من المؤكد والبديهي ان امريكا يمكنها الآن وكان يمكنها منذ ان انفصل جنوب السودان اغراق الجنوب ليس فقط بالقمح وكل انواع الحبوب الاخرى بل بكافة انواع المواد الاغاثية التى ظلت توزعها فى دول العالم الفقيرة لتحقيق اغراضها الاستراتيجية، حيث ان امريكا التزمت بمساعدة دولة الجنوب الوليده والاخذ بيدها حتى تصبح دولة علمانية على الطراز الامريكي البروتستانتي وذلك بعد ان استعملت اجهزتها الاستخباراتية والاعلامية لتبرير تدخلها السافر في كل الشأن السوداني منذ اعلان نميري تطبيق الشريعة وتصوير الواقع السوداني زورا على انه صراع ديني وإثني . إذن فما الذي يجعل امريكا تمعن منذ الانفصال في تجويع سكان الجنوب وتركهم يقاتلون بعضهم بعضا ويقاتلون جيرانهم وذلك بعد ان دفعتهم بشتى السبل للانفصال عن الشمال ، وقدمت لهم معسول الوعود بالحاقهم فورا بمنظومة الدول المتطورة المرفهة ؟ ويعلم الجميع ان قادة الحركة الشعبية من لدن قرنق تمت صناعتهم في امريكا لاداء ادوار لا علاقة لها بمصالح شعب الجنوب انما لخدمة المخطط الصهيوني المسمى بالنظام العالمي الجديد الذي يضمن سيطرة امريكا على ثروات افريقيا و يعتبر ضمان امن اسرائيل عقيده لا يمكن المساس بها . و استخدمت امريكا لذلك أذرع سافرة ومستترة كثيرة منها بعض منظمات الاممالمتحدة ومحكمة الجنايات الدولية وغيرها . ومن اهم اهداف ذلك المخطط في السودان كدولة محورية في افريقيا محاصرة المد الاسلامي المعادي للنظام العالمي الجديد والسيطرة على القرن الافريقي ومنابع النيل والثروات الاستراتيجية الموجودة في المنطقة كالمياه والغذاء و اليورانيوم والبترول والماس والذهب والنحاس وغيرها. لقد خدعت مراكز اسشعار الصهيونية بداية في هوية الانقاذ التي ظنت فيها في البدء انها ستخلصهم من بذرة الشريعة الاسلامية التي زرعها نميري. فلقد كانت مراكز الاستشعار تلك تركز اكثر على منابت الاخوان المسلمين في مصر ودول الطوق ودول شمال افريقيا وتوظف اجهزة تلك الدول لاجتثاث كل بادرة اسلامية فور بزوغها والقضاء على اي تجمع فكري اونقابي او تنظيمي يؤدي الى صعود التيار الاسلامي الى سدة السلطة . ولم تكن تعيرالسودان نفس ذلك التركيز بحسبان ان السودان دولة تتنوع فيها الاعراق والديانات وكانت تستبعد تجذر الفكر الاسلامي في المؤسسة العسكرية السودانية للدرجة التي تجعل قادة اي انقلاب يلتزمون بتطبيق الشريعة . كما ان الخدعة البترولية التي ادخل السودان على اثرها المارد الصيني الى دوائر الاستثمار النفطي والتعديني والزراعي الى قلب افريقيا وتمددالاستثمار الصيني بعد ذلك الى دول القرن الافريقي ودول وسط وشرق افريقيا تلك المناطق التي صرح الامريكان علنا اكثر من مرة بانها ملك اجيالهم القادمة ومصادر ثرواتهم. لذلك فإن نظرتنا الى الدسائس التي تدفع بها امريكا واحدة تلو الاخرى الى ساحتنا السودانية وهي متخفية وراء وجوه النخبة الجنوبية او التكتلات العلمانية او حتى باستغلال بعض الاخطاء التنفيذية التي ارتكبها بعض النافذين في المؤتمر الوطني وتضخيمها ومحاولة تشويه صورة الحكم الاسلامي باستثمار تلك الاخطاء . وعليه فاننا لابد ان ننظر لتلك الدسائس نظرة اكثر عمقا وادراكا لمعرفة النوايا الحقيقية لها واهمها وقف نمو الدولة الاسلامية في السودان وتطويقها من كل الجهات وعزلها عن مسلمي افريقيا وسلب خيراتها وتعويق تطورها والسيطرة على منابع النيل كسلاح يمكن استخدامه لمحاصرة الدولة الاسلامية الكبرى التي توشك ان تتشكل في منطقة وسط وشمال افريقيا بالاضافة الى ما سيلحق بها من دول عربية افريقية وآسيوية. ليس هناك من شك في ان ثبات حكومة الانقاذ طوال ربع قرن من الزمان امام كل انواع المكر الذي حاولت به امريكا وتوابعها ازاحتها عن السلطة يغري بالتأكيد كل الحركات الاسلامية في المنطقة بالاستناد على ثقلها الجماهيري للوصول الى سدة الحكم وهذا ما حدث في تونس و ليبيا والمغرب ومصر وما سيحدث قريباً في سوريا .