وردني تعليق من الأخ الدكتور محمد وقيع الله رداً على ما نشرته هنا يوم الاثنين الماضي تحت عنوان «وقيع الله دا جنَّ ولا شنو» وكنت قد أشرت فيه إلى مقالٍ له منشور بالفضاء الاسفيري، وأدناه تجدون التعليق منشوراً بكامله كما جاء دون أي تدخل من جانبنا، لا باضافة حرف أو حذف نقطة ولا حتى تعليق سوى إشارة طفيفة تطمئنه بأننا لسنا ممن يقمعون الآراء ويحجبون الأخبار ويلونونها ويجيرونها أو يبترونها، ولا حاجة لك أن تذهب بمقالك لأي موقع الكتروني... المكاشفي السلام على الأخ الكريم الأستاذ حيدر المكاشفي ويطيب لي أن أنتهز هذه السانحة لأشكرك شكراً طيباً على استقبالي استقبالاً طيباً يوم زرتك بمكتبك بدار «الصحافة» قبل سنوات. وقبل قليل اطلعت على مقالك الساخر، الذي استصحبت فيه أدب ابن المقفع في إستنطاق الحيوان، وجئت به بمثال «الكلب» الذي لم تكن له جرأة على مواصلة النزال الذي إبتدره بحماقته وطيشه، وانثنى عنه هارباً، لائذاً بالسؤال الحائر، عن «الجنون» الذي أصاب خصمه الأليف، الذي قام بصفعه صفعتين ناريتين! وبادئ ذي بدء أصحح لك إستنتاجك الذي رجحت فيه - ظنياً - أني كنت قد بعثت بالمقال إياه إلى صحيفة «الرائد» ولكنها لم تستطع نشره. فهذا محض ظن سيئ من جانبك، وأرجو ألا يكون هذا دأبك دائما أن تنتاش خصومك بالظنون البواطل. وقد عجبت لقولك في مطلع مقالك، حينما قبستَ مثالاً من فعل نافع غير النافع في أديس أبابا، وقيام شيعته بنقض فعيله في الخرطوم. فعن ذلك قلت: « تساءلنا مستغربين من قبل حين لمسنا مرونة وواقعية من الدكتور نافع عند توقيعه لاتفاق أديس الاطاري وهو المعروف بالتشدد والفظاظة، فعلقنا على هذه النقلة بالقول: دكتور نافع دا جنَّ ولا شنو؟! ولكنها للأسف لم تتم إذ سرعان ما عادت ريمة لقديمها بعد أن اُلغى ذلك الاتفاق واندلعت الحرب التي ما تزال مشتعلة». وعجبت لأمرك لأنه إذا ما «دقست» الحكومة، ممثلة في شخص الأخ الكريم الدكتور نافع علي نافع، وفرطت في بعض حقوق الوطن، لصالح أعدائه اللئام، المتطرفين في الخصام على الدوام، أعجبك هذا الصنيع غير الموفق، ورأيت فيه بشائر اليمن والبركات تلوح، وحتى إذا ما انتبهت الحكومة من سهوتها، وأفاقت من «دقستها»، وقومت خطيئتها، ثارت ثائرتك وقلت: أنَّى لكم هذا؟! وزعمت أن ذلك أمر عُجاب؟ وهذا المنطق العدائي الزائف، الذي استخدمتَه في تحليل ذلك المثال الذي جئت به، هو ذاته ما استخدمته في تناول مقالي الذي نشرته (سودانيز أون لاين كاملا، وقامت (سودانايل) بتحريفه، وحذف بعض عباراته، خوفاً من بعض الزبانية المتجبرين الذين يرعبونها ويفزعونها ويزعزعونها في الخرطوم. فقد وصفتني في مقالك آنف الذكر بأني كنت «أطبطب» وأربت على كتف النظام بحنان، وهذا وصف مختلق كاذب، فلم يحدث قط أن «طبطبتُ» ولا ربتُ على كتف النظام بحنان ولا تحنان، إذ ليس لي مع هذا النظام ولا مع حزبه الحاكم شأن شخصي أي شأن. ومن حيث الواقع المحض فأنا أبعد السودانيين عن الحكومة السودانية الحالية وعن قياداتها. وأحمد لله تعالى أن جعلني أعيش خارج الوطن طوال عمر الإنقاذ فلا ألتقي منهم أحدا. ولكن لا يعني هذا أن لي عداء مبدئيا مع النظام وأهله، ولا يعني ذلك أني سأنكر إيجابيات النظام وإنجازاته، وأَضرب عنها الصفح فيما أكتب وأقول. فمن واجبي أن أشهد بالحق وأن أقول كلمة الصدق على هذا المستوى. ولا أظن أنه ينكر منجزات الحكومة السودانية طوال العَقدين الأخيرين إلا معارض ديماغوغي جحود. ومن الوجهة الأخرى، فلا شئ يمنعني مطلقاً عن تناول تجاوزات الحكومة السودانية بالنقد سواء بالحسنى أو بالخشنى كما يليق. وشعاري وديدني في ذلك دائما هو قول العقاد الخالد: عداتي وصحبي لا اختلاف عليهمو سيعْهدُني كلٌ كما كان يعهدُ! هذا وربما لم تكتشف أيها المكاشفي الكريم إنتقادات كثيرة سبق أن سددتُها إلى وجه النظام الحالي، حيث إنتقدت بخله في الصرف على التعليم، وتصدى حينها صديقنا الدكتور أمين حسن عمر ليرد علي بالباطل، ثم جاءت إفادة وزير المالية فأكدت أن الصرف على التعليم هو أقل مما قلته أنا وبنيت عليه النقد. ثم إنتقدت تعديات الشرطة على تلك المواطنة وقيامهم بجلدها بتلك الكيفية الشنيعة. وإنتقدت سلوك الشرطة المرورية التي دأبت على الاحتيال بشكل نمطي على السائقين والتَّبلِّي عليهم وابتزازهم، وذلك تعليقا على مقال نشر بصحيفتكم من قلم الأستاذ حسن محمد صالح. وهذه مجرد نماذج تحضرني الآن وبإمكاني استحضار عشرات من أمثالها ولكن لا يتسع لها المقام. وإذن فأساس دعواك عن تربيتي على كتف النظام الحالي تربيت تدليل و«تدليع» إنْ هو إلا وهم طاف بذهنك ثم طفا عليه. وأما تعليلك لنقدي للحكومة في مقالي الأخير بأنه منبعث عن دافع شخصي فذلك أيضا محض هراء، لأنني انتقدت الحكومة في أمثال هذه الممارسات الخاطئة من قبل ولم يك دافعي شخصيا آنئذ. وكل ما جاء في مقالي الأخير هو أني عطفت عنان القول لأستشهد بتجربة خاصة لها علاقة قوية بالموضوع الأصلي المثار، وقد جاءت تلك الإضافة لتقوية المقال ودعمه. أما جوهر المقال فقد انصب على تعديات الشرطة على مواطني حي الديم الآمن وليس على صفع ذلك الشخص المتغطرس الغشوم. وثمة خطأ آخر شحنت به مقالك، ولكن على مستوى اللغة هذه المرة، فلم تكن الصفعتان قد سددتا إلى الصُدغين كما زعمت، وإنما انهالتا على الخدين الأسيلين. ولك أن تراجع «لسان العرب» لتعرف الفرق بين الصُدغ والخد. وشكري مبذول لك إن جرؤت على نشرت مقالي هذا بصحيفتك وإلا فإن القراء على موعد معه على صفحات «سودانيز أونلاين» محمد وقيع الله