تلوح فى الأفق أجواء أكثر مرونة فى سماء دولتي السودان، بعد احتقانات الأسابيع الماضية، وان بدا ظاهرياً انه أكثر تشدداً ويتجه الى التصعيد والتصعيد المضاد، بإستمرار المناوشات والحرب الإعلامية والتي تمضى جنباً الى جنب مع الحلول العسكرية التى إرتضاها الطرفان لحل خلافاتهما الشائكة وتعليق مفاوضات اديس ابابا. الا ان التحركات الإقليمية والضغوط الدولية على السودان ودولة جنوب السودان بدأت تأخذ ابعاداً اكثر جدية بعد ان ايقن المجتمع الدولى والإقليمى ان الشمال والجنوب حادا عن خط العقلانية باحتمال استمرار المواجهات والدخول فى حرب شاملة تهدد الأمن والسلم العالمى، حيث امهل مجلس الأمن والسلم الأفريقى دولتي السودان ثلاثة أشهر فقط لطى خلافاتهما وفق خارطة طريق لتجاوز محطات الخلاف، هذا والا ان ابواب الضغوطات ستنفتح على مصراعيها . وهو ما اكده السفير البريطاني فى مجلس الأمن الدولى مارك ليال جرانت فى حديثه للصحفيين أن مجلس السلم والامن التابع للاتحاد الافريقي حدد خارطة طريق مفصلة وواضحة جدا وطلب من مجلس الامن دعمها بقرار يستند الى الفصل السابع، وهو ما يفتح باب التدخل المباشر استنادا الى الفصل السابع من ميثاق الاممالمتحدة والذى بدوره يصبح ملزماً قانونا لكل من السودان وجنوب السودان. ويتوقع عدد من المراقبين ان تثمر هذه الضغوطات الدولية والإقليمية على وضع حد للمواجهات المستمره وإعادة السودان ودولة جنوب السودان الى طاولة المفاوضات من جديد فى فترة الثلاثة أشهر التى حددها الإتحاد الأفريقى لحسم الخلافات عن طريق الحوار السياسى بدلاً من فوهات البنادق. واوضح الخبير الدبلوماسى السفير د0 عبدالغفار محمد أحمد ان مجلس السلم والأمن الأفريقى لديه خارطة طريق جاهزه ومفصلة تسعى لإخراج دولتي السودان من نفق الحرب، حددت سقفاً زمنياً مشروطاً لحسم الخلافات عن طريق التفاوض وبغير ذلك سيتم بعد ثلاثة أشهر تحويل الملف الى مجلس الأمن بصلاحيات الفصل السابع من الميثاق الدولى، وقال عبدالغفار ل «الصحافة» ان مجلس السلم والأمن الأفريقى يتحرك حالياً فى المحيط الإقليمى وفق صلاحيات البند السادس بتفويض من مجلس الأمن تمثل وسائل دبلوماسية لحل النزاعات فى القارة عن طريق الوساطة وطرح الحلول وحض الأطراف المتنازعة الى طاولة المفاوضات، واضاف ان المجلس الأفريقى حال فشله فى فترة الثلاثة أشهر التى حددها للطرفين بحل خلافاتهما، ستتجه الضغوطات الى منحى أكثر تشدداً من بينها التدخل الدولى عبر البند السابع بحجة حفظ السلام والأمن العالمى، واشار عبدالغفار الى ان مجلس الأمن الدولى يتابع عن كثب الأحداث التى تدور رحاها بين السودان ودولة جنوب السودان بدليل الضغوط التى يمارسها على دولتي السودان وتشديده على وقف القتال وإدانته لإحتلال جنوب السودان لمنطقة هجليج ومطالبته للسودان بضبط النفس ووقف طلعاته الجوية، واوضح عبدالغفار ان تجدد القتال للأسف يفتح الباب لإجراءات إضافية للتدخل الدولى وتوقع اذا استمرت الأوضاع على ماهى عليه ان يقدم مجلس الأمن الدولى على تفويض الإتحاد الأفريقى بالتدخل المباشر ونشر قوات دولية افريقية لحفظ السلام ويصبح عناصرها افريقية بتمويل وتفويض دولى، واضح ان هذا يمثل جزء من خارطة الطريق حال لم يتم التوصل الى إتفاق خلال الثلاثة أشهر التى حددت لحسم الخلافات بين دولتي السودان، وقال عبدالغفار ان السودان ليس لديه مانع اطلاقاً فى حل المشاكل عن طريق التفاوض والحوار مع دولة جنوب السودان فى إطار حفاظه على حدود 1956 كحدود فاصلة بين البلدين. ومن جانبها رحبت وزارة الخارجية السودانية بقرارات مجلس السلم والأمن الأفريقي والتي امهلت السودان وجنوب السودان ثلاثة اشهر للتوصل الى اتفاق وتجاوز القضايا الخلافية ، الا انها رهنت انفاذ خارطة الطريق في الفترة الزمنية المحددة، باستجابة حكومة الجنوب، واعلنت فى ذات الوقت رفضها القاطع لنشر اية قوات دولية على الشريط الحدودي مع جنوب السودان عدا قوات اليونسفا الاثيوبية التي تتواجد في ابيي، واكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، العبيد احمد مروح، فى حديثه ل «الصحافة» ان السودان لن