من أكبر الدلائل على عشوائية الجهاز التنفيذي هو إضطرار وزير الصناعة تقديم استقالته بعد اكتشافه للفضيحة في الاعداد لافتتاح ماتعتبره الحكومة انجازاً لا يشق له غبار ومشروعاً اقتصادياً ضخما ، لقد اكتشف الوزير قبل موعد الافتتاح بيومين فقط ان ( السوفت وير ) الذي تعتمد عليه اجهزة تشغيل مصنع السكر المراد تشغيله والاحتفال به غير موجود وغير متاح وغير ممكن الوصول اليه لانه برنامج امريكي وامريكا تفرض عقوبات اقتصادية على السودان ولا تسمح بتصدير اي مواد او معدات او قطع غيار للسودان ، ان الوزير كان يعلم عن العقوبات الاميركية بالطبع بل راعي الضأن في الخلاء كان يعلم بمسألة الحظر الاقتصادي وآثاره فكيف استطاع الجهاز التنفيذي والجهات الناشطة في الاعداد لحفل الافتتاح هذه المعلومة البسيطة ؟ ان الاعلان المنشور على استحياء بالصحف اليومية يتحاشى ذكر الكارثة ويقول ان التأجيل تم لظرف فني طارئ مرتبط بطرف خارجي ولم يوضح ماهية الطرف الخارجي الذي تسبب في عرقلة خطوات افتتاح المصنع وهو إفتئات على الحقيقة الساطعة عن الحظر الاقتصادي المعلوم منذ عقدين من الزمان . ان الموقف جد محرج ولا يمكن تحمله وحينما يكتشف احدهم ان الجهاز التنفيذي للدولة يقوم على السبهللية والافتئات على الحقائق المجردة تصبح الاستقالة منطقية كلما ازداد احترام الانسان لنفسه ولو على مستوى الحياء من مرؤوسيه الذين اخبرهم ونقل لهم ما نقل اليه من تطمينات وتربيتات وكلمات براقة ، ان الاستقالة في مثل هكذا حالات مفهومة رغم انها لا تأتي كتعبير عن عدم الرضاء لما لحق بمقدرات الشعب والبلاد وانما ناتجة عن كمية الحرج امام المدعوين الذين تم تسليمهم بطاقات وكروت الدعوة ، ان الحرج يتخطي الوزير المستقيل ورئاسة الجمهورية التي رفضت قبول الاستقالة لينقلب الحرج الى تساؤل مشروع عن من يتحمل مسؤولية هذه الفوضى والتخبط ؟ من هي الجهة التي كانت تتابع وتراقب سير العمل وتتأكد من النواقص والنتائج والتحديات ؟ كم بلغ سعر تكلفة متابعة هذا الامر حتى اوصل الحال الى ماهو عليه ؟ نحن نخشى ان يخرج علينا من يتحدث عن تكلفة مليارية ظلت الشركة السودانية تنفقها من اجل اخراج هذا المشروع بصورة مشرفة الى العلن...لقد جربنا مثل هذه الاساليب من قبل وامتلأت دفاتر آلية مكافحة الفساد بالعجب العجيب عن الخزعبلات وآخر التقليعات في تبديد المال العام بواسطة الكثير من الناس فلماذا لا نتساءل عن نهاية الطريق ونستكشف حقيقة التقارير والميزانيات المرفوعة ؟. علينا ان نشجع نهج تقديم الاستقالات حينما تكون ناتجة عن قناعة بأن المسؤول لم يستطع تقديم النفع لبلده او انه وقع ضحية لألاعيب الصغار وانه ظل طوال فترة تنفيذ المشروع بعيداً عن الحقائق وضحية (خدر) للتقارير الزائفة عن التقدم المضطرد في سير العمل وان كل شئ تمام التمام ، ان الشعب السوداني ينسى ان مشروعات السكر العديدة المنفذة في السودان ظلت تنتج السكر باستمرار دون ان ينعكس انتاجها رفاهية على المواطن السوداني او تساهم في خفض سعر السكر وهم اليوم سينسون حينما يتم افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض انهم لن ينتفعوا كثيراً بهذا المشروع لأن العقليات التي تدير الامور في البلاد والنهج الذي جبل عليه الجهاز التنفيذي لا يقدم للبلاد اي جديد. ويكفي الجهاز التنفيذي تخبطاً ان الحكومة حينما جاءت الى سدة الحكم وجدت رطل السكر لا يتعدى بضعة قروش وكان سعر صرف الدولار الامريكي الذي تحارب به حكومة الولاياتالمتحدة حكومة السودان وتحظر عليها اقتصادياً الانتفاع بالتبادلات التجارية كان سعره لا يقارن بسعره اليوم. ومن المهم ان تعترف الحكومة وجهازها التنفيذي بخطل النهج العشوائي في ادارة شئون البلاد او بالمقابل علينا ان نشجع المزيد من الاستقالات وسط الوزراء والمسؤولين على خلفية الحياء..ان الحياء من الإيمان ومن المهم ان لا نسلب الناس نعمة الحياء .