صنف تقرير دولي البلاد من بين «5» دول في العالم تمارس رقابة صارمة على الصحف. ويضم تقرير اصدرته لجنة حماية الصحفيين الدولية ترتيبا تركمانستان، الصين، اثيوبيا، فيتنام، السودان، أذربيجان، وتقول اللجنة انها وضعت السودان في هذه القائمة بسبب مصادرة الصحف في الكثير من الأحيان، لان الصحف من وسائل الاعلام واسعة الانتشار. واشارت اللجنة في العام الحالي، بجانب الضغوط علي الصحف والصحفيين. الا ان لصحفيي السودان هموما اخرى تتصل بكيفية التعامل مع القوانين المنظمة لعملية النشر في البلاد، فلا يخفى ان هناك خلافا محتدما بين الصحفيين وممثليهم من جهة، والآليات الحكومية المشرفة على اداء الصحافة حول قانون الصحافة والمطبوعات للعام « 2009»، وانتهز اتحاد الصحفيين مناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة لمناقشة واقع الحريات الصحفية في القوانين المنظمة للمهنة في البلاد منذ « 1930» وحتى القانون الساري. وقدم الخبير القانونى معاوية ابو قرون ورقة بعنوان «الجزاءات والعقوبات على الصحافة والصحفيين» بدار اتحاد الصحفيين امس، واوضح ابو قرون ان العقوبات والجزاءات المنصوص عليها فى قوانين الصحافة والمطبوعات المتعاقبة فى السودان منذ العام 1930 حتى قانون الصحافة والمطبوعات 2009 تمضى فى ذات الاتجاه الرامى لحماية المجتمعات لأن الحرية الصحفية ليست وقفاً على فئة من الناس تستخدمها لخدمة تجاوزاتها للحصول على أكثر من حقها، فالديموقراطية ليست سلوكا كهنوتياً يقتصر على مجموعة بعينها اختصت نفسها باصدار حق ممارستها، فهناك مبادئ وحدود وضوابط أخلاقية فى التعامل مع حرية الصحيفة والديموقراطية يتعين الالتزام بها، لأن عدم التقيد بها يترتب عليه اهدار حقوق الغير ومن ثم يترتب عليه عقوبات وجزاءات توقع على الصحفى او الصحيفة او الاثنين معاً. مستعرضا التعديلات التى تمت خلال الفترة المشار اليها، وقال انها بشكل عام فرقت بين الجزاءات والعقوبات وقابلت الجزاءات المخالفات الخاصة بالنشر الصحفى، بينما قابلت العقوبات الجرائم الخاصة بالنشر، واشار الى ان المادة «33» الجزاءات من قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية للعام 2009 نصت على انه يجوز للمجلس ان يوقع على الأشخاص الاعتبارية او الطبيعية المرخص لها وفق احكام هذا القانون فى حالة مخالفتها لأى من هذه الأحكام اولها الزام الصحيفة بالاعتذار او نشر قرار المجلس بشأن المخالفة، ومن ثم الانذار والتأنيب المنشور، هذا الى جانب تعليق صدور الصحيفة لمدة لا تتجاوز الثلاثة أيام، ونوه ابوقرون ان سلطات المجلس القومى للصحافة والمطبوعات الخاصة بتوقيع الجزاءات فى قانون 2009 قد تم تصنيفها وقصرها على اربعة جزاءات، بينما كان الوضع فى القوانين السابقة ومنها قانون 2004 ستة جزاءات والملاحظ انه تم استبعاد اثنين من القانون الحالى وهما التأنيب والحرمان من الامتيازات التى يخصصها المجلس، وايضا الجزاء الخاص بايقاف الصحيفة فى قانون 2004 وماقبله لمدة لا تتجاوز سبعة ايام الا بقرار قضائى قد تم الاستعاضة بنص بديل استخدمت فيه كلمة «التعليق» بدلا عن الايقاف وقصر على فترة لا تتجاوز ثلاثة ايام. وقال انه برغم أن النصوص قصد منها اعطاء المحكمة حق تقدير العقوبة تخفيفاً وتشديداً حسب وقائع جريمة النشر الصحفي الا أنها ربما تثير اشكاليات عملية تطبيقية لاسيما وان قضايا النشر الصحفي في بعض الأحيان تتأثر بالراهن السياسي وان الصحف في السودان برغم توصيف معظمها بالاستقلالية الا أنها في بعض الأحيان تقع في شراك الانحياز لجهات سياسية موالاة أو معارضة. وطرح ابو قرون تساؤلا مهما ظل محل تردد مستمر في الأوساط الصحفية الاعلامية والقانونية والسياسية وهو هل توقع الجزاءات على الصحافة والصحفيين بواسطة المجلس المهني المختص «المجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحفية» أم توقع العقوبات على الصحافة والصحفيين بواسطة المحكمة المختصة؟ ولماذا توقع على الصحافة والصحفيين الجزاءات والعقوبات في آن واحد ألا يتعارض ذلك مع المبدأ القانوني الخاص بعدم توقيع أكثر من عقوبة على جرم واحد؟ ولماذا توقع المحكمة العقوبات المنصوص عليها في قانون الصحافة والمطبوعات مع العقوبات المنصوص عليها في القانون الجنائي أو قوانين أخرى؟ وللاجابة على التساؤل يقول مقدم الورقة انه لابد من التفرقة ابتداءً بين المخالفات الخاصة بالنشر الصحفي والتي ربما في معظم الأحيان لا ترقي لمستوى التجريم انما هي في واقع الحال تجاوزات تقلل من جودة المهنة الصحفية أو قواعد السلوك المهني الذي ينبغي أن يلتزم بها الصحفي والمتمثلة في المصداقية والنزاهة والحرفية وهذه بالطبع لا يمكن معاقبتها بعقوبات أكثر شدة وغلظة لاسيما ان لم تتكرر أو تمت بحسن نية، لذا كان من الضروري افراد جزاءات لها تتناسب مع حجم المخالفة أو التجاوز. أما العقوبات التي توقعها المحكمة بموجب قانون الصحافة فهي ضرورية لتتلاءم مع حجم جريمة النشر الصحفي والتي غالباً ما يكون الضرر فيها موجهاً نحو شخص أو أشخاص أو جهة أو جهات اعتبارية لذا تأتي العقوبات لحماية حقوقها وفي ذات الوقت ردع للمتهم الصحفي الذي تجاوز الحدود والمحددات المقررة له. وعن لماذا توقع على الصحافة والصحفيين الجزاءات والعقوبات في آن واحد وألا يتعارض ذلك مع المبدأ القانوني الخاص بعدم توقيع أكثر من عقوبة على جرم واحد؟ فهنا لابد من الاشارة الى ان وزارة العدل كانت قد اصدرت فتوى في العام 2007م قضت في معناها بجواز التوقيع على الصحفي أو الصحيفة الجزاء المقرر للمخالفة الصحفية بواسطة المجلس القومي للصحافة وجوزت للمتضرر في ذات الوقت اللجوء للمحكمة لايقاع العقاب اللازم لجريمة النشر الصحفي. والمبرر لذلك ان الصحفي أو الصحيفة ارتكب مخالفة نشر وترافقت معها جريمة نشر مما يعني ان تتم المحاسبة على المخالفة بواسطة المجلس والعقوبة على جريمة النشر بواسطة المحكمة. ولخص ابو قرون مضمون ورقته فى مجموعة من النقاط اهمها ضرورة التفرقة بين مخالفات النشر الصحفي والتي تقابلها جزاءات تتخذ شكلاً مخففاً وبسيطاً وبين جرائم النشر الصحفي والتي تقابلها عقوبات تتخذ شكلاً مغلظاً، وضرورة الأخذ بمبدأ الايقاع بالجزاءات والعقوبات معاً، باعتبار ان المقصد من الجزاءات هو تحقيق المعافاة المهنية وتصحيح مسارها وان المقصد من العقوبات هو ردع مرتكب جريمة النشر الصحفي ورد الحقوق للمجني عليه طالما توافرت للجريمة اركانها وثبت للمحكمة اقتراف الجاني لها ضرورة تفعيل قواعد السلوك المهني في ميثاق الشرف الصحفي وتوقيع التأديب المهني في حالة عدم الالتزام بها. يشار الى ان لجنة حماية الصحفيين الدولية من نيويورك في تقريرها السنوي عن واقع الحريات الصحفية في العالم، وحدد التقرير اكثر من « 10» دول تعد الاسوأ في فرض الرقابة على وسائل الاعلام. وقالت ان البلدان العشرة الأكثر تقييدا تستخدم طائفةً واسعة من أساليب الرقابة، واتبعت لجنة حماية الصحفيين 15 معيارا للحكم من أجل تصنيف البلدان. والمعايير هي: حجب المواقع الالكترونية، والقيود على التسجيلات الالكترونية ونشرها، وغياب وسائل الاعلام الخاصة أو المستقلة، القيود على حركة الصحفيين، ومتطلبات الترخيص اللازمة لمزاولة الصحافة، ومراقبة الأجهزة الأمنية للصحفيين، والتشويش على البث الأجنبي، ومنع المراسلين الأجانب. وقد استوفت البلدان العشرة المذكورة في القائمة 10 معايير على الأقل.