السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك    دبابيس ودالشريف    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    الديوان الملكي السعودي: خادم الحرمين الشريفين يغادر المستشفى بعد استكمال الفحوصات الروتينية    وزير الخارجية المكلف يتسلم اوراق اعتماد سفير اوكرانيا لدى السودان    فيديو.. مشاهد ملتقطة "بطائرة درون" توضح آثار الدمار والخراب بمنطقة أم درمان القديمة    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    د. مزمل أبو القاسم يكتب: جنجويد جبناء.. خالي كلاش وكدمول!    محمد وداعة يكتب: الامارات .. الشينة منكورة    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    الخارجية الروسية: تدريبات الناتو في فنلندا عمل استفزازي    السوداني في واشنطن.. خطوة للتنمية ومواجهة المخاطر!    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة شمال دارفور يتفقد مصابي وجرحى العمليات    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    عن ظاهرة الترامبية    سفير السودان بليبيا يقدم شرح حول تطورات الأوضاع بعد الحرب    تواصل تدريب صقور الجديان باشراف ابياه    مدير شرطة محلية مروي يتفقد العمل بادارات المحلية    إيقاف حارس مرمى إيراني بسبب واقعة "الحضن"    «الفضول» يُسقط «متعاطين» في فخ المخدرات عبر «رسائل مجهولة»    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الإثنين    نصيب (البنات).!    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على ناشفيل    لجنة المنتخبات الوطنية تختار البرتغالي جواو موتا لتولي الإدارة الفنية للقطاعات السنية – صورة    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الذهب أم الشباب!
نشر في الصحافة يوم 18 - 03 - 2012

(أيهما أكثر أهمية الإنسان أم الذهب؟) قفز هذا السؤال الى أذهاننا اكثر من مرة خلال جولة (الصحافة) بمناطق الذهب بمحلية (أبوحمد) بولاية نهر النيل ،ورغم ان الاجابة لاتحتاج لكبير عناء في التفكير لجهة ان الانسان الذي كرمه الله في السموات والارض هو الاهم ،بيد ان شكاً ساورنا في ان الدولة وفي خضم ازمتها الاقتصادية وحاجتها الماسة للعملات الصعبة لاتكترث لواقع الذين ينقبون عن الذهب فهي تريد المعدن النفيس حتى ولو قاد ذلك الى فقدان البلاد لخيرة شبابها في مناطق التعدين موتا ،جنونا او مرضا ،فالاوضاع مآساوية وتنذر بكوارث بدأت نذرها تلوح في الافق وماكشف عنه بعدد من مشافي البلاد نزير من كثير ،ورغم ذلك تبدو الدولة غير مهتمة.
رحلة شاقة
في ولاية نهر النيل يوجد الذهب في محليتي بربر وأبي حمد ،وقصدنا في (الصحافة) المحلية الاخيرة وذلك لانها باتت وجهة المستجيرين برمضاء صحراء الشمالية من نار البطالة والفقر والحروبات ،وبدأت رحلتنا من موقف شندي ببحري ،ووجدنا صعوبة بالغة في توفير تذكرة سفر الى عطبرة او الدامر وذلك لأن معظم شركات السفريات تفضل رحلات أبي حمد ،وعلمنا ان اكثر من عشرين رحلة تتوجه يوميا الى مدن عطبرة،أبوحمد وبربر،وبعد صعوبة وجدنا مقاعد في بص متوجه صوب أبي حمد وكان 90% من ركابه شبابا ،وتجاذبنا اطراف الحديث مع بعضهم فعرفنا ان أبا حمد وجهتهم ،والبحث عن الذهب هدفهم ،ومبارحة محطات الفقر غايتهم ،منهم من سافر من قبل وابتسم له الحظ ،وآخرون يذهبون لاول مرة ،وفئة ثالثه قضت زمنا طويلا في وادي الدوم وقبقبة بأبي حمد وهي اشهر مناطق الذهب ولم يتوفقوا وعادوا ادراجهم الى مناطقهم للتزود بالمال الذي يعينهم على البقاء ونيل الدعوات الصالحات من الاهل ،نسبة للارهاق الذي اصابنا فضلنا ان نتخذ الدامر محطة استراحة لنا ،وتحركنا في اليوم الثاني صوب أبي حمد من الميناء البري بعطبرة وعلمنا ايضا ان 15 رحلة تتحرك يوميا الى أبي حمد وقبل اكتشاف الذهب كانت تتحرك ثلاث رحلات فقط ،وبعد رحلة شاقة استمرت لثلاث ساعات ونصف وصلنا أبا حمد ،ومنذ الوهلة الاولى ادركنا ان واقع المدينة تغير كليا نحو الافضل فسوق أبي حمد لاتدل متاجره على انه سوق بمحلية بل لايختلف عن اسواق الخرطوم الكبرى ،بل حتى عدد العربات يعتبر كبيرا قياسا بعدد سكان المحلية الذين لايتجاوزون الثمانين األف نسمة،من ذات السوق تحركنا عبر حافلات صغيرة الى سوق الطواحين الذي يقع شمال أبي حمد (سبعة كيلو مترات) والطريق اليه قطعه من جحيم وذلك بسبب وعورته حيث تستغرق الرحلة رغم قرب المسافة قرابة الساعة الا ربعا .
