صعّد والي ولاية القضارف اخيرا من حرب الدستوريين بالولايات على مراسلي الصحف القومية، معلنا من خلال لقاء تلفزيوني تم بثه الاسبوع الماضي عدم تعامله مستقبلا مع الصحف، ليأتي ذلك مواصلة لمسلسل نقده للصحفيين، واسوة بغيره من السياسيين والدستوريين بالولايات. وكرم الله الذي اظهر غضبا واضحا تجاه صحفيي ولايته بسبب نقدهم لسياساته واتهامه بالفشل في تنزيل برنامج التغيير الذي بشر به قبل عامين، لم يكن الدستوري الاول في الولايات الذي يظهر عداءً واضحاً لمراسلي الصحف القومية ، فقد سبقه العديد من الدستوريين بمختلف ولايات السودان في مناصبة المراسلين العداء بعد ان ضاقت صدورهم ، فقد سبق لوالي جنوب دارفور الاسبق عبد الحميد موسى كاشا ان قام بمهاجمة مراسل صحيفة الاخبار النذير قبلة في مجمع من الحضور ومضى بعيدا في التعبير عن تبرمه من المراسل وقام بطرده من القاعة التي كانت تحتضن منشطا لحكومة الولاية، ولا يختلف المشهد كثيرا بولاية الجزيرة التي اظهرت حكومتها ضيقا واضحا من كتابات المراسلين ونجحت في نيل مصادقة وزارة العدل بانشاء نيابة هي الاولى بالولايات مختصة بالصحافة والمطبوعات حتى تكبح جماع اقلامهم الناقدة التي نشطت خلال الفترة الماضية في كشف ما تعارف عليه بقضايا فساد، ودشنت عمل النيابة بعدد من البلاغات ضد بعض الصحف القومية ومراسليها، وفي النيل الابيض ضرب مراسل صحيفة (الوطن) عبد القادر مكي الرقم القياسي في البلاغات المفتوحه ضده من قبل دستوريين حيث تجاوزت الخمسة عشر بلاغا منذ عهد الوالي السابق الفقيد مجذوب يوسف بابكر، وذات الولاية تابعت تفاصيل العداء السافر الذي اظهره وزير الثقافة الاسبق والاعلامي عبد الماجد عبد المجيد تجاه مراسلة صحيفة (السوداني) سوسن محمد عثمان، وفي ولاية شرقية تعرض مراسل لتهديد من دستوري وذات الامر حدث في النيل الابيض وشمال كردفان لمراسلين آخرين، وكان والي القضارف قد وصف مدير مكتب (الصحافة) بالشرق عمار الضو ب(عامل الناموس) وهدف من وراء ذلك اعمال ثقافة الاغتيال المعنوي لايقاف مداد الضو الناقد، وتطول النماذج التي توضح حالة التنافر والتباعد بين الدستوريين والاجهزة الامنية من جهة ومراسلي الصحف القومية من جهة اخرى. وعادة ما يتهم الدستوريون المراسلين بعدم المهنية وتنفيذ الاجندة والبحث عن المصالح الخاصة وممارسة سياسة الابتزاز، وتعمد غض الطرف عن الايجابيات والتركيز على السلبيات، فيما ينفي المراسلون عن انفسهم هذه التهم ويؤكدون ان الدستوريين في الولايات تضيق صدورهم من النقد ولا يقبلون الكشف عن الحقائق المجردة التي توضح اخفاقاتهم وسلبياتهم ويتهمون الدستوريين بحجب المعلومات خوفا من اهتزاز الكراسي التي يجلسون عليها ويعتبرونهم غير مدركين لماهية الرسالة الاعلامية ولايعيرونها ادنى اهتمام. وما بين الاتهامات المتبادلة تظل العلاقة بين طرفين يمثلان سلطتين مناط بهما تكامل الادوار من اجل المصلحة العامة، على طرفي نقيض، وتتباعد بينهما خطوط التلاقي، ويشبه المراسل الصحفي بجنوب دارفور النذير محمد سعيد علاقة الصحفيين بالولايات والدستوريين بعلاقة القط والفأر، مشيرا في حديثه ل(الصحافة) الى صعوبة تلاقي خطوط الطرفين في ظل الحساسية الكبيرة التي يتعامل بها الدستوريون مع النقد وكشف الحقائق ، وقال النذير: الدستوريون لايقبلون النقد ويظهرون تبرما واضحا يصل حد التهديد احيانا ، وهم يرفضون اتهامهم بالتقصير ويريدون الكتابات المادحة والشاكرة لهم ، وعندما توجه لهم انتقادات يطلقون الاتهامات جزافا في حق المراسلين (هذا طابور وذاك عميل ) وغيرها من فزاعات يلجأون اليها لايقاف الصحفي الولائي من كشف الحقائق ، ويلفت النذير الى ان المراسلين بدارفور يعملون في ظل اوضاع غير مشجعة على العمل الصحفي ، معتبرا ان حالة الطوارئ من اكبر معيقات العمل الصحفي ، موضحا ان كل الجهات بما فيها