٭ عرفت الكلبة ««براقش»» في الادب العربي والحِكم والأمثال بأنها جنت على نفسها وعلى من هم وراءها، والقصة مشهورة. وذلك أنها وقد كان هناك من يترصد بها وبقومها خرجت الى العراء تنبح « وتهوهو» غير عابئة بأنها تقدم إليه هدية ثمينة إذ بدأ بها فقتلها وشق طريقه الى البقية. «براقش» لم تحسب حساب ما فعلت. ومثل ذلك كان احتلال الحركة الشعبية الأسبوع قبل الماضي لهجليج، حيث آبار النفط ومعالجاته وبداية خطوطه الناقلة وصولاً إلى ميناء بشائر على البحر الأحمر. ولذلك آثاره الاقتصادية السالبة على الطرفين، فضلاً عن آثار سياسية ودبلوماسية وأخرى على الحركة الشعبية أكثر من غيرها كما تقول الحقائق. وسياسياً وعلى الصعيد الداخلي أحرجت الحركة حلفاءها في جمهورية السودان، فاعلنوا وقوفهم الى جانب جيشهم وإدانتهم لما قامت به. وزادت على ذلك أن أعطت النظام الحاكم وهو من تتربص به الدوائر، دفعة سياسية وعسكرية ودبلوماسية لم يكن البعض يتوقعها، وهو الذي يتحدث عن ربيع عربي يغشى الخرطوم ويطيح النظام! ٭ ثم غير ذلك فتحت لمعارضيها في الجمهورية الوليدة أبواباً كثيرة للتحرك ضدها وبكل الوسائل المتاحة، بما في ذلك الدعم اللوجستي من جمهورية السودان. وهكذا أمر، فإن الحركة الشعبية أو ««براقش»» قد أحكمت على نفسها وحكمها الخناق.. بعدوانها على هجليج وتخريب منشآتها النفطية، والنفط كما هو معلوم يشكل 98% من موارد حكومة الجنوب الاقتصادية. فهى بذلك الإجراء غير المحسوب تكون كمن «خسر الدنيا والآخرة..!». فلقد لقي احتلالها لهجليج الإدانة والاستنكار عالمياً وإقليمياً، بما في ذلك أصدقاؤها في المجتمعين الإفريقي والعالمي. وتلك خسارة سياسية ودبلوماسية كبيرة كما قلنا، بل دعا ذلك بعض دول الجوار إلى إعادة النظر في حساباتها تجاه الدولة الجارة الوليدة. وإن دلَّ هذا كله على شيء فإنما يدل على أن الحركة الشعبية هى الكلبة ««براقش»» التي جنت على نفسها وعلى غيرها عندما خرجت إلى فلاة هجليج، وهى تعترف بأنها فعلت ذلك ولن تنسحب إلا بشروط، ولكنها كما حدث أخيراً خرجت منها مدحورة مكسورة، خاسرة وموعودة بالمزيد من الخسران السياسي والدبلوماسي والعسكري وغيره. لقد زاد النظام الحاكم في السودان قوة إلى قوته ومن حيث ما نظر المراقب والمحلل السياسي إلى ذلك. إذ هو الآن يبدو أكثر تعنتاً وخصومة للحركة التي لم تستفد من أخطائها في السابق، وقد كانت الشريك في اتفاق السلام الشامل ال C.P.A. ثم وهى الحاكم والمسيطر على السلطة في دولة الجنوب والقابض على مفاصلها، فالرئيس البشير وهو يخاطب بالأمس جماهيره الفرحة بالنصر أمام وزارة الدفاع وفي الساحة الخضراء، أكد بشكل قاطع على أمرين حاسمين ونهائيين تقريباً.. وهما: - أولاً: عدم السماح بمرور نفط الجنوب عبر خطوط العبور ومحطات ونقاط المعالجة الفنية في دولة السودان، بالغاً ما بلغت عائدات ذلك. - ثانياً: معاملة الحركة الشعبية بالمثل، أي بدعم ورعاية معارضيها أسوة بما تقوم به تجاه الحركات السودانية المتمردة في دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق. وكلا الأمرين مما يقطع الطريق على علاقات سوية ومقبولة بين دولتين جارتين بينهما الكثير المشترك، غير أن «الكلبة «براقش»» بسوء تدبيرها وتقديرها لأمنها الوطني ومصالحها وأهدافها، لم تترك مساحة لغير ذلك مما يراه البعض «غضبة سياسية» ليس متاحاً سواها في مثل هذه الأحوال والظروف.. وهي ظروف وأحوال نصرة وفرحة وغضب جماهيري لا يمكن استقبالها بأقل من ذلك. إن «الكلبة «براقش»» أو الحركة الشعبية بقيادة السيد سلفا كير وأبناء قرنق بالتبني السياسي، جنت على نفسها وعلى مواطنيها وشعبها، ومن ثم فتحت على نفسها «أبواب جهنم» كما يقولون.. وأهدرت من الموارد والمكاسب السياسية الكثير، فأين بعد الآن ما كان يعرف بتجمع أحزاب جوبا أو قوى الإجماع الوطني في الشمال وتحالف كاودا والقوى الثورية؟ لقد بددت ذلك كله الهجمة على هجليج واحتلالها. فقد جنت على نفسها «براقش» وما تخفيه الأيام أكثر.. ومن ذلك ملعب «المفاوضات» التي لم تسفر عن شيء طوال الشهور الماضية، بل أظهرت أن ما «في القلب في القلب» كما يقولون..! والعودة الى «ملعب المفاوضات» في أديس أبابا أو غيرها تبدو صعبة في ضوء ما سلف.. وإن كان ذلك ليس بعيداً عما جرى في توريت والمفاوضات في منتجع نيفاشا تقارب نهايتها في ذلك الوقت. الحركة وإن استقلت بدولتها لها برنامج مفتوح وطموحات لا تحدها حدود، ف «السودان الجديد العلماني الموحد» مازال في خاطرها وهي التي لم تخرج من الغابة بعد لتدير علاقات جوار وإقليمية دولية، فضلاً عن إدارة دولة وشعب لهما حقوقهما ومطلوباتهما، فدولة جنوب السودان وقد استقلت لا تعرف شيئاً من غير ذلك، غير أنها تعرف بيع الحقوق الدستورية والوطنية ورهنها للآخر والعمل بما يرى ويوجِّه، والحال لا يحتاج إلى مزيد من الشرح والإضافة، وهو يحتاج إلى بحث وفحص من المواطن في دولة الجنوب.