سوق طردونا
بعيدا عن افادات مسؤول الاسواق بمحلية أبي حمد التي سنتناولها في المساحات التالية ،نشير الى انه وبعد وصولنا الى سوق الطواحين او (طردونا) كما يطلق عليه تجار السوق تندرا لأنه تم تحويله من شرق النيل الى شمال أبي حمد بداعي شكاوي مواطني قرى من الغبار الكثيف المنبعث من الطواحين ،السوق يعتبر الاضخم في البلاد ويقع على مساحة تتجاوز العشرة كيلو مترات ويضاهي في مساحته سوق ليبيا ،بل ان عبوره مشيا على الاقدام يعد ضربا من الخيال ،و يقع وسط جبال تحيط به من ثلاثة اتجاهات ،ويضم السوق في جنباته 500 طاحونة لطحن الحجارة لاستخراج الذهب منها ،وبه 400 صائغ ذهب،و750 متجر تتوزع مابين قهاوي الشاي والمطاعم والبوتيكات وصوالين الحلاقة ومحال الاتصالات والورش واندية المشاهدة وغيرها من تجارات ومهن ،ولاتوجد به كهرباء ولامياه شرب حيث يتم الاعتماد على المولدات في توليد الكهرباء وهي تسبب مصدر ازعاج وضوضاء تبدو امرا عاديا للموجودين في السوق حسبما افادنا عثمان الشريف وهو صاحب طاحونه ،ويعتمد السوق بشكل مباشر على الحجارة التي يتم احضارها من وادي الدوم ومنطقة قبقبة اللتين تبعدان عن موقع السوق قرابة المائة كيلو مترات وتنقل عبر شاحنات(zy) في رحلة تستغرق اكثر من اربع ساعات وذلك لوعورة الطرق ،حيث يتم طحن الحجارة ومن ثم غسلها بمادة الزئبق لاستخلاص الذهب منها ،ويقدر عدد الباحثين عن الذهب بالسوق والاودية والجبال بمحلية أبي حمد ب 500 ألف مواطن جلهم من الشباب ،ولايوجد في سوق طردونا نساء فكل الخدمات يقدمها الرجال ،وتقوم على حماية السوق قوة شرطية تتكون من 15 فرداً وهي من الاسباب المباشرة لاستتباب الامن في السوق حسبما اشار لنا تجار بذلك.
مآسي
«أعلم بانني سأتعرض للمرض مستقبلا ولكن ماذا افعل» هكذا اجاب شاب يُدعى أحمد عن سؤالنا حول خطورة التعرض للغبار المتصاعد من الطواحين ،وقال ان ظروف الحياة هي التي اجبرته على مغادرة اسرته في شمال دارفور والحضور الى أبي حمد بحثا عن تحسين وضعه المادي من خلال عمله في التنقيب عن الذهب ،وذات الاجابة تلقيناها عندما طرحنا سؤالاً مشابهاً للشاب عزالدين وهو يعمل في غسل مسحوق الحجارة بالماء المخلوط بمادة الزئبق ،ووجدنا ان الجميع يدركون خطورة الغبار المتصاعد من الطواحين وكذلك مادة الزئبق غير ان اجابتهم المنطقية جعلتنا نفضل عدم طرح السؤال مجددا ،وبالعودة الى الوضع البيئ في السوق نجد انه متردي الى ابعد الحدود ،وحالت سحب الدخان المنبعث من المولدات الكهربائية والغبار الناتج من طحن الحجارة بيننا واكمال جولتنا داخل السوق ،وذلك لأن سحب الغبار تغطي السوق تماما ،حتى اننا رفضنا دعوة لتناول وجبة (الفطور) بداعي التلوث الذي يبدو ظاهرا ،ولكنَّ المتواجدين في السوق لايأهبهون كثيرا لارتفاع درجات التلوث ،وكما قال شاب من ام درمان يُدعى مجاهد انهم باتوا على صداقة مع