بعد ان أعلنت مصر عن دعمها اللامحدود للسودان في مطالبته بانسحاب قوات جنوب السودان من منطقة هجليج ،واعربت عن استغرابها للسلوك العدواني الذي سلكته دولة جنوب السودان، لم تكتف ايضا بوعودها المبذولة على لسان وزير خارجيتها بتوظيف ثقلها الاقليمي والدولي للحفاظ على استقلال السودان وسلامة اراضيه. فقد وصل وزير خارجيتها محمد عمرو كامل الى الخرطوم صباح امس لتكثيف المشاورات مع كل من الخرطوموجوبا لمحاولة التهدئة بين البلدين. . وبحث سبل تقريب وجهات النظر بين الطرفين وتمهيد الأجواء لاستئناف المفاوضات. وحمل عمرو رسالتين من رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر الى الرئيس البشير والفريق سلفاكير. وحملت تصريحات الرجل تأكيدا واضحا على موقف مصر المعلن من الأزمة، معربا عن قلق بلاده من التوتر الحالي بين الخرطوموجوبا، ومؤكدا ضرورة التزام التهدئة ووقف العمليات العسكرية واحترام الاتفاقات المبرمة بين الجانبين واستئناف المفاوضات للتوصل إلى حلول للقضايا العالقة محل الخلاف، مؤكدا استعداد مصر لبذل مساعيها لتحقيق التهدئة بين الطرفين. ويبدو ان مقتضيات المهمة الوساطية دفعت بعمرو لان يحجم عن تقديم تصريحات قد تعرقل من مساعي بلاده في نزع فتيل الأزمة. فقد ربط و بين امن بلاده القومي بامن السودان وجنوب السودان مشددا على ان القاهرة مستعدة لنزع فتيل الأزمة بين الخرطوموجوبا، بغية التوصل الى حل سلمي. وقال عمرو للصحفيين عقب لقائه الرئيس عمر البشير، في القصر الجمهوري، انه نقل رسالة من رئيس المجلس العسكري حسين طنطاوي الى البشير في اطار نزع فتيل الأزمة مؤكدا على ان مهمته استكشافية ولا يحمل مقترحات محددة للجانبين ورهن تقديم المقترحات عقب الفراغ من الاستماع لكافة الاطراف، وذكر وزير الخارجية المصري ان المهمة التي كلف بها « استكشاف الدور الذي يمكن ان تلعبه مصر في ارجاع الدولتين الى طاولة المفاوضات ، وان تسود علاقات ودية بين البلدين»، مبينا انه سيغادر الى جوبا اليوم للقاء المسؤولين بحكومة الجنوب لنقل ذات الرسالة والاستماع الى وجهة نظرهم حول التصعيد الاخير، واضاف « من المبكر ان نطلق على الجهود المصرية بانها مبادرة ، نحن اتينا للاستماع وسنحاول دفع مقترحات لنزع فتيل الأزمة». وحاول الوزير المصري ان يزيل اي لبس حول تعارض مهمته مع اعمال الوساطة الافريقية حول النزاع، وقال ان الجهود المصرية مكملة لدور الوساطة الافريقية برئاسة ثابو امبيكي حتى وان كانت منفصلة عنها واعرب عن امله في ايجاد حلول سلمية . وبين لقاء عمرو بالرئيس البشير ومؤتمره الصحفي برفقة وزير الدولة بالخارجية صلاح ونسي تكشفت خيوط عن وجهة السياسة الحكومية في التعامل مع الجنوب، فقد نقل الرئيس البشير لوزير الخارجية المصري استعداد حكومته للمضي قدما في الحل السلمي، بيد انه اشار الى ان جوبا كانت من بادلت ذلك بالاعتداء على الاراضي السودانية. وبعيد انتهاء ذلك المؤتمر الصحافي ،بوزارة الخارجية، استبانت ابعاد الوساطة المصرية، ووضح للعيان المسار الذي ستتخذه القاهرة للتعامل مع الأزمة، فرحلة وزير خارجيتها الاستكشافية تبين انها لا زالت بعيدة عن اجواء ما يحدث في وادى النيل، وان سياستها الخارجية لازالت تفتقد بوصلتها بفعل تداعيات سقوط النظام السابق واستمرار حالة الصراع حول السلطة بين تياراتها وقواها السياسية. وهو ما يتفق مع ردود الافعال الحكومية على المبادرة المصرية، فقد ابدى وكيل وزارة الخارجية رحمة الله عثمان عدم تقبل الحكومة لاي مبادرة من اجل انهاء الأزمة بين جوباوالخرطوم ، من اي طرف، مالم تتضمن دعوته الجنوب لسحب قواته من منطقة هجليج، ووصف رحمة الله