غداً من المفترض أن يتوجه أكثر من «15» مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم والمشاركة في الانتخابات، بعد أكثر من «24» عاما من الغياب بعد آخر انتخابات جرت في عام «1986م». وتعد هذه الانتخابات الأكثر تعقيداً من حيث الإجراءات، حيث مطلوب من الناخب في شمال السودان أن يصوت ل «8» بطاقات اقتراع، وفي الجنوب أن يصوت الناخب ل «12» بطاقة اقتراع، كما تعتبر هذه الانتخابات الأكبر أهمية وحساسية في تاريخ السودان الحديث لارتباطها بحق تقرير المصير للجنوب مطلع العام القادم. وقبيل أن يتوجه الناخبون الى مراكز الاقتراع غداً، شهدت الساحة السياسية كثيراً من التطورات والتفاعلات السياسية، التي أحدثت غير القليل من «الربكة» لدى الناخبين، نتيجة الانسحابات ومقاطعة الأحزاب للانتخابات، فبعد انسحاب مرشح الحركة الشعبية لرئاسة الجمهورية ياسر عرمان، أعلن الحزب الشيوعي مقاطعاته للانتخابات بصورة تامة، وتبعه حزب الإمة الإصلاح والتجديد برئاسة مبارك الفاضل المهدي، ليلحق بهم حزب الأمة القومي بزعامة السيد الصادق المهدي. وبدأت صورة المشهد السياسي أكثر وضوحاً بعد الغموض الذي اكتنفها الأسبوع الماضي بسبب عمليات الانسحاب والمقاطعة، فقد تأكد رسمياً انسحاب «4» من جملة «12» من مرشحي الرئاسة ومقاطعتها، وهم «الصادق المهدي، مبارك الفاضل، ياسر عرمان، محمد ابراهيم نقد»، فيما امن بقية المتسابقين على خوض السباق الانتخابي الى نهاية شوطه، وهم «عمر البشير، حاتم السر، عبد الله دينق نيال، كامل ادريس، محمود جحا، فاطمة عبد المحمود، عبد العزيز خالد، ومنير شيخ الدين»، فيما أعلنت الحركة الشعبية مقاطعتها للانتخابات في شمال السودان، وأعلنت ثلاثة احزاب المقاطعة بصورة شاملة على كافة مستوياتها، وهي أحزاب «الأمة القومي، الحزب الشيوعي، والأمة الإصلاح والتجديد»، بالاضافة الى حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أعلن مقاطعتها منذ قبيل البدء في اجراءات الترشيح للانتخابات. وبعد جدل المقاطعة والانسحاب وسيناريو تأجيل الانتخابات، تبدو صورة المشهد السياسي أكثر غموضاً للناخبين الذين سيتوجهون غداً لصناديق الاقتراع، فكثيرون منهم لا يدرون أن أحزابهم مشاركة أم مقاطعة بعد هذا الجدل، وآخرون يترددون ما بين الذهاب لصناديق الاقتراع والتصويت والالتزام بقرارات أحزابهم بالمقاطعة، وما بين هؤلاء وأولئك تلف كثيرين الحيرة في التصويت، فالناخبون أغلبهم أميون لا يقرأون، وآخرون لا يعرفون رموز أحزابهم، وهناك من غير المنتمين لأحزاب قد لا يعرفون برامج الاحزاب حتى يتمكنوا من التصويت لمن يرونه الانسب لتطلعاتهم. «الصحافة» وقبل أن يتوجه الناخبون الى صناديق الاقتراع غداً، استطلعت عدداً من الناخبين حول الانتخابات وتطلعاتهم وما ينتظرونه منها، وكيف سيتعاملون مع تعقيدات العملية الانتخابية عند التصويت، ومدى ادراكهم لتعقيدات الانتخابات، ومخاوفهم من العملية الانتخابية، وكيف يتهيأون لها. فالبلاد تتهيأ لإجراء عملية انتخابية بموجب اتفاقية نيفاشا والدستور الانتقالي لعام «2005م»، وذلك لانتخاب رئيس الجمهورية ورئيس حكومة الجنوب وولاة الولايات، والمجلس الوطني والمجالس التشريعية الولائية، ومجلس تشريعي الجنوب، وتجرى الانتخابات بحسب نص الدستور بنظام الأغلبية