يصيح جمال حسن سعيد الممثل القدير ومعه عضوان من فرقته هذه الصيحة الفكهة القوية في نهاية كل اسكتش دعائي للانتخابات. والدعاية أو الإعلان هو فن نشأ أصلاً في أحضان التجارة والقصد منه الترويج... إذ يقول قاموس أكسفورد إن «الإعلان مقصود منه لفت الانتباه إلى منتج أو خدمة أو حدث في وسيط عام لترويج المبيعات وشد أنظار الزبائن.» وأن كلمة (advertise) هي كلمة من اللغة الإنجليزية الوسيطة المتأخرة وهي مأخوذة من اللغة الفرنسية القديمة، وأورد القاموس مثلاً لاستعمال الكلمة فقال: «Merry coughed briefly to advertise her presence?. يعني: «تنحنحت ميري نحنحة قصيرة لتعلن بها عن وجودها (في المكان)» ...والسودانيون غالباً ما يتنحنحون مثل نحنحة ميري هذه في مكان معلوم لم يكن به في الغالب باب.. هذا طبعاً قبل هذا التمدن الشديد الذي طرأ على الناس الآن. اتجه جمال حسن سعيد وزملاؤه إلى الإعلان من داخل موقف إنساني لا يخلو من الحيوية والطرافة.. كل ذلك هروباً من الإعلان الإرشادي البارد الممل خاصة في موضوع جاد كموضوع الانتخابات. فهم مرة يعلنون وهم يغسلون عربة أو يتناقشون في جلسة مع ست الشاي. واختيارهم لاسم (خلف الله) كان موفقاً جداً إذ اللفظ يحتوي على معنى المخالفة وأهل الدراما منذ القدم مولعون باختيار الألفاظ ذات الظلال والدلالة ففي مسرحية School for scandal (مدرسة الفضيحة) يسمى من يتولى كبر الفضائح باسم (بنيامين باك بايت) يعني (بنيامين الذي يعض من الخلف أو العقّار أو القطّاع)... هل خلف الله هو السياسي المخالف المراوغ الذي يعرف كل شئ ويتعمد أن يتجاهل؟ أم هو السياسي الذي لا يأنف أن يأكل أموال الضعفاء وعامة الناس حينما يصور خلف الله وقد شرب مائة وستة أكواب من الشاي من ست الشاي المسكينة دون أن يدفع لها شيئاً... ومع ذلك فهو لا يشبع إذ أنه لما بصّروه بكيفية الانتخابات مدّ يده دون أي حياء لست الشاي التي (أكل مالها) ليقول لها في (قوة عين) أن تسلفه عشرة جنيهات أخرى... هل ست الشاي هي الشعب وخلف الله هو السياسي المتنفذ؟ أم أن خلف الله قد اتخذ (درقة واقية) دون المخاطبة المباشرة للمستمعين خوفاً من الاستهجان والاستياء.. فكأن مرسل الرسالة وهو الدراماتيست جمال حسن سعيد يريد أن يقول لنا إنه لا يخاطبنا فنحن عارفون ولا نحتاج لمزيد معرفة ولكنه يخاطب هذا الرجل غير المكترث والمعابث والغافل أو المتغافل لأنه يسأل أسئلة تدل على أنه ربما يعرف ولكنه يعاند فحين يقال له إملأ الدائرة يقول وماذا لو ملأت كل الدوائر؟.. وحينما يقال له ضع الورقة في الصندوق يقول وكيف لو وضعتها فوقه؟ ثم يسأل سؤالاً مأسوياً: ماذا لو دخلت ولم أجد أية ورقة... ماذا أفعل؟ من بعد صلاة الجمعة الماضية في الحي الذي اسكنه أعلن أحد الشبان وهو مندوب من المفوضية العليا للانتخابات للمصلين في المسجد بعض الإرشادات عن طريقة التعامل مع البطاقة الانتخابية... فلما خرج أحاط به زملاؤه من شباب الحي العابثين وصاحوا فيه بصوت واحد قوي: «يا خلف الله عذبّتنا»!! وأتوقع أن تجري هذه اللفظة الطريفة الحلوة على ألسنة الناس لمدة طويلة بعد الانتخابات لتثبت ذكاء ومقدرة ومهنية جمال حسن سعيد وفرقته.