التلوث وانهم يدركون خطورته المستقبلية غير ان ظروف الحياة هي التي اجبرتهم على التعايش معه،ويعتبر الزئبق الذي يساعد في استخلاص الذهب من بدرة الحجارة بعد طحنها هو اكبر مهدد لصحة العاملين بسوق الطواحين، فهو بحسب دراسات طبية من المواد القاتلة وذلك لاحتوائه على نسبة عالية من المواد السامة ،ولا نعرف كيف سمحت الحكومة باستعمال الزئبق في عمليات استخراج الذهب ،وذلك لأنه عنصر كيميائي سام جدًا، ويؤدي إلى المرض أو الموت، وبعد أن عرف الناس مخاطره قللت المنظمات الحكومية وغيرها من إمكانية وصول كميات الزئبق الكبيرة إلى البيئة حيث يعتبر خطراً عليها لأن مركباته السامة وجدت في النباتات والحيوانات التي يتغذى بها الإنسان،والزئبق يوجد بوصفه سما متراكما يصعب على الجسم التخلص منه، ولذلك فإنه يتجمع لمدة طويلة حتى يصل إلى المستوى الخطر،وهو يؤدي إلى إتلاف خلايا الدماغ،و استعماله يأتي من منطلق انه يعد مذيباً جيداً لبعض الفلزات كالذهب والفضة والبلاتين والنحاس واليورانيوم والرصاص والصوديوم والبوتاسيوم،وعن مخاطره تشير الدراسات الى انه يعرف عن الزئبق ميله الشديد إلى التراكم في الجسم ويستهدف الأنسجة الذهنية أوالأعضاء الغنية بالدهون كالدماغ نظراً لميله الشديد إلى الذوبان في الدهون فيؤدي إلى حدوث أعراض مرضية خطيرة في الجهاز العصبي تعرف بالبكاء الزئبقي تتطور إذا كانت الجرعة المتعرض لها عالية وقد تؤدي بحياة الشخص المصاب،ويمكن أن يمتص جسم الإنسان الزئبق من خلال عدة قنوات كالجلد والرئة وبعد الامتصاص ينتقل مع الدم من خلال الدورة الدموية ثم تقوم بعض الأعضاء كالكبد والكلى والعظام بتخزينه، وعند التعرض لأبخرة الزئبق فإنه يحدث جفافاً في الحلق والفم، وقد يؤدي إلى التهاب في الفم واللثة وسقوط الأسنان والرعشة، كما يحتمل حدوث اضطرابات عقلية، وتشكل مشتقات الزئبق القاعدية خطورة من نوع خاص حيث أن هذه المواد لديها القابلية للتراكم في المخ مما قد يحدث أضراراً بالغة بخلايا الدماغ، أما مركبات الزئبق الأخرى فانها تسبب اضطرابات خطيرة للجهاز الهضمي والبولي والقلب عند التعرض إلى تركيز أعلى، ولاتختلف مخاطر الغبار الناتج من طحن الحجارة عن الزئبق ،و يشير مصدر طبي بنهر النيل الى ارتفاع حالات الاصابة بأمراض الصدر في مناطق التنقيب عن الذهب وقال ان مرده يعود الى استنشاق الغبار السام لفترات طويلة ،وحذر من خطورة الاغبرة على العاملين بطواحين وسوق الذهب بأبي حمد والعبيدية ببربر.ويرى خبراء ان التعرض لغبار وذرات السيلكا يؤدي الى تليف الكبد و الرئة ،كما يسبب الزئبق ايضا سرطان الدم والكبد،وحتى الجهاز المستعمل للكشف عن الذهب يتسبب في الاصابة بسرطان الدم،وماكشف عنه بمركز فضيل الطبي اخيرا يوضح حقيقة خطورة التعدين على صحة الشباب وتليف الرئة هو احد الامراض المتوقعة ان تصيب عدداً كبيراً من الشباب في مناطق الذهب.