المطلقة، أي أن الفائز يجب أن يحرز كحد أدنى للفوز نسبة 50% من جملة أصوات الناخبين زائد صوت واحد في انتخابات الرئاسة، وإذا لم ينل أي من المرشحين هذه النسبة تُجرى دورة انتخابية ثانية بين المرشحين الأول والثاني للتفاضل بينهما للرئاسة، وتنبع أهمية التنافس في الانتخابات على منصب رئيس الجمهورية من أنها تأتي في ظل نظام اتحادي فيدرالي، ونظام رئاسي السلطة فيه بيد الرئيس المنتخب على مستوى الحكومة الاتحادية، وفي يد الوالي على مستوى الولاية. «الصحافة» بدأت جولتها الاستطلاعية من شارع الموردة بام درمان، حيث التقت بالمواطن الشابي احمد الذي يبدو أن عمره في منتصف العقد الرابع ويعمل في تجارة السيارات، وقال إنه لا ينوي ترشيح اي حزب لعدم ثقته في المرشحين، وقال إن الانتخابات لا تنجح في دول العالم الثالث، وإن الحاكم الديكاتوري أفضل من الاحزاب، وشكا من صعوبة المعيشة والضرائب المفروضة عليهم، وتكدس أعداد العطالة من الشباب، ووصف البرامج الانتخابية للأحزاب بأنها مجرد برامج لكسب الأصوات، ويري انه لا يوجد حزب أو مرشح يستطيع تنفيذ برنامجه، وتساءل قائلا «البشير ماسك الحكم «21» سنة لماذا لم يعمل ببرنامجه الذي دعا له قبل «21» سنة، ولماذا قام بتعويض المناصير حالياً ولم يعوضهم في السابق». أما المواطن عوض محمد سليمان الموظف بوكالة السودان للأنباء «سونا» قال ل «الصحافة» انه سيعطي صوته للشجرة، لأن الانجازات التي تمت في هذا العهد لم تنجز في أي من العهود السابقة، وتوفر وتطور خدمات التعليم والصحة اكبر دليل على ذلك، وكذلك انجاز شبكات المياه واستخراج البترول. وحول همومه الشخصية قال إنه يطمح في رفع الاجور لمقابلة تكاليف المعيشة. أما المواطن ايهاب فتحي فخري الذي يبدو في منتصف الثلاثين من عمره الذي التقينا به بأم درمان ويعمل في مجال الأعمال الحرة، فقد قال «إن الحزب الأمثل بالنسبة له هو الحركة الشعبية لولا انسحابها، لأنها تدعو لسودان جديد»، وقال انه لن يعطي صوته الى أي من الاحزاب الاخرى لأنها أخذت فرصتها في السابق ولم تقدم للسودان شيئاً جديداً، وقال ان الحكومة لا تقدم تسهيلات لأصحاب المهن الحرة وصغار المستثمرين، وانها تكبت المواطن ولا تعطيه حريته لممارسة حياته الطبيعة، وأنها تهدر المال العام في غير موضعه، قال «مثلا بدل المال الذي صرف لإنشاء حدائق ام درمان، كان الاولى صرفه في تأهيل المعوقين واكسابهم مهارات شخصية، وعمل ورش تساعد خريجي الهندسة في شتى المجالات». اما العم محمد شريف الجاك «معاشي» فقد قال ان الثماني بطاقات كتيرة، وقال انه سيصوت لحزب الأمة ولكنه انتقد الصادق المهدي لتذبذب قرارته لأنها تؤدي لجهجهة الناخب، وقال «ما في حزب طرح قضايا المعاشيين في برامجهم» واضاف ان المعاش لا يكفي 1% من تكلفة الحياة المعيشية. والعم عمر «معاشي» قال انه سيختار البرنامج وليس المرشح او الحزب، ووصف برامج الاحزاب بأنها حبر على ورق وليس فيها تخصيص للمشكلات، وأنه عند مناقشتها في البرلمان «بتاخذ طابع تاني»، وبرنامج الحكومة كان يجب العمل به في التعليم والصحة، وقال «مفوضية الانتخابات بتخاف من الحكومة». وتشير كثير من التقديرات الاحصائية الى أن أكثر من «65%» من المتجهين لصناديق الاقتراع يمثلون شريحة الشباب التي تشارك لأول مرة في انتخابات او