النوايا وتشمرت سواعد الجد . واغتسلت القلوب من الانانية وحب الذات . وترك كل انواع الفساد خاصة الفساد المالى والمتمثل في الاختلاسات المدمرة للاقتصاد كأن ليس هناك سؤال وعذاب قبر . اذن فآن الأوان ان يعيش اهل السودان في سلام ووئام ومحبة ومودة بل ونتمنى ان تشهد بلادنا الرخاء والوفرة والاستقرار . والامان والطمأنينة فهل يكون ذلك .... ياريت . * كلمة اخيرة .. توفي يوم الجمعة الماضي 2/3/2012م رجل البر والإحسان المغفور له عبد الجبار محمد صالح النفيدي بعد حياة عامرة بالرخاء وذاخرة بالرخاء للناس فقد كان عليه الرحمه طيب القلب جميل المعشر . ومتواضع لابعد المرامي . فهو لا يعرف التكبر او التعالي على الناس لذا احبوه والفوه ورادوه . فوالله الذي لا إله إلا هو طيلة عشرتنا معه لم نسمع او نرَ أن عبد الجبار عليه الرحمة افتعل العداء او الشجار مع احد او انتهر او ضرب او اساء او اغضب او قلل من قيمة شخص ، او استخف بإنسان . فنفسه الطاهرة وروحه الطيبة ومعدنه الاصيل وجوهره النفيس لا تطاوعه على فعل ذلك الشيء البغيض . وانا هنا لا امدحه هباءً او رياءً فواقع الحال يؤكد ويقول ويشهد على تفرد شخصه العفيف الطيب المتسامح . وإننا حقاً افتقدنا ركناً هادئاً ومحاطاً بالطمأنينة والأمان عندما نلوذ اليه فنجد عنده الحكمة وضرب الامثال والاستشهاد بالاحاديث النبوية الآيات القرآنية وبيان الشعر ونواصي الحكم والمواعظ وجلسات الانس والمؤانسة التى لا نكلها او نملها . فعبد الجبار عليه الرحمة كان امة . امة في تعامله مع جيرانه . امة في تواصله مع اهله واحبابه . امة في محبته لزوجته وأبنائه . امة في محبته لخالاته وعماته عليهن الرحمة . وامة في معرفة وتفقد حال واحوال اخوته واخواته (أشقائه وأبناء ابيه) . وكان امة في رأفته ومحنته وريدته لأبناء وبنات اخته . وامة في تعامله الحنين مع ابناء خالته . وكان امة في تعامله الطيب الجميل مع ابناء اعمامه . وكان امة مع اصدقائه ومعارفه وشيوخه في الطرق الصوفية . وكان عليه الرحمة بمثابة حبل المودة والرحمة والتواصل بين اهل ابيه آل النفيدي واهل امه آل جعيلي ، وآل صبير. وآل عبد الباقي عبد الباقي ، و آل الزين . وآل الخليفة احمد محمد مصطفى والمتمثل في اسرة المغفور له محمد زين احمد . واسرة المغفور له بابكر احمد . واسرة المغفور له محجوب احمد . وكان عليه الرحمة كثير التواصل بالمرحوم أبو الحسن احمد . * ختاماً رحمك الله رحمة واسعة يا عبد الجبار محمد صالح النفيدي وألزم حرمك وبنتك وأبناءك محمد صالح والفاتح وخالد وعلى وأخوانك وأخواتك حسن الصبر والعزاء وادخلك الله في معين غفرانه ورحمته مع الصديقين والشهداء والأبرار والصالحين . وحسن اولئك رفيقا . و(إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون) . ٭عضو المنتدى الوطني للفكر والإستكتاب [email protected]