إن احتلال هجليج بواسطة قوات حكومة جنوب السودان هو المرحلة الثانية لاسقاط السودان وليس كما تدعي الحكومة ان الغرض هو اسقاطها فالمرحلة الاولى من تقطيع السودان لاسقاطه قد انتهت بانفصال الجنوب الى دولة مستقلة. وتدعي انها ذات سيادة، فذهب ثلث مساحة ارض السودان، وربع سكان السودان، وموارد الجنوب كلها في ظاهر الارض وباطنها، والمرحلة الثانية بالجنوب الجديد للسودان المشتمل على جنوب النيل الازرق، وجنوب كردفان، وجنوب دارفور، وربما دارفور كلها، ثم شرق البلاد التي تدار في حركة تنصير واسعة لخلق الفتنة في القريب العاجل بين الاسلام والمسيحية كما كانت في جنوب السودان والغفلة ذاتها متواصلة، وذلك راجع الى قدرات السودان وثرواته، وتمزيقه واجب لترتاح اسرائيل ولعلكم تتذكرون ان الراحل محمد أحمد المحجوب رئيس الوزراء في يونيو 7691م اعلن ومن داخل البرلمان والذي كان مقره مقر مجلس تشريعي ولاية الخرطوم الحالي ان السودان في حالة حرب مع اسرائيل ولم ترفع الى حكومة تعاقبت على حكم البلاد هذه الحالة الى يومنا هذا، وبه تنفرد عن اي دولة عربية اخرى، ورغم كل المستجدات في الساحة العربية حول القضية الفلسطينية، والعلاقات مع اسرائيل، ظل موقف السودان ثابتاً. وتجيء الحرب الاقتصادية على السودان في رقعة من أرضه غنية بالنفط - هجليج - وبالزراعة وبالثروة الحيوانية فلا حصاد لمحاصيل زراعية هذا العام ولا زراعة متوقعة في خريف هذا العام في النيل الازرق وجنوب كردفان وجنوب دارفور وربما دارفور كلها مما قد يجبر البلاد على استيراد مواد بترولية لسد النقص ومواد غذائية أيضاً وفي هذه العملية استنزاف لموارد البلاد المالية الاجنبية على شحها، ولكن وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم «لا يجوع بيت فيه الأسودان - البلح والماء» وهما متوفران في السودان، واراضي الجزيرة الواسعة، وارض القضارف الخصبة، وارض الشمالية المنتجة للقمح، ومن هنا فلا مقايضة على الاطلاق بهجليج بأبيي. إن وبال وقف ضخ البترول سيقع على دولة جنوب السودان لعدم وجود اي مصادر لها لاستجلاب النقد الاجنبي، ولن تكون بالقادرة على استيراد مشتقات البترول لعدم النقد الاجنبي وفوق هذا فهي ايضا دولة مغلقة لا منفذ لها على البحر وبالتالي ستعاني من استيراد ملح الطعام من كينيا مثلها مثل يوغندا وكل من كينيا ويوغندا كانتا تنظران الى دولة جنوب السودان بأفضلية امتلاك مورد بترولي للتصدير والاستهلاك المحلي ومدهما به وبعدم مشتقات البترول فدولة الجنوب عالة على كينيا، ويوغندا والتفكير في تغيير جهة تصدير النفط ليس من تفكير قادة جنوب السودان فمن الافضل تصديره عبر انابيب الشمال وليس بانشاء انابيب جديدة الى ميناء لامو على المحيط الهندي في كينيا وقد يستغرق الانشاء ما لا يقل عن خمس سنوات ومبلغ خمسة عشر مليار دولار وعند الانتهاء في الانشاء ويبدأ الضخ لتسديد التكاليف فقد لا تجد دولة الجنوب بترولاً بعد ان تأخذ الدول والشركات التي قامت بانشاء الانبوب مبلغ الخمسة عشر مليار دولار، ومن جهة أخرى فالانبوب يمر عبر يوغندا وكينيا، ولكل منهما نصيب في رسوم العبور، وربما لا يكون الانبوب آمناً في