أي بلد في العالم مهما كانت موارده الاقتصادية، وتقدمه العلمي والتكنولوجي يظل الأمن والاستقرار الهدف الاساسي له ، ولذلك تسعى تلك الدول في العالم بكل ما أوتيت من مقدرة ان تجعل الأمن أولى اهتماماتها، وتنفق عليه ما لم تنفقه في كثير من المجالات الخدمية من صحة وتعليم وغيرهما باعتبار ان استمرار هذه الخدمات تحت التهديد الأمني يشكل خطورة بالغة على ديمومتها.. والسودان كواحد من البلدان الافريقية التي عانت من عدم الاستقرار الامني لنصف قرن من الزمان ما فتئ يعاني من هذه المهددات رغم الجهود التي بذلت في هذا المجال من أجل خلق جو آمن ومعافى من اي مهدد أمني، فالحروبات العسكرية التي شهدها السودان خلال العقود الماضية كانت من اكبر المهددات وعلى رأس هذه الحروب حرب الجنوب التي استنزفت قدراً كبيرا من الموارد البشرية والاقتصادية بما اتسمت به الحرب من طول الأمد، ولذلك كانت قضية جنوب السودان من أهم المحاور الوطنية التي وجدت اهتماما من القيادة السياسية بعد عام 1989م تخللت هذه الفترة عدة اتفاقيات أمنية من أجل ايقاف نزيف الحرب فكانت اتفاقية الخرطوم للسلام، واتفاقية فشودة وما بين هذه وتلك جملة من المساعي الجادة لتحقيق الامن والاستقرار في البلاد. كل هذه الجهود كانت ترمي الى خلق جو وارضية صالحة لزرع بذور التنمية والتقدم والرفاهية للاجيال القادمة على الاقل. لكن المؤسف حقاً أن هذه الجهود لم تُكلل بالنجاح المرجو والمطلوب، حتى الاتفاقية الامنية الاخيرة في السودان المعروفة اختصارا ب (نيفاشا) لم تحقق الهدف الذي من اجله وقعت حكومة السودان على الاتفاقية ورضيت بها حلاً بل كانت الاتفاقية وبالا وخزيا وعاراً وزادت النار المشتعلة اشتعالاً، وأفرزت خنجراً مسموما داخل الوطن اسمه حكومة جنوب السودان، دويلة ما زالت في المهد وهي تتحدث عن حرب قادمة بينها وبين السودان، السودان الذي صنعها من العدم، واوجد لها من الموارد الاقتصادية ما لم تستطيع القيام به منفردة لو ظلت عشرات السنين (البترول). وليت دولة الجنوب وقفت عند حد العداء والحرب مع السودان فقط بل تسعى جادة وبكل الوسائل لزعزعة الامن والاستقرار في القرن الافريقي بتصرفاتها الرعناء وغير المسئولة، في وقت يسعى فيه القادة الافارقة وحكماؤها لتوحيد الجهود الافريقية في مجال الامن والاقتصاد، التجارة لتجاوز مرحلة التخلف واللحاق بركب الدول الاكثر تقدما ونماءاً. ايضا من المهددات الامنية - الصراعات المسلحة في جبال النوبة والنيل الازرق ودارفور وهذه الصراعات وليد شرعي للمهدد الامني الاكبر - جنوب السودان- والآن تعتبر دولة جنوب السودان الداعم الرسمي لهذه الحركات والراعي لها عبر الآلية التي كونت اخيرا وسميت بالجبهة الثورية ومن اهم اهداف هذه الجبهة اسقاط النظام بالقوة العسكرية وبدأت فعلا باولى المحاولات التي قادها زعيم حركة العدل والمساواة خليل ابراهيم الذي قتل في المحاولة الفاشلة بمنطقة ودبندة شمال كردفان وتسللت بقية الفلول الى ولاية الوحدة بدولة جنوب السودان وسبقت هذه المحاولة محاولتا عبد العزيز الحلو ومالك عقار في ولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان، كل هذه التهديدات الأمنية تقف وراءها دولة الجنوب، وما تزال مصرة على السير في هذا الاتجاه الخطير الذي ربما عجل بفنائها قبل بلوغ الرشد ولعل القيادة السياسية في جنوب السودان بعيدة كل البعد عما يجري في المنطقة خاصة بعد زوال نظام القذافي الذي كان سندا وعضدا لاي مهدد امني يستهدف امن واستقرار السودان فالسودان من الناحية الشمالية والغربية مع أبو النسب (دبي) آمن مستقر بعد أن كان مهدداً من هذه النواحي طيلة الفترة الماضية وكان السودان مقاوما شرساً لكل هذه الجبهات بالاضافة الى جبهة الجنوب، فلو حسب القادة الجنوبيون هذه المعادلات السياسية والامنية ما دخلوا في هذا المضب الصعب، لكن السيد باقان ما زال تسيطر عليه عقلية الصبية وثورة الشباب، لم يستفيد من حكمة الزعماء الافارقة نيكروما وثامبو أمبيكي. فعلى الصعيد الخارجي يمكن القول بان الذي اشرنا