يقبل بنشر اى قوات دولية على الشريط الحدودي بينه ودولة الجنوب تحت الفصل السابع، وجدد موقف الحكومة الرافض لنشر قوات دولية عدا قوات اليونسفا التي تتواجد في منطقة ابيي وقال «من جانبنا نرحب بقرار الإتحاد الافريقى بتحديد فترة زمنية لانهاء التفاوض والوصول الى حلول شاملة لكل القضايا العالقة، الا اننا لن نقبل نشر قوات دولية تحت البند السابع على الشريط الحدودى عدا تلك الموجودة فى أبيى»، وكشف ان الخرطوم تدرس حالياً عرض الإتحاد الافريقى وسترد على مجلس السلم والامن الأفريقى بشروط اهمها ابعاد الحركات المسلحة من المناطق الحدودية بجانب الضغط على جوبا لتنفيذ اتفاق أبيى، ومن ثم الوصول الى مخرج للقضايا الأمنية قبيل التفاوض فى بقية القضايا العالقة، إلا أن الناطق الرسمى باسم الخارجية رهن نجاح خارطة الطريق بإستجابة دولة جنوب السودان للقرارات بنفاذ القضايا الأمنية فى المقام الأول، واشار الى ان قضية النفط لاتعنى الإتحاد الأفريقى لانه غير معنى بالعلاقات التجارية بين البلدين. ومن جهته اشترط وزير الخارجية علي كرتي في تصريحات صحفية حل المسائل الامنية بين البلدين قبل التفاوض على اية موضوعات معلقة مع دولة الجنوب، واكد ان السودان سيحتفظ بحقه في الرد وسيدافع عنه كيفما شاء طالما استمرت جوبا في دعم وايواء التمرد، وقال لن نتحدث في اقتصاد ولا تجارة ولا حدود ولا في اي شيء بشأن المصالح الاقتصادية ، لاننا تأذينا مما قامت به حكومة الجنوب بإغلاق آبار البترول والهجوم على هجليج وايقاف ضخ النفط وحرق المنشآت المهمة والحساسة الا بعد معالجة القضايا الأمنية، واضاف اذا استمرت الملفات الامنية دون حلول لن يكون هناك تفاوض و على الاتحاد الافريقي ان يجبر حكومة الجنوب ويمارس عليها اقصى درجات الضغوط للجلوس لحل المشاكل الامنية العالقة، وأوضح كرتي ان السودان حالياً مهتم بقضية التعويضات بعد تحرير منطقة هجليج لانه فقد معدات وآليات داخل حدوده بجانب الاعتداءات المتكررة من قبل دولة الجنوب على المناطق الحدودية . وفى حديثه ل «الصحافة» يقول الخبير الدبلوماسي الدكتور عبدالرحمن ابو خريس ان احدى وسائل الإتحاد الأفريقى لحلحلة القضايا الأفريقية حال عجزه، هو لجوئه الى مجلس الأمن الدولى ، وأشار الى ان القرار الحالى بإحالة ملف دولتي السودان الى مجلس الأمن بعد فشلهما فى التوصل الى اتفاق خلال فترة الثلاثة اشهر يخدم دولة الجنوب أكثر من السودان، وقال ان الإتحاد الأفريقى خطا خطوة غير موفقة بحسابات ان (90) يوماً غير كافية وفق الظروف الراهنة. وفى حديثه ل «الصحافة» يقول المحلل السياسى الحاج حمد محمد خير ان الإتحاد الأفريقى ومجلس السلم والأمن الأفريقى محبطين من الحال التى وصلت إليها دولتا السودان وضياع مجهوداته وكل تحركاته التى قام بها فى الفترة السابقة، وإستهجن موقف الإتحاد الأفريقى الذى ركز على إدانة دولة جنوب السودان وإحتلالها لمنطقة هجليج وفى ذات الوقت إدانته للخرطوم بطلعاتها الجوية، وقال ان الجهود الدبلوماسية السودانية يجب ان تنصب فى المطالبة بالتعويضات بسبب الخسائر الكبيرة التى تسببت فيها دولة الجنوب بإعتدائها على المنشآت النفطية، وإنتزاع إدانة صريحة لعدوان الدولة الوليدة تضمن حق الرد، ووصف الحاج حمد موقف الإتحاد الأفريقى ب «الجودية « وقال « قرار الاتحاد الأفريقى هو موقف اجاويد يستند الى عقلية عفا الله عما سلف» واضاف يجب ان يرتقى التعامل الى معاملة البلدين كدولتين مستقلتين وأشار الى ان ألمانيا قدمت تعويضات كبيرة للدول المتضرره وهو مبدأ يجب التمسك به وعدم التنازل عنه، واوضح ان فترة الثلاثة أشهر غير كافية للطرفين لحسم خلافاتهما الا انه توقع ان تثمر الضغوطات الإقليمية والدولية بارجاع دولتي السودان الى طاولة المفاوضات حتى وان لم يتوصلا الى نتائج ملموسة الا انها على الأقل بحسب رأيه تقلل من التصعيد العسكرى، ونوه الحاج حمد الى ان فترة الثلاثة أشهر اذا لم تفلح فى طى الخلافات فإن الوضع سيتجه الى تصعيد لا يحمد عقباه بتدخل قوات حفظ السلام الدولية تحت البند السابع وتعقيد الملفات أكثر مما هى عليه بين السودان ودولة جنوب السودان.