كل طوله الذي سيبلغ الفي كيلومتر والغرض من هذه الخطة هو محاربة شمال السودان اقتصادياً، وكذلك صراع اميركي لاخراج جمهورية الصين الشعبية من لعبة البترول في قلب القارة الافريقية ولكن لحساب مصالح دولة جنوب السودان ومواطنيه، ولهذا كانت خطة الهجوم والاستيلاء على هجليج لوقف استفادة السودان من بتروله. قادة الحركة الشعبية انكروا جميل هذه الحكومة التي اعطتهم حكم الجنوب بالكامل والمشاركة في حكم الشمال، وتقاسمت لها الثروة والسلطة ومنحتها حق الاستفتاء لتقرير المصير بينما قال الزعيم الازهري له الرحمة والمغفرة «لا يستفتى شعب مرتين» وهذا هو العرف الدولي المعمو ل به، وقد تم استفتاء شعب جنوب السودان في اغسطس 7491م والاستعمار البريطاني وقتذاك يحكم السودان، وبعد اعلان انفصال الجنوب رسمياً في 11/7/0002م كانت هذه الحكومة اول من تعترف بالدولة الجديدة قبل سائر الدول، ولكن الجزاء من الدولة الوليدة جاء في شكل ثلاث حروب، وفي فترات متقاربة فبعد الانتخابات العامة التي تم اجراؤها في العاشر من ابريل 0102م قاد عبد العزيز الحلو حرباً في جنوب كردفان بدعم من حكومة الحركة الشعبية في جوبا، وفي الاول من سبتمبر 1102م قاد مالك عقار والي ولاية النيل الازرق حرباً في ولايته ضد الحكومة المركزية، وبعد ستة أشهر فقط قامت الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا بارسال قواتها لتحتل هجليج في عمق الاراضي السودانية، وبعد هذا كله نجد ان حكومة الخرطوم لم تتعامل مع امر انفصال الجنوب وظهور دولة مستقلة بالجدية اللازمة فعقارات قادة الحركة الشعبية في العاصمة المثلثة وفي المدن المختلفة في ارجاء البلاد لم توضع تحت سيطرة الاجهزة الامنية، فكانت النتيجة ما تم العثور عليه من اسلحة وذخائر ومستندات في دار نائب رئيس حكومة الجنوب رياك مشار، وترى الحكومة تمدداً في فترات المشورة الشعبية التي ذهب اهلها وحاربوا الدولة، والحرب تجب ما قبلها، ولا ندري من الذي يقدم مثل هذا النصح للسيد رئيس الجمهورية ليصدر قرارات التمديد، وهذا نصح يقال له في اللغة الانجليزية «النصيحة المريضة» والسؤال هو من يشاور من؟! والامر الآخر الذي يدعو الى الحيرة كيف بقى دارسون من ابناء الجنوب في الدراسة في كلية الشرطة حتى سنحت لهم الفرصة للاحتفال علناً باحتلال قوات الحركة الشعبية لمنطقة هجليج فهل هنالك من عاقل يدرب عدوه على فنون القتال؟! اترك الاجابة على هذا السؤال للأخ الكريم عثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة «التيار» الغراء، الذي ناشد السيد رئيس الجمهورية ان يلغي قرار وزارة الداخلية الذي قضى بفصل اولئك الطلاب من كلية الشرطة، بل كنا نقدر لو ناشد الاخ عثمان ميرغني السيد رئيس الجمهورية ان يحاسب وزارة الداخلية ومدير عام قوات الشرطة لماذا سمحوا لاولئك الطلاب بالاستمرار في الدراسة؟ وأظن الأخ الكريم الهندي عز الدين قد غير اليوم رأيه الذي جاء فيه «لا لتجويع الجنوب» في عموده «شهادتي لله» في صحيفة «الأهرام اليوم» وقبل ان يغادرها، فهل من عاقل يزود عدوه بالطعام؟ ونشهد للسيد رئيس المجلس الوطني حماسة شديدة بعد احتلال قوات الحركة الشعبية.