اليه ان دولة الجنوب كبلد مجاور بافرازاته يعتبر من أكبر مهددات الامن القومي السوداني بعد انفصال الجنوب، وهناك ايضا مهددات داخلية لا بد من الاشارة اليها خاصة ان بعض هذه المهددات ذات علاقة وضيدة بجنوب السودان كدولة وكحزب سياسي ما زال له انشطة سياسية داخل السودان. صحيح ذهبت الحركة الشعبية الجنوبية بعد الانفصال بغضها وغضيضها لكن تركت بعض الارث السياسي ممثل فيما يعرف بالحركة الشعبية في الشمال سواء في جبال النوبة، او النيل الازرق او بعض مدن السودان الشمالي الاخرى، وهؤلاء كانوا في حلم يبحثون عن المدينة الفاضلة كما وعدتهم الحركة الشعبية بذلك (السودان الجديد)- لكن ذهبت الحركة الشعبية وذهب معها حلمها المستحيل لكن الغريب في الامر ان بقايا الحركة الشعبية ما زالوا في غفلتهم يعمهون ولم يستبينوا ضحى الغد حتى بعد الفعلة التي فعلها كبيرهم الذي علمهم السحر ، عبد العزيز الحلو، ولحقه مالك عقار هذه المجموعة من الحركة الشعبية حتى ولو كانت مصنوعة مثل حركة دانيال كودي وبله حارن، ومحجوب عبد الرحيم توتو، في تقديرنا ايضاً تعتبر من المهددات الأمنية وهي أشبه ما تكون بحركة النفاق الأول في صدر الاسلام الذين كانوا يظهرون خلاف ما يبطنون ولذلك فان مصائب الامة الاسلامية من انشقاقات وخلافات كلها كانت بسبب الحركة النفاقية المندسة تحت ثوب الاسلام. والحكومة دائماً تتعامل بصدق واخلاق مع امثال هؤلاء في وقت اصبح فيه الصدق والاخلاق في الممارسات السياسية من المحرمات، بل بعض الساسة يعرفون السياسة بأنها (النفاق) ولا زلنا نذكر حتى هذه اللحظة منهجية التعامل التي اتخذها والي جنوب كردفان أحمد هارون مع الحركة الشعبية لتنفيذ ما تبقى من بروتوكول جبال النوبة، حتى ظن بعض الظانين أن الوالي (قلب) لشدة قربه من عبد العزيز الحلو والتصاقه به، حتى في اللقاءات الجماهيرية كان الوالي يردد دائماً عبارة عبد العزيز اخوي، لكن كانت الخوة من طرف واحد ولذلك انهارت سريعاً، والآن اصبح احمد هارون من اكثر المتعصبين لضرب الحركة الشعبية ويبحث بكل اما أوتي من قوة عن اخيه عبد العزيز ليقتله، فبقايا الحركة الشعبية سواء في جبال النوبة او النيل الازرق او غيرهما تعتبر من المهددات الامنية الخطيرة التي يجب ان يعمل لها ألف حساب فهي تعمل بالقاعدة القرآنية التي تقول: ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). كذلك من المهددات الامنية الداخلية الاحزاب السياسية خاصة ما يسمى بتحالف جوبا والمشكلة في احزابنا السياسية انها لا تفرق بين الوطنية والخيانة الامنية، ولو استطاعت ان تصل الى مقاعد السلطة عن طريق الخيانة الوطنية لفعلت، ولو كانت هذه الاحزاب مجتمعة تريد أمن واستقرار وتقدم السودان لوضعت يدها مع الحكومة القائمة الآن مهما كانت وجهة نظرهم فيها، طالما ان الوطن مهدد ومستهدف، ماذا تستفيد المعارضة اذا آلت اليها السلطة في ظل وضع امني غير مستقر، ولذلك من العقل والحكمة ان تتوحد الجبهة الداخلية حكومة ومعارضة من اجل الايفاء بمتطلبات الامن الاستقرار اذا كان هدف كل القوى السياسية هو مصلحة السودان وليس مصلحة الحزب او الافراد في الحزب، في غالب الاحيان يرجع تشدد الاحزاب المعارضة على الطريقة التي ينتهجها الحزب الحاكم الذي يرى انه الافضل والاقوى وهو الحزب المنتخب من القاعدة الجماهيرية العريضة وهذا هو فكر الاحزاب او القوى السياسية المعارضة ولذلك فانه على الحكومة ان تضع خارطة طريق من محورين محور داخلي يحدد طريقة التعامل والتفاهم والتفاكر مع القوى السياسية المعارضة في كيفية ادارة الازمات والمهددات الامنية بروح وطنية خالصة بعيدا عن المكايدات السياسية المحور الثاني محور خارجي يحدد كيفية التعامل مع دول الجوار في عدم خلق توترات امنية في المنطقة لا تخدم مصالح الشعوب، كما يحدد كيفية التعامل مع الحركات المسلحة السودانية سواء كان هذا التعامل عسكريا او تفاوضيا او الاثنين معاً، بهذه الطريقة يمكن تجاوز هذه المرحلة الحرجة ويمكن تقليص دائرة العنف السياسي والمهددات الأمنية في أضيق نطاق.