مخاطر أخرى
وبخلاف خطورة استعمال مادة الزئبق والغبار المتصاعد من الطواحين هناك مخاطر اخرى تتمثل في تلوث الطعام ومياه الشرب وذلك لأن الطعام ومحال تقديم الاطعمة المختلفة تقع على مرمى حجر من الطواحين ،عطفا على الغبار المتصاعد من حركة العربات داخل السوق ،كما ان السوق الذي يضم قرابة المائة ألف مواطن يتخذونه مستقرا طوال ساعات اليوم يفتقر الى دورات المياه الكافية حيث يقضي اكثر من 95% حاجتهم في العراء وهذا مهدد بيئي خطير،ويبدو واضحا عدم وجود ضوابط صحية على محال الخضروات والفاكهة واللحوم التي تعرض في العراء ايضا وتتعرض للذباب الذي يتواجد بكثافة كبيرة حتى في ساعات المساء، كما يعاني السوق من تكدس النفايات لعدم وجود وسائل لنقلها وهو الامر الذي تسبب في توالد الذباب ،ولايوجد في موقع التنقيب مراكز صحية واقرب مستشفى بأبي حمد يقع على بعد 7 كيلو مترات،ويبدو غياب التوجيه والارشاد والضوابط الصحية واضحا،وايضا الكشف الطبي وكروت الصحة للعاملين ، وتتمثل المؤثرات الصحية الاخرى في الأتربة والغبار الصاعد من الطواحين العاملة ليلاً نهاراً ،الغبار والاتربة التي تثيرها وسائل النقل والحراك اليومي والعوامل الطبيعية ليلا نهارا،المأكولات والاغذية المعروضة على المحلات والشوارع ومواعينها بدون ضوابط صحية مما ادى الى تكاثر الذباب بصورة ملفتة مصحوبة بروائح كريهة، ومحدودية دورات المياه والحمامات وضعف ثقافة استعمال المتوافر منها مما يؤدي لقضاء الحاجة في العراء وبدون اي غطاء للمخلفات مما ساعد كثيرا في تكاثر انواع الذباب ، وضعف النظافة العامة والنظافة الجسدية بصفة عامة.
دون الثامنة عشر
يبدو من ملامح وجهه انه لم يتجاوز الخامسة عشر من عمره ،سألناه عن اسباب تواجده في سوق الطواحين فقال محمد حسن القادم من ولاية غرب دارفور :حضرت مع بعض اهلي واصدقائي للبحث عن الذهب وقضيت قرابة الستة أشهر في هذا المكان ولا اعرف متى اعود وانا في شوق لوالدتي واتمنى ان نجد (ذهب كويس) لنبيعه حتى نتمكن من العودة الى الاهل :اكمل حديثه معنا ولم ينتظر حتى نتمكن من طرح سؤال آخر عليه ،وامثاله كثر بمناطق التنقيب بوادي الدوم وقبقبة كما افادنا بذلك عثمان الطيب الذي قال ان عمل الاطفال ينحصر في تقديم الخدمات كجلب مياه الشرب واعداد الطعام والذين يتمتعون منهم بتكوين جسماني جيد يعملون في الحفر ،وبعضهم يجيد غسيل الذهب ،قلنا له نريد تقديراً لعدد الاطفال دون الثامنة عشر العاملين في مناطق الذهب فقال ان عددهم كبير ولايستطيع حصره،اطفال تشع البراءة من عيونهم رمتهم الظروف واهمال الدولة امام مخاطر كبيرة ولا بواكي لهم.
خريجون... ولكن
ألجمتنا الدهشة حينما علمنا أنَّ هناك خريج كلية طب يعمل في التنقيب عن الذهب بأبي حمد حاولنا العثور عليه الا اننا علمنا بانه غادر الى اهله قبل ثلاثة ايام من حضورنا ،ويقول نزار السر وهو من ولاية الجزيرة ان معظم الباحثين عن الذهب يحملون شهادات جامعية في مختلف التخصصات ،واشار الى ان هناك موظفين وعمال اخذوا اجازاتهم السنوية وحضروا للبحث عن الذهب ،واوضح ان اكبر شريحة في مناطق الذهب المختلفة في السودان هي شريحة المعلمين الذين هجروا قاعات الدرس في المرحلتين الثانوية والاساس مفضلين (مسك) الحجر بدلا من الطباشيرة،وحديثه ذكرنا بتقرير عن التعليم بولاية جنوب كردفان اعده زميلنا ابراهيم عربي كشف من خلاله توجه اكثر من 400 استاذ الى مناطق الذهب وهجرهم للتعليم بصورة نهائية ،وتحدث الينا محمد احمد ابراهيم وهو من ابناء النيل الابيض وقال انه خريج من احدى الجامعات وعندما وجد ان التوظيف لايتم الا بالواسطة فضل البحث عن رزقه في مناطق الذهب ،وكثيرة هي النماذج التي تعرفنا عليها من خريجين شباب يعملون في مناطق الذهب بعد ان سدت في وجوهم الوظيفة بداعي الواسطة والتمكين.