الحركات المسلحة والاجهزة الامنية والحكومة والعارضة ترفض النقد، مشددا على انهم «يعملون بتجرد ومهنية لان المواطن ينتظر منهم كشف الحقائق». ولكن لماذا يرفض الدستوريون النقد ويناصبون صحفيي الولايات العداء ويعملون على تكبيل تحركاتهم ،»لا نرفض النقد» هكذا ابتدر والي ولاية سنار احمد عباس اجابته عن سؤالنا، وقال في حديثه ل(الصحافة) :لانرفض النقد ونتقبله عندما يكون موضوعيا بل ونأخذ به لمعالجة الاخطاء والقصور، ولكن نرفضه عندما يأتي مفتقرا للمعلومة الصحيحة او قائما على اساءات شخصية غير مقبولة وليست مهنية. ويحكي عباس قصة حدثت له مع احد المراسلين قائلا :في جلسة خاصة ذكرت حقيقة يعرفها الجميع ولم تكن للنشر او هكذا يجب ان تكون ،ولكنني تفاجأت في اليوم الثاني بنشرها في مانشيتات احدى الصحف ،وهذا سلوك صحفي اعتبره غير مهني ،ويتهم عباس المراسلين والصحفيين بالتركيز على نشر الاخبار السلبية وغض الطرف عن الايجابيات عن قصد ،ويعتبر ان الصحافة السودانية مازالت في مرحلة الاخبار ولم تصل لمستوى التحليل الدقيق والعميق. مدير مكتب صحيفة (السوداني) بولاية البحر الاحمر عبد القادر باكاش ينفي من جانبه اتهامات بعض الدستوريين بالولايات للمراسلين، ويشير في حديث ل(الصحافة) ان بعض الدستوريين بعدد من الولايات يعتبرون المراسلين (باشكتبة) وموظفين في دواوين حكوماتهم، ويضيف: وعلى هذا الاساس يعتبرون المراسلين مؤتمرين بامرهم ويريدون ان يكون المراسل موظف علاقات عامة يتم توجيهه حسبما يريدون ،ويريى مدير مكتب السوداني ان الدستوريين يجهلون ان الصحافة هي مرآة الشعب وجهازه الرقابي على السلطة وانها الجهة التي تلقي الضوء على اخطاء المسؤولين وابراز الاشياء على حقيقتها دون تلميع وتلوين. ولكن هل يمارس المراسلون فعلا الابتزاز وينفذون اجندة كما يتهمهم دستوريون، في اتصال هاتفي مع (الصحافة) ينفي مراسل صحيفة (الوطن) بالنيل الابيض عبد القادر مكي هذه الاتهامات ويعتبرها عارية من الصحة، ويرجعها الى بحث المسؤولين عن شماعات يعلقون عليها اخطاءهم ، ويقول: نحن نؤدي رسالتنا بكل مهنية وصدق ولا نترصد المسؤولين بل هم من يجرون انفسهم الى النقد بسبب اخفاقاتهم الكثيرة ، ونحن نكتب الحقائق لأن هذا دورنا بالاضافة الى ذلك المواطن ذكي ولماح يحاسبنا ان غضضنا الطرف عن السلبيات. ويقول مكي ان تعميم اتهام الابتزاز على كل المراسلين يعتبر ظلما كبيرا ، مشيرا الى ان لكل قاعدة شواذاً، معتبرا المراسلين جنوداً مجهولين. وهذا ما اشار اليه ايضا الكاتب الصحفي بولاية كسلا سيف الدين آدم هارون الذي قال في حديثه ل(الصحافة) ان مراسلي الصحف القومية يتعرضون لظلم واضح من صحفهم التي قال انها لاتوفر لهم معينات العمل ولا تمنحهم مخصصات مالية تعينهم في اداء مهامهم الصحفية، ويرى هارون ان تلقي المراسلين لحوافز امر طبيعي في ظل الظروف الاقتصادية التي يعاني منها كل السودانيين ، وقال : اعتبر العلاقة بين المراسل والدستوري تقوم على المصلحة وتبادل المنافع وليس في ذلك منقصة، اذا لم تحل بين المراسل والاداء المهني المتجرد، ويحمل هارون مجلس الصحافة واتحاد الصحفيين والصحف مسؤولية تردي اوضاع المراسلين الاقتصادية، غير انه أكد مهنية المراسلين وحرصهم على ابراز الحقائق والوقوف بجانب المواطن، وقال انهم يواجهون معاناة حقيقية. ومن خلال تجربته الشخصية يكشف المحلل السياسي والاستاذ الجامعي الدكتور محمد المعتصم احمد موسى عن مهنية عالية تميز المراسلين الذين اشار الى انهم يبحثون عن الخبر لاشباع رغبة القارئ والمواطن في معرفة ما يدور في ولايته في ظل حجب المسؤولين للمعلومات وعدم كشف الحقائق بدعاوي مختلفة، مشيرا الى ان الصراع بين المسؤولين والمراسلين سيظل مستمرا الى ان يطبق الحكم الراشد في السودان الذي قال انه يقوم على الشفافية التي يبحث عنها المراسل والمواطن.