مدخل: أمٌّ مسلمة لخمسة أطفال ضربت حتى الموت في منزلها بولاية كاليفورنيا وتركت معها رسالة تقول «إرجعي إلى بلادك، أيتها الإرهابية»، ولكن لم يخرج مليون حجاب احتجاجاً على مقتلها. يعيش أربعون ألف عراقي في إلكاجون بولاية كاليفورنيا حيث قتلت الأسبوع الماضي شيماء العوادي وهي مسلمة تقية وأمٌّ لخمسة أطفال، وقد قتلت ضرباً وسحقاً داخل منزلها بحديد إطار عجلة وتركت قربها مذكرة تقول «إرجعي إلى بلادك، أيتها الإرهابية». ويبدو أن هناك أوجه شبه كثيرة بين جريمتي مقتل شيماء ومقتل تريفون مارتن الذي سبقها في ولاية فلوريدا، ومن ذلك: خطاب الكراهية والتعصب وبراءة الضحيتين. وقد طُرح في موقع «الفيسبوك» مليون حجاب لصفحة شيماء العوادي، ولكن من المشكوك فيه أن تكون هذه النزعة انتشرت لأن العراقيين ما يزالون يعتبرون عملاء خطيرين في أعين الأمريكيين. إن غزو العراق بقيادة الولاياتالمتحدة قد أدى إلى نزوحٍ واسع للعراقيين، فخمسة مليون عراقي تقريباً فروا من بلادهم بين عامي 2003م و2007م متسللين عبر سوريا والأردن وكثيرٌ منهم استحالوا إلى أسمالٍ بالية وحالة يُرثى لها في شوارع عمان ودمشق. وكانت بلادنا إحدى البلدان الأقل استقبالاً لمحنة اللاجئين العراقيين خلال الحرب بحيث كانت تسمح لبضعة آلاف بالدخول إليها كل عام. وبعد عام 2007م خففت الولاياتالمتحدة قيودها، وفي ما بين عامي 2007م و2011م أحيل 166084 عراقي إلى برنامج قبول اللاجئين الأمريكي كما أعيد توطين 58811 عراقي في الولاياتالمتحدة حيث يعيش كثير منهم في جيوب مجتمعية مثل إلكاجون. فهل صحيح أن العراقيين وخاصة العراقيين المسلمين (كثير من القادمين الجددهم مسيحيون يبحثون عن اللجوء) لم يستوعبوا بسهولة في أمريكا، فلقد وجدوا مشقة في إيجاد وظائف في الاقتصاد المتدني وهم يقاومون مقاومة فاعلة أن تقع بناتهم في أنماط حياة المراهقة الغربية، ولكن لسوء الحظ فإن النساء المحجبات يعكسن الوجه العام لدينٍ يربطه كثير من الأمريكيين بالإرهاب. ولكن العراقيين ليسوا «إرهابيين» فقد كانوا لعدة عقود من بين الناس الأكثر تعليماً وعلمانية وذلك قبل أن يسيء إليهم دكتاتور وحشي ومن ثم فرض عليهم الغرب العقوبات الاقتصادية وأعقب العقوبات الاقتصادية قصف الصدمة والرعب وعشر سنوات من الغزو والحرب الأهلية. أضف لذلك أن العراقيين الذين يعيشون في الولاياتالمتحدة لم يكونوا مطلقاً مجموعة متجانسة، فقبل أعوامٍ قليلة كتبتُ قصة عن الجالية العراقية في لنكولن مدينة سهول القمح واللحم بولاية نبراسكا حيث من المألوف فيها الآن مشاهدة النساء اللاتي يرتدين البراقع والملابس الطويلة. وبعد أيام قليلة هناك أصبح واضحاً أنه حتى الجاليات العراقية المغتربة الصغيرة تشكل فسيفساء من أديانٍ وأعراقٍ مختلفة تضم الشيعة والسنة (الأقليات التي أدارت نظام صدام حسين السياسي البغيض) والكلدانيين والآشوريين واليزيدية. إن رجال الشرطة في إلكاجون ما زالوا يبحثون عن قاتل شيماء العوادي والذي قال أفراد أسرته إنهم وجدوا مذكرة تهديد مماثلة ملصقة ببابهم قبل أسبوعٍ من الهجوم حيث قالوا إنهم غضوا عنها النظر باعتبارها مزحة. ومع ذلك لم يكن الحجاب هو طالع النحس، فالشرطة لا تصور المسلمات كما تصور السود. ولكن عندما ننظر فقط إلى إنسانية الناس لا إلى ملابسهم أو معتقداتهم الدينية فإننا نتعايش مع المبادئ التي قامت عليها بلادهم ويجب أن يتم استحضارها الآن.