أوردت جريدة «الصحافة» الغراء فى عددها رقم «6710» بتاريخ 12 جمادى الأولى 1433ه الموافق 3 أبريل الجارى عن وكالات أنباء مختلفة، أن وزارة الخارجية البريطانية قد عينت الدكتور بيتر تيبير سفيراً جديداً لبريطانيا في السودان خلفاً للسفير الحالى نيكولاس كاي وبذلك تكون وزارة الخارجية البريطانية قد أغلقت ملف سفير مثير للجدل فى السودان هو نيكولاس كاي. فنيكولاس كاي كان سفيراً على غير النسق المألوف للسفراء البريطانيين عموماً ولسفراء بريطانيا في السودان خاصة. فالرجل كان أشبه بالمراسل الصحفي منه بالدبلوماسي الكلاسيكي الرزين، فهو يكتب فى الصحف ويكثر من الاختلاط بطبقات المجتمع الشعبية، ويظهر بملابس اعتيادية، وينصح الحكومة فى الجرائد ويقدم وجهات النظر فى شؤون سودانية داخلية كمد الطرق وإنشاء الجسور وإعلاء الخزانات وتوصيل الكهرباء، وكاد أن يتكلم في تشغيل الخريجين والاستثمار الصغير والأصغر، ويحضر الاحتفالات فى بيوت الناس مما جعل كثيراً من حواجب العيون ترتفع دهشة لهذا السلوك غير المتعارف عليه في العرف الدبلوماسي، خاصة بين دولتين مازالت العلاقة بينهما تشوبها كثير من «اختلافات وجهات النظر» كما يقول الدبلوماسيون الحذرون!! وقد تساءلت فى مقال سابق إن كان هذا التصرف غير المعتاد وغير الدبلوماسي هو بمبادرة شخصية من السفير؟ أم أن ذلك قد كان بتوجيه من الحكومة البريطانية؟ وأنا في الحقيقة أشك شكاً معقولاً فى أن ذلك لن يكون بتوجيه من الحكومة البريطانية لما عرف من الحكومة البريطانية من الهدوء والعقلانية ووضع الأمور فى نصابها، على الأقل في ما يبدو للمراقب اختلفنا معها أواتفقنا. كثير من السودانيين خافوا من سلوك السفير البريطاني هذا، وظنوا أنه فى تغلغله فى الشأن السودانى اليومى بهذه الطريقة ربما أضمر شيئاً فى غير مصلحة السودان. وقد يقول قائل: ما أدراكم أن السفراء المتقيدين بالسلوك الدبلوماسي لا يضمرون نفس الشيء؟ فربما يكون الرد أن السفير المتقيد بالسلوك الدبلوماسي المعتاد شخص يلعب اللعبة على أصولها، ولكن هذا السفير «الشعبى» «الخفيف » لا يلعب اللعبة على أصولها، وربما يكسب أوراقاً إضافية تأتيه من هذه «الانسيابية» الزائدة عن اللزوم. أعرف أنه فى غضون الأيام القليلة القادمة ستمتلئ الصحف بإعلانات حفلات وداع السفير نيكولاس كاي من «أصدقائه العديدين بالسودان»، فليودعه أصدقاؤه بما شاءوا من عبارات الود والصداقة والإخاء، ولكن السودان يتطلع لسفير بريطاني عادي يعبر عن مواقف بريطانيا نحو السودان على وجهها الحقيقي، وليس سفيراً يقطر لسانه عسلاً ويرفع راية الصداقة عالية، بينما أن مواقف بلاده نحو السودان مازالت كما هي حتى وكأن الرجل رئيس جمعية صداقة شعبية أكثر من كونه سفيراً لدولة بريطانيا التى نعرفها. فالشاعر العربى القديم يقول: فإما أن تكون أخى بحق فأعرف منك غثي من سميني وإما فاطرحني واتخذ ني عدواً أتقيك وتتقيني آمل أن يهتم من سيترجم هذا المقال إلى اللغة الإنجليزية، بترجمة بيتي الشعر أعلاه.