عائد
طوال فترة تواجدنا بسوق طردونا لم نجد من يؤكد انه عثر على ذهب سوى طفل طالبنا بان نأخذ له صورة. وبصفة عامة يمتاز مجتمع المعدنين التقليديين بالترحال الدائم من موقع الى آخر ويعتمد على السماعية في التحرك والتقليد والمحاكاة في ممارسة النشاط ،ويتعرض المعدنون التقليديون للاستغلال من كبار الممولين لأنهم يوفرون لهم الطواحين والماء والزئبق ،ولا يلتزمون بالمعايير البيئية والصحية ويسيطر عليهم تجار الذهب بصورة وصائية وعلاقة العمل اما بتقسيم الانتاج بالتساوي بعد خصم المصروفات أو تسديد نسبة من الانتاج لصاحب البئر.
جهود
رغم ان سوق الذهب تغيب عنه اللمسات الرسمية ،الا ان مسؤول الاسواق بالوحدة الادارية بأبي حمد عثمان محمد عثمان يؤكد اشراف المحلية على تنظيم السوق ،غير انه اعترف بارتفاع واردات المحلية جراء الرسوم المفروضة على متاجر السوق والطواحين ،مشيرا الى توفيرهم للشرطة ووحدة علاجية متحركة،وقال ان المحلية اوكلت امر اصحاح البيئة لاحدى الشركات،وقال ان الآثار السالبة التي ترتبت على نشاط تعدين الذهب ارتفاع الاسعار بالمحلية عطفا على هجران الشباب للزراعة والتوجه نحو البحث عن الذهب
مهددات
وبدلا من حديثنا عن المهددات التي تحدق بهذه المهنة فضلنا تناول ورقة عمل قدمها العقيد مكي عوض في احدى السمنارات التي اقيمت بالخرطوم عن تعدين الذهب والتي جاءت تحت عنوان الآثار الاقتصادية والأمنية الناتجة عن التعدين التقليدي ، نبهت الورقة الى ان من يقوم بالبحث والاستكشاف عن المواد التعدينية من غير مواد المحاجر ودون أن يكون لديه ترخيص ساري المفعول ، يعاقب بالسجن مدة لاتتجاوز سنتين أو الغرامة . وحدد العقيد مكي مواقع التعدين التقليدية في ولايات : نهر النيل والبحر الأحمر والنيل الأزرق وجنوب كردفان وشمال كردفان والقضارف والجزيرة . ونوهت الورقة الى الأخطار المتعلقة بالعاملين بالتعدين العشوائي وذلك بقيام مدن عشوائية حول أماكن التعدين تفتقر الى ابسط الخدمات مثل المياه الصالحة للشرب والسكن الصحي وأصبحت هذه المدن تجذب المجرمين والهاربين من العدالة والمنحلين امنيا وأخلاقيا ، وكثرة الصراعات القبلية وانهيارات الحفر العشوائية على المعدنين . وذكرت الورقة الآثار الأمنية والاجتماعية للتعدين العشوائي اذ أصبح مصدرا للثراء الفاحش واختراق الحركات المسلحة لمناطق التعدين وبيع وتهريب الاسلحة وتهريب الذهب والآثار ، كل هذه الظواهر ساعدت على خلق مجتمعات غير منضبطة تكثر بها الجريمة وتمثل ملاذاتٍ آمنة للمجرمين والتعدي على المواقع الأثرية ووكرا للأجانب .
صمت رسمي
الدولة غير مكترثة بالمخاطر الكثيرة التي تهدد صحة وحياة المنقبين عن الذهب ،هذا ليس اتهاماً بل حقيقة وقفنا عليها باكثر من ولاية ،وابوحمد نموذجا فقط،ولانعرف ادوار وزارة المعادن التي يجيد الوزير القائم على امرها التصريحات ويفشل في توفير الظروف الملائمة لمن يضخون عملات حرة في خزانة الدولة الفارغة ،وحتى البدائل التي وضعها الوزير الاسبق عوضا عن استعمال الزئبق القاتل لايعرف لها مصير ،كما ان وزارة الصحة تسجل غيابا تاما ولايعرف لها دور ،ليفرض هذا الواقع المزري إعادة السؤال الذي ابتدرنا به هذا التحقيق (أيهما أهم للدولة الذهب أم الإنسان)؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.