ما يعرف ب «الناخبون الجدد» وهم يمثلون مواليد منتصف السبعينيات الذين لم يشتركوا في انتخابات «1986م» وهؤلاء الناخبون يدور كثير من الجدل حول اتجاهاتهم السياسية من واقع اهتماماتهم في المجتمع، كما أن المحللين الذي يشيرون الى تغير الخارطة الانتخابية التقليدية التي كانت معروفة، يستندون في تقديراتهم الى دراسة اوضاع هذه الشريحة من الناخبين. و «الصحافة» كذلك اقتحمت عالم النساء السياسي وحاولت أن تستخرج ما يدور بخلدهن حول الانتخابات، وتوجهاتهن وكيفية تصويتهن، ورغم ان الكثير منهن قد امتنع عن الحديث لنا بحجة المشغولية خاصة «ستات الشاي»، إلا أن المواطنة حواء آدم الحليو التي التقينا بها في شارع الجامعة بالقرب من معهد الدراسات المصرفية، وتسكن بعد بابكر بالحاج يوسف، وتنتمي لحزب العدالة القومي، قالت «انا مسجلة في الانتخابات، وموضوع البطاقات الكتيرة سمعت بيه طرطيش كلام ساي، لكن ما عارفة هو شنو، العارفاه الوالي والرئيس، ولما امشي للانتخابات حايوروني»، وأضافت «أنا ما عارفة اي حاجة عن البرامج الانتخابية، وبعاني من عدم وجود السكن والشغل لنفسي وأبنائي»، وقالت إنها تبيع الحلوى في المدارس، وقالت «الناس بتكلموا عن مشاكل الكهرباء والموية، لكن أنا مشكلتي ما عندي وطن». وعلي غير ما حكت لنا الخالة حواء عن رؤيتها للانتخابات، قالت لنا الاستاذة منى عثمان الموظفة، إن المرشح الذي سترشحه تريد منه ألا ينفصل الجنوب، وان يتم خروج القوات الدولية من السودان، وحل مشكلة دارفور. وقالت أنها سترشح كامل ادريس لأنه نادى بهذه الاشياء في برنامجه الانتخابي، كما قالت إنها تريد حلاً لمشكلة الصحة والتعليم، أما الموظفة ريماز عز الدين التي التقينا بها بالخرطوم فقد قالت انها سترشح مرشح حزب المؤتمر الوطني لأنها ترى أن البلاد قد تطورت في عهده، حيث حقوق المرأة والتطور في جميع المجالات. وتتمنى أن يتوحد السودان بقيادة مرشحها عمر البشير، وقالت إنها تريد من الحزب توفير سبل المعيشة خاصة في التعليم والصحة وترخيص الأسعار وتوفير فرص العمل للخريجين. وقال الطالبان أبي وأحمد من كلية الطب بجامعة الخرطوم المستوى الثاني ل «الصحافة» إن فكرة الانتخابات بصورة عامة غير واضحة لهما كثقافة انتخابية، والمرشحون غير الرئاسيين غير معروفين، وقالا إنهما مسجلان لكن معرفتهما بالبطاقات الثمانية بنسبة «70%» فقط، وقال أحمد «يا ريت لو الرئيس البشير كان نزل مستقلاً كان افضل من نزوله مع الحزب، لأنه حزبه ما قدم أي حاجة للبلد، بل العكس تماماً حصل تدهور في الصحة والتعليم»، وضرب مثلا بجامعة الخرطوم زمان بأن «الطالب كان اكله وشرابه مجاناً، اما اليوم خايف يجي يوم يوقفوه في الباب عشان يدفع رسوم الدخول»، واضاف ان الاحزاب هذه كلها «فرقعة أصوات وبعضهم لم يخف الله في نفسه فكيف يخاف الله فينا» أما الطالبة إسراء الحاج محمد بأكاديمية السودان للعلوم المصرفية وتقطن بالباقير، قالت انها سوف تصوت للبشير لأنها لا ترى افضل منه في الانتخابات، وليس لديها فكرة عن مقاطعة حزب الأمة للانتخابات، وقالت أن أهم مشكلاتها مشكلة المواصلات والزحمة خاصة يوم الخميس، وعدم تخفيض رسوم الترحيل لهم باعتبارهم طلبة، وطالبت بتطبيق مجانية التعليم. ومن القضايا التي تؤرق مضاجع المواطنين مع بدء عمليات الاقتراع