لقد اتصل بي الاخ عمر حامد بلة احد قيادات حزب الأمة، ليبلغني بنبأ وفاة والدة الاخ مهدي داؤد الخليفة، ذهبت على الفور لتعزيته، فالرجل رغم الفارق بيننا جغرافياً فهو في «اميركا» ولكنه كان قريباً منا في تواصله الاجتماعي والسياسي، حيث ظل معنا على الدوام في معظم ما يكتب ويقول، وظللنا نتبادل معه الافكار اختلفنا ام اتفقنا، وعلى هذا الاساس لم اتردد لحظة في الوصول لمكان العزاء، ولكن عندما وصلت عرفت ان الامر اوسع من ان تكون المتوفية هي والدة مهدي داؤد الخليفة، فالسيدة كانت أمة واماً لاهل حي العباسية والانصار، اهلها لهذه المكانة لكونها سليلة لامجاد خالدة وتالدة بإذن الله، وكما نعاها الامام الصادق المهدي في كلمته حيث قال عنها انها مقرن لاكثر من اسرة، فهي بدور عبد الله الفاضل المهدي، وزوجة داؤد الخليفة عبد الله وحفيدة محمد الخليفة شريف بن عم الامام المهدي، لذلك وجدت طيفاً من زعامات البيوت الانصارية الكبيرة في سدتهم الامام الصادق يتحلق حوله عدد من السادة في بيت الامام المهدي وبيت الخليفة عبد الله، والخليفة علي ود حلو، لقد شهدت عزاءات كثيرة لسيدات عليات، ولكن لم اشهد هذا الوجود الكبير لهؤلاء السادة في مثل ما شهدته في عزاء السيدة بدور، وما هذا الا لعلو مكانتها وعظمة تواضعها وحبها للجميع كما وصفها بذلك الذين تحدثوا قبل الامام الصادق المهدي، فقد رأيت في الحلقة بجانب الامام الصادق، ابنه عبد الرحمن الصادق مبتدراً تلاوة راتب الامام المهدي بعد صلاة العصر وبجانبه السيد محمد أحمد الصادق المهدي، والدكتور الصادق الهادي المهدي، وفي مسافة ليست بعيدة من الامام الصادق يجلس السيد محمد داؤود ، ولمحت السيد مبارك الفاضل شقيقها، يجول بين الناس، وكذلك لمحت المهندس السيد امام الحلو احد احفاد الامير علي ود حلو، الشخصية المهمة التي لم أرها ربما لم اعثر عليها وسط الزحام هو السيد احمد المهدي كبير الاسرة في بيت الامام المهدي، ورغم ان الامام المهدي وسع في اسرته واضاف اليها خلفاء الخليفة عبد الله والخليفة علي ود وابن عمه الخليفة شريف وهكذا فقد توسع مفهوم اسرة الامام المهدي، بل ذكر في منشوراته ان الانصار اخوانه واحبابه بهذا المفهوم فان الاسرة اوسع واشمل من ان تنحصر في اسرة او اثنين أو ثلاث، ما قاله الناس عن هذه المرحومة من ذكر الفضائل والشمائل التي كانت تكسوها شوقني الى معرفتها قبل موتها ومن ضمنها الفضائل التي قالها عنها السيد الامام، ولما علمت انها اي المرحومة، أخت لمبارك الفاضل الذي حصل بينه والامام الصادق لم يحصل بين الحداد والحديد في وقت سابق، ثم يذكرها الامام بهذه الكلمات الضافيات عرفت قوة هذه المرأة التي لم تفرق بين ابن عمها الصادق المهدي واخيها مبارك الفاضل، وهذا هو مربط الفرس في هذا المقال، ان تقف امرأة في دائرة محورية متساوية بين الجميع في احلك الظروف، حيث يذكرها الجميع بالخير، هذا اذا اضفنا الصراع التاريخي بين ابن زوجها محمد داؤود الخليفة والصادق المهدي في اواسط الستينيات. أليس هذا مدعاة لنا جميعا للتفكر والتدبر في امر هذه الدنيا الفانية! ونحن كل يوم نقبر شخصاً عزيزاً لدينا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كفى بالموت واعظاً، ويقول تذكروا هادم اللذات، الا نعتبر، تلك الحلقة التي حول الامام وهم يتلون الراتب وحزباً من القرآن اللذان يدعيان للتآخي والصبر على الشدائد، زيادة على ذلك يذكر الامام المهدي في راتبه اللهم لا تجعل في قلوبنا ركوناً لشيء من الدنيا يا ارحم الراحمين، هل نحن تأثرنا بهذه الاقوال الربانية وفكرنا لحظة للم شمل هذه الامة. هؤلاء الاخوة الذين يتحلقون حول الامام الصادق المهدي، تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى، عبد الرحمن الصادق، والصادق الهادي المهدي، ومبارك الفاضل المهدي والسيد أحمد المهدي، والسيد محمد داؤد الخليفة ومهدي داؤد الخليفة وغيرهم من الثلة كل يفتل في حبل سياسي لوحده، لماذا هذا؟ إنني لا الوم الجيل الرابع لهذه الاسرة الكريمة، فالجيل الأول في صدره الامام المهدي هو الذي وحد السودانيين وحررهم لم نشهد في عهده مثقال ذرة من خلاف من جميع الوجوه وبين جميع الناس، حتى لقى ربه راضياً مرضياً، الجيل الثاني بقيادة السيد عبد الرحمن المهدي حذا حذو والده فجمع امامه اهل الوجعة واصبحوا من بين يديه وعن شماله ويمينه وامامه وخلفه سكبوا عرقاً، وسفكوا دماً حتى حرروا السودان. أما جيل السيد الصادق المهدي ومحمد داؤد الخليفة فيقف القلم حيران في موقفيهما المختلفين منذ اواسط الستينيات من القرن الماضي والى يومنا هذا. وحتى وهما يستمعان لقراءة الراتب وحزب من القرآن في عزاء السيدة الفاضلة بدور المهدي ولكنهما لم يتعظا به البتة، قد يقول لي قائل ان خلافهما سياسي، وليس له علاقة بالجانب الاسري ولكني اقول ان ذاك ربما يحصل في الاسر الوسيطة التي لم يكن لها دور في تاريخ هذا البلد، يعلم الجميع كم من دماء وارواح ازهقت بمجرد قرار من الامام المهدي والخليفة عبد الله، الا تمتد مسؤوليتي الامام المهدي والخليفة عبد الله عن هذه الارواح لحفيديهما اللذين كانا في يوم من الايام في سدة الحكم أيضاً امتداداً لتاريخ جديهما؟ إن التاريخ يا سادة لا يرحم، فعندما يخرج عن الطوع مهدي داؤد الخليفة او عبد الرحمن الصادق المهدي، او الصادق الهادي، ومبارك الفاضل فاني لا الومهم. فالدرب امامهم كان جلياً فالجيل الذي امامهم تفرق ايدى سبأ فاين السيد احمد المهدي من الصادق المهدي، واين الصادق المهدي من محمد داؤد الخليفة وهذا هو الجيل الذي لا نقبل له عذراً في خلاف فقد رأوا باعينهم كيف كان جيل السيد عبد الرحمن يعامل السودانيين وكيف يعامل خصماءه، كانوا يطبقون الآية الكريمة، الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، كانوا يطبقون هذه الآية بحق والشواهد كثيرة، ان هؤلاء السادة الكبار أحمد المهدي والصادق المهدي ومحمد داؤد الخليفة والسيد بكري عديل ود. آدم مادبو والأمير عبد الله الزبير الملك وغيرهم من الذين عاشوا في كنف الجيل الثاني من أسرة المهدي واخوانه واحبابه ، مطالبون اليوم وقبل الغد، بالنظر في أمر هذه الأمة التي وقفت خلف اجدادهم وماتوا على ذلك، والنظر في أمر خلافاتهم فيما بينهم وأن يتناسوا الماضي بكل ما حصل فيه. ولينظروا الى خلفهم كم من عمر قد مضى وكم من عمر قد بقى، وهل اذا ذهبوا بهذه الحالة ألا يعتقدون ان الخلاف في أجيالهم القادمة سيذهب أبعد مما مشى فيه من درب كعبد الرحمن الصادق، ومبارك الفاضل، والصادق الهادي، ومهدي داؤد الخليفة، اذن الأربعة سيتناسلون إلى خلافات قد تصل الأربعين في هذه الأسرة الكريمة، ولن يعفى التاريخ الصادق وأحمد المهدي ومحمد داؤد الخليفة. ويا ليت إن وقفنا فقط في محاسبة التاريخ، فالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم يقول من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم الدين، وأي سوء أكثر من فتنة الخلاف بين أئمة المسلمين، مع العلم ان الامام الصادق المهدي يتقدم هؤلاء درجة من حيث الشرعية التي على كاهله وهي تلقي بمسؤولية عليه ان يتقدم الصف برحابة صدر وسماحة اخلاق اجداده وابائه للم شمل هذا الحزب والكيان. رحم الله السيدة بدور رحمة واسعة، فقد ساعدتني في مس هذا الخلاف بغية طيه، وليس على الله بعزيز، والقلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها حيث يشاء.