القضية التي تصدت لها الوساطة المصرية بالمعقدة، الا انه عاد وامن على عدم الاستهانة بدور مصر الاقليمي بالرغم من ظروفها الحالية. وقال رحمة الله ل»الصحافة» امس ان القضية باتت واضحة ولاتستدعي المساومة من قبل جوبا التي تحتل قواتها منطقة سودانية وقوضت بافعالها الاتفاقات الامنية الموقعة بين البلدين. ورحب وكيل الخارجية بالوفد المصري الذي يقود وساطة لانهاء الأزمة بين الخرطوموجوبا ، بيد انه رهن تمام المسعى بمعالجة الاوضاع الامنية والترتيب لوقف العدائيات والتصعيد، وزاد « مصر اقرب الينا ونحن نرحب باي موقف يدعو للتهدئة والحوار ولكن شريطة مغادرة القوات المعتدية منطقة هجليج لانهاء التوتر القائم بين الدولتين»، وشدد رحمة الله على موقف الحكومة الواضح وعلى رهنها قبول اي وساطة بانسحاب الجيش الشعبي من هجليج اولا. ويؤكد عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري الدكتور ادم محمد أحمد على ان الدور المصري لازال يترنح في المنطقة، وان القاهرة لم تستعد حتى الان ثقلها الاقليمي والدولي، مقللا من امكانية ان تحدث اختراقا في عمق الأزمة بين الشمال والجنوب، اولا لانها لا تملك حلولا سحرية تقدمها للطرفين، وثانيا لان العلاقات بين الخرطوموجوبا بلغت مرحلة متقدمة من التوتر تصعب من عملية الوساطة، معتبرا ان المؤسسات الرسمية على الجانبين ستواجه عقبات في تقبلها نتيجة لذلك. غير ان المحلل السياسي رأى ان مبادرة مصر بالتوسط امر ايجابي يحسب لها في هذه الظروف، كون القاهرة وسيط جديد ربما يحمل من الافكار ما يختلف مع الافكار التي دأبت على طرحها الوساطة الافريقية، فضلا عن ان الجنوب لا ينكر ما قدمته له القاهرة من مساعدات واستثمارات في مجالات مختلفة، وقد يجبر خاطرها لهذا السبب. وكان وزير الخارجية المصري أجرى اتصالات بنظرائه بالدول الإقليمية المعنية في إطار تنسيق الجهود لوقف التصعيد وإعادة الطرفين إلى مائدة المفاوضات، ومما نشر في هذا الاطار فان هناك اجماعا اقليميا قد تشكل بضرورة وقف الحرب والتهدئة تمهيدا لعودة الخرطوموجوبا لطاولة المفاوضات. ولان الوساطة المصرية بين الجانبين تستهدف هذا المطلب وتحث عليه فانها قد تصطدم بالمواقف المعلنة من الجانبين حول الامر، فقد رفضت جوبا قبلا وقف اطلاق النار وقدمت اشتراطات وصلت لانتشار قوات دولية على الحدود بين البلدين، بينما تركز الخرطوم الان فقط على استعادة اراضيها وآبار البترول من الجيش الشعبي، ولا تعكس الاجواء السائدة في العاصمتين المستنفرتين تقبل احداهما لوقف اطلاق النار وشيك. ولم يبتعد ما قاله مساعد وزير الاعلام ربيع عبد العاطي ل» الصحافة» عن ذلك بعيدا ، اذ قطع بان الحكومة تعتمد استراتيجية واضحة تتركز في استعادة هجليج وتأديب وردع المعتدين اولا، والى ان يتحقق ذلك فانها لن تقبل وساطة لا تأتي من خلف هذه المساحة، في اشارة الى هجليج، ثم ان الدكتور ربيع عبد العاطي يقول ان كل المبادرات مقبولة من الحكومة، لانها لا يمكن ان ترفضها، غير ان الحكومة لا يمكن ان تعتمد لغة الوساطة والحوار في ظل سيادة لغة الاعتداء ولغة الحرب، مضيفا « الدبلوماسية غير مرفوضة لكن في وقتها واجوائها، ولحين ذلك فلكل حادث حديث». ويعود عميد كلية العلوم السياسية بجامعة الزعيم الازهري ليقول ان لا مناص للدولتين من ايقاف الحرب والعودة للتفاوض، ذلك رغم اقراره بان القيادات السياسية تقع تحت ضغط لا يمكنها من تقبل الامر، ويشير الدكتور ادم محمد أحمد الى ان الطرفين قبلا الجلوس للتفاوض من قبل ابان نزاعات كثيرة لم تضطرهما لايقاف الحوار، مشددا على ان من مصلحة الجميع تهدئة الاوضاع والعودة الى طاولة المفاوضات.