وتبعث فيهم الخوف، قضية الأمن والخوف من اندلاع أعمال العنف التي قد تعيد الى ذاكرة المواطنين أحداثاً كثيراً ما تكررت في شوارع العاصمة الخرطوم وبقية المدن المختلفة، ارتبطت في مجملها بالعمل السياسي وتداعياته الأمنية التي دفع المواطن البسيط في شوارع المدن ثمنها بعد أن ينجو منها السياسيون. فقد ذكر عبد الحفيظ كوكو حسن الطالب بجامعة الخرطوم، أنه يرى أن الانتخابات قد تكون فيها مشكلات، وقال ان الحكومة قادرة على فرض الأمن، ويطمح كذلك في تقديم خدمات للطلاب بصورة جيدة، ومعالجة قضايا الخريجين العطالى. ومن ناحية أخرى تشهد هذه الانتخابات بروز شرائح جديدة في الساحة السياسية، سيكون لها دور في تحديد مسار الانتخابات ومن يحكم السودان عبر صناديق الاقتراع. ومن هذه الشرائح سكان المدن الجدد الذين وفدوا اليها من خلال موجات النزوح التي تسبب فيها الجفاف والحرب الأهلية، كذلك شريحة سكان المدن الذين يشاركون لأول مرة بحكم الفئة العمرية التي ينتمون اليها «طلاب، شباب، خريجون» وهؤلاء هم حصيلة ثورة التعليم العالي وعملية التحديث التي يشهدها المجتمع، وهي شريحة متمردة بدرجة كبيرة على السياسة في أساسها، وعلى الولاءات للكيانات السياسية القائمة في مجملها، ويلاحظ أن هذه الشريحة حتى الآن لا يملك أي كيان سياسي خطاباً موجهاً لها، والشريحة الثالثة يمثلها مواطنو الهامش «الأطراف» الذين تمكن منهم الوعي بالهامشية السياسية والاقتصادية والثقافية، وعبروا عن هذه الهامشية بالاحتجاج المسلح. كما يصنف مراقبون سكان المدن الجدد بأنهم امتداد للكتلة الانتخابية الريفية، فهي تحتفظ بولاءاتها القديمة، بالرغم من أن قياداتها مستقطبة ومستوعبة في هياكل السلطة وأجهزة المؤتمر الوطني. و «الصحافة» إلتقت كذلك بالطالب بكلية الدراسات المصرفية بكري عوض الذي يدرس بالمستوى الرابع «شهادة عربية» وقال «التسجيل ما من حقي لأني ما عايش في السودان وما عارف البيحصل فيه شنو، والفترة البقضيها في السودان كل ثلاثه شهور فقط وبرجع، وما شفت السودان إلا لما جيت الجامعة، وما عندي معرفة بالانتخابات والحاص فيها، كل البعرفه البشير وياسر عرمان نسبة لوجود صورهم في الشارع ليس إلا، واذا قدر لي أن ارشح حا أرشح البشير نسبة لأنه قالوا لي انه طور البلد»، وقال «بخصوص المرشحة فاطمة عبد المحمود انه من الاستحالة ان يرشح امرأة». وبالخرطوم ايضاً إلتقينا بعيسي محمد من الدمازين، وهو عامل ورنيش، وكان الخوف بادياً عليه، فقال «أنا مسجل لكن ما عارف طريقة التصويت وعدد البطاقات، وما سمعت بيها من اساسها ولا قاعد أتابع التلفزيون» وقال: «أنا وناس حلتي كلنا مسجلين مؤتمر وطني، ولما أمشي ارشح الكبار بوروني أعمل شنو، ومشكلتي هي عدم القروش». وأما محمد مدني الذي يعمل في غسيل العربات فقد قال انه ملم بالثقافة الانتخابية، وانه يرشح حزب الأمة، ويشكو من مطاردات الشرطة لهم في اماكن عملهم ومصادرة ادوات عملهم ولا تسلمها لهم الا بعد دفع مبالغ بنفس قيمة العدة، وقال إنهم مظلومون في البلد، وانهم جاءوا من اهلهم من أجل العمل فقط، لأن «أهلنا تعبانين وبياكلوا الكسرة بالموية»، وقال «السوداني ما مرتاح وبيجوا اجانب بيرتاحوا أكتر من أسياد البلد» واضاف «بالرغم من رزق اليوم باليوم في شغلنا ده برضو بياخدوا مننا رشوة».