التحية للرئيس عمر البشير وهو يقبل دعوة نظيره الجنوبى سلفاكير ميارديت لزيارة جوبا للتوقيع على على الاتفاق الذى ستصل اليه اللجنة السياسية بين البلدين حول القضايا التى تساهم فى السلام والاستقرار، تلك الدعوة التى تقدم بها وفد رفيع المستوى من دولة الجنوب برئاسة باقان اموم، فالرئيس بقبوله الدعوة يكون قد اعلن عمليا تحرره من فوبيا التآمر التى ظلت تسيطر على عقلية الكثيرين فى الشمال والجنوب وشكلت عقبة اساسية فى تطبيع الحياة بين الدولتين فى الجنوب، ويكون قد وضع دولة الجنوب كدولة قادرة على الوفاء بإلتزاماتها وتعهداتها تجاه ضيافة وتأمين الرئيس، فبكل اسف من تولى كبر التصعيد فى الجنوب هو الحزب الحاكم وبعض وزراء الحكومة على رأسهم باقان اموم الامين العام للحزب الحاكم ،اما فى الشمال فإن الحملة الاساسية لمناهضة اتفاقية السلام الشامل والمطالبة بإنفصال الجنوب قادها منبر السلام العادل بقيادة المهندس الطيب مصطفى، ومهما كان رأينا فى الطيب مصطفى والخطاب الحاد التى تبنته الانتباهة الناطقة باسم المنبر والذى دون شك له اثر سلبى فى تعميق الكراهية بين الشمال والجنوب، مهما تصادم رأينا مع رأيه وخطابنا مع خطابه فإننا نشكر له جرأته وقدرته على الجهر برأيه مهما كان شاذا فقد وفر الطيب مصطفى منبرا لطرح الرأى الآخر المناهض لمشروع السودان الجديد،غير ان الطيب وبعض اعضاء حزبه بدأت تنتابهم فوبيا اسمها الحركة الشعبية والاخطر من ذلك بدأ إسقاط موقفه من الحركة الشعبية على كل الجنوبيين مما اتاح للبعض الفرصة لوصف المنبر بالمنبر العنصرى . ونرجو من خلال هذه المداخلة مناقشة موقف منبر السلام العادل من الاتفاقية الإطارية لحالة مواطنى الدولتين التى تتباحث اللجنة السياسية المشتركة بين الدولتين حولها الآن. فلا شك ان الفلسفة التى بنيت عليها إتفاقية السلام الشامل التى تم التوصل اليها بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ووقعت 2005وانتهت بإنفصال الجنوب الآن هوأنه لا داعى لاستمرار الحرب حتى لو كان الثمن هو انفصال الجنوب وتكوين دولة مستقلة وذلك بناءً على فرضية اساسية هى ان الحرب التى تطاول امدها بين الشمال والجنوب قد ازهقت ارواحاً بريئة كثيرة وعوقت التنمية واهدرت موارد مالية ضخمة كان يمكن توظيفها لرفاهية مواطنى السودان بشقيه الشمالى والجنوبى، إذن النتيجة المتوقعة بعد انفصال الجنوب هى حدوث الامن والاستقرار فى السودان كدولة واحدة موحدة او كدولتين متجاورتين تجمع بينها اواصر وصلات تاريخية وتاريخ مشترك وقد تم إعتماد الاتفاقية بواسطة اجهزة الطرفين وشهدت عليها اطراف دولية وإقليمية، فهى إذن ليست شأنا خاصا بالمفاوضين الذين مثلوا الجانب الحكومى فى التفاوض والذين يطلق عليهم الطيب مصطفى وزملاؤه فى الانتباهة بشئ من الاستخفاف (اولاد نيفاشا ) وهو تعبير استفزازى لا داعى له اما الضجيج الذى اثارته الانتباهة حول الحريات الاربع فهو تعبير آخر عن ازمة الخطاب الاعلامى فى السودان فمن المقبول ان تبرز آراء معارضة لاى آراء تطرح فى الساحة لكن استخدام اسلوب مستفز كالذى تستخدمه الانتباهة امر غير مقبول اطلاقا. لقد حزنت جدا عندما قرأت فى الصحافة عدد الخميس 23/3/2012 مقالا للكاتب والمفكر دكتور صديق تاور كافى بعنوان الحريات الاربع والنازيون الجدد لان د0 صديق تاور اعتاد ان يكتب مقالات صحفية متوازنة تتوقى المنطق و تبتعد عن التجريح والتهريج ،لكنه فى هذا المقال استجاب لإستفزاز الطيب مصطفى وجاراه فى حديثه وهى نقطة ما كنت اريد لدكتور صديق ان يصل اليها. لقد قرأت المقالات الراتبة لكل من الطيب مصطفى واسحاق احمد فضل الله والصادق الرزيقى والتى امتدت لاسبوع بعد توقيع الاتفاق الاطارى وتركزت كلها ليس فى تجريح الاتفاق فحسب لكن تعدته الى تجريح وفدنا المفاوض ووصفه بالغباء واحيانا بالخيانة. والحقيقة الغباء احق ان يوصف به من يظن ان هذه الاتفاقيات سيسرى مفعولها والحرب جارية ومستمرة ، الاتفاقية تعبير عن ما ينبغى ان تكون عليه الاحوال بين الشمال والجنوب وغبى جدا من يظن ان الاتفاق سيطبق خارج الحزمة الكلية من الترتيبات التى يجرى التفاوض حولها الآن. العالم الآن تحكمه لغة المصالح والجيش الشعبي لم يعد مليشيات متمردة بل جيش حكومى لدولة معترف بها ترجو الاستقرار وتسعى للمحافظة عليه والسودان الشمالى ليس غبيا بحيث لا يعرف الاوراق التى تجعل حكومة الجنوب تقدم التنازلات وتسعى للحفاظ على امن واستقرار حدودها الشمالية وفك الاختناق عن اقتصاده المعيشى، ثم ليدرك الطيب مصطفى وزملاؤه ان الحرب التى ربما تكون نتيجة التصعيد غير المبرر اصبحت الآن سلعة بائرة فى الشمال والجنوب على السواء وكما قال الإمام على بن أبى طالب اسرعهم الى الفتنة اسرعهم فرارا يوم الزحف أما من يسميهم الطيب مصطفى اولاد نيفاشا فقد اثبتوا انهم اكثر ذكاءً واكثر حرصا على مصالح الوطن مع ملاحظاتنا على التفاوض وآلياته التى تهمل آراء اهل المناطق الحدودية اصحاب المصلحة الحقيقية ولا تشركهم فى صناعة الاتفاق وفى تطبيع العلاقة بين الشمال والجنوب. ان اخطر ما افرزته حملة منبر السلام العادل هو تجذير الكراهية بين الشمال والجنوب وانا اخشى ان لا يقف ذلك عند هذا الحد، فمناطق مثل جنوب كردفان والنيل الأزرق ودار فور بدأت تتململ من حديث الطيب وتظهر عليهم آثار سالبة من جراء حملة الانتباهة، ليس ذلك فحسب بل هنالك شيوخ اجلاء بدأوا يفقدون صبرهم من جراء الحملة التى تشنها الانتباهة على مواطنى الجنوب، ففى ندوة أقامها المنبر فى مركز الشهيد الزبير حاول الاستاذ عثمان الهادى ان يقدم مرافعة مفادها ان الحركة الشعبية هى ليست سكان الجنوب وان الجنوبيين اخوان لنا ومنهم مسلمون ويجب أن تكون علاقتنا بالجنوب يسودها الاحترام وتبادل المصالح، لكن الكثير من الحاضرين قاطعوه باسلوب همجى جعل عثمان الهادى ينسحب رغم رجاء الطيب مصطفى له ان لا يعير ذلك اهتماماً. اخوتى فى الانتباهة انتم تقودون خطاً فى غاية الخطورة يخلق ترسباتٍ سالبة ليس فى نفوس الجنوبيين فحسب ،لكن فى نفوس كثير من سكان السودان وانا لا ارى اى داعى لهذه الفوبيا ولا هذا العويل الذى تقوده الانتباهة. نحن نرضى بتفاعل الثقافات وندرك ان الثقافة الاسلامية تملك كل المقومات التى تجعلها تنتصر وتنمو ونحن اولى بالجنوب من غيرنا فلنا معه قواسم مشتركة ومصالح مشتركة بل ودماء مشتركة ،وانتم يا اخى الطيب لكم الحق فى ابداء رأيكم المخالف لكن اعلموا انكم لستم اوصياء علينا ولا على الاسلام، مرحبا بطرحكم لكن ارجو ان يكون فى حدود المسموح به من الاحترام وغير خادش لكرامة الآخرين ، فالطرح المتعصب لا يجدى شيئا ولا يقدم حججاً مقنعة بل يرسب اثراً نفسياً ضاراً بالتعايش ويجر الناس الى إصطفاف إثنى وجهوى لا داعى له. لقدرصدت المقالات التى كتبت الحريات الاربع جميعها لا تعارض اقامة جوار طيب مع الجنوب حتى الانتباهة انما تعارض مفترضة ان تطبيق الاتفاقية يتم فى اجواء التوتر التى كانت سائدة قبل الاتفاق، وهذا هو الغباء وليس ما وقع عليه المفاوضون نحن فى مركز دراسات ادارت حلقات نقاش هادئ شارك فيها العلماء والباحثون وسوف نقدم ذلك ليتم حولها حوار اوسع فى ورشه تعقد مطلع الاسبوع القادم سنوجه فيها الدعوة للجميع لتقديم رؤى علمية تساهم برفد مراكز القرار بالرأى الآخر حول المسألة. أخيرا التحية للمهندس الطيب مصطفى فلولا آراؤه المتطرفة حول الحركة الشعبية لما نشط الكثيرون وكتبوا حول الموضوع .