هي مسرح للتأمل والتفكير في عظمة خلق الله، إذ خصها خالقها بصفات متفردة، فالإبل لها فوائد كثيرة منها حليبها، كما يستفاد منها في الركوب والمنافسات في سباق الهجن، اضافة الى مهرجانات اختيار ملكة جمال النوق، ولعل اختلاف النسل والسلالات هو الذي يميز كل نوع ويضعه في مجال استخدامه، وفي السودان نجد ان الابل تصنف الى نوعين، إبل الحمل وابل الركوب، وتمثل إبل الحمل 90% من التعداد الكلي للإبل بحسب ما اوردت وزارة الثروة الحيوانية في موقعها الالكتروني، وتنتشر الابل في السودان في ولاية البحر الاحمر في المنطقة الممتدة من طوكر الى كسلا وحتى مرتفعات كرن، وفي مناطق شرق النيل في سهول البطانة، وفي أقصى الغرب في دارفور حتى الحدود مع دولة ليبيا، ومن اهم القبائل التي تربي الابل قبائل الرشايدة والبجا والبشاريون والهدندوة والأمرأر في شرق السودان، وقبائل الشكرية والكبابيش والبطاحين والحلاوين والهواوير والشنابلة والميدوب وجهينة وكنانة. ولكل منطقة نوع من الإبل يتفرد بخصائص محددة، منها قوة الاحتمال في حمل الاثقال والسرعة، ونجد ان ابل السودان تصنف ضمن اجود انواع الابل التي تستخدم للركوب في افريقيا على الاطلاق، ويستخدم بعضها في السباق، ومع كل هذا التفرد والتميز للإبل في السودان نجد أن هناك صعوبات أصبحت تواجه تربية الإبل عموما في البلاد، منها مشكلة المراعي مما صاعد الخلافات حولها. ولكن منذ عام 2008م برزت إلى السطح قضية تصدير إناث الابل مما أتاح جدلاً طويلاً حول القضية، حيث كان الترويج في تلك الفترة لثقافة يتم من خلالها التخلص من إناث الإبل، بدعوى أن نسبة الإناث قد زادت في القطيع السوداني، وأنها اصبحت تؤثر على المراعي، او كما قال رئيس غرفة مصدري الإبل باتحاد الغرف التجارية بولاية الخرطوم الدكتور سيد بشير أبو جيب في حديثه ل «الصحافة»: «إن الفهم العام ان الاناث لا تصدر على الاطلاق، وإن كانت قضية التصدير هذه مرتبطة بمسائل فنيه تابعة للجهات ذات الاختصاصات المعنية بالامر بطريقة مباشرة، عبر تصاديق سياسية تمنح لتصدير الإناث»، واضاف: «أعتقد أن تصديرها اذا ما تم تحت الاشراف الفني فلا ضير في ذلك، خاصة أن هنالك ضوابط موضوعة لذلك، لأن سياسة تصدير الإناث خصت التصدير للاناث غير المنتجة التي كانت تصدر الى جمهورية مصر العربية وبنسبة 15%، وحتى الاناث المنتجة لها ضوابط في عملية التصدير، فإما إنها كانت تستغل في انتاج الالبان أو الهجين»، ويذهب ابو جيب في حديثه قائلاً: «في قضية تصديرها باعتبارها نوعاً لا ارى غضاضة في ذلك، وأكبر مثال لذلك ابقار الفريزين الهولندية حيث تم السماح بتصديرها واستخدامها في زيادة انتاج اللالبان، وبالنسبة لاناث الابل حتى قبل السماح بالتصدير للخارج كان من الممكن أن تتم معالجة المشكلة في زيادة اعداد الاناث عن طريق الذبح، فاذا ما تم ذبح الإناث غير المنتجة للاستهلاك المحلي اليومي فإن ذلك سيسهم بالتأكيد في خفض اسعار اللحوم وتغذية السوق الداخلي» واستدرك حينها بالقول: «وإن كان ذوق المستهلك خاصة في المدن لا يقبل لحوم الإبل، لكن في شرق وغرب البلاد في الأرياف تجد حظها من الإقبال، خاصة اذا ما كانت اسعارها اقل . وعلى ذات الصعيد يضيف ابو جيب: «إن نسبة اعداد الإناث بالبلاد عالية جداً، ولكن لا أعتقد أن هذا هو السبب وراء فكرة تصديرها، وانما زيادة نسبتها هو جزء من حفظ النوع، لأن المعادلة الطبيعية ان يزيد عدد الاناث عن الذكور، ولدينا مشكلة بيئية متعلقة بالمراعي، ومشكلة أخرى متعلقة بارتفاع نسب الوفيات في المواليد، وحتى نعوض هذا الفقد يجب ألا نتخلص منها بالتصدير، طالما من الممكن ان نغطي بها العجز المحلي، وقانونياً نجد أنه حتى الآن تمنع القوانين تصدير الإناث، فالمنتج دائما لا يباع الا إذا كان به خلل سواء كان كان واضحاً او غير واضح، ولكن بالتأكيد يكون البائع مدركاً للخلل الذي يعيب هذا المنتج، وغالبا تكون هذه الإناث معرضة الى النفوق او تكون من النوع الذي يقتل مولودها، وهذه ممكن أن نحل بها الاشكالات المحلية في انتاج اللحوم، واذا كان الجدل في استفادة الدول الاخرى من السلالات المحلية، اعتقد ان هذه اوهام، لأن المملكة العربية السعودية ودول الخليج مثلاً تمتلك أجود انواع السلالات بفضل تحسين النسل بالنسبة للإبل المنتجة للالبان، ولا توجد أية مقارنة بينها وبين ما ينتجه السودان، ولا يمثل أمر السلالات ادنى خطورة، فإذا ما نظرنا إلى جمهورية مصر نجد أن كل النوق التي يتم تصديرها اليها غير منتجة ولا تدخل إلا في سوق الاستهلاك»، وعن الإحصاءات اختتم ابو جيب بالقول: «في ما يخص الاحصائيات بالنسبة للابل في السودان فالموجودة منها قديمة جداً، حيث أنه لم يتم احصاء حيواني منذ عام 1976م، حيث اصبح يضاف الى ذلك الاحصاء النمو السنوي، وبذلك يتم تحديد حجم القطيع القومي بالبلاد». ولكن مع كل ما تقدم ذكره على لسان رئيس غرفة مصدري الإبل باتحاد الغرف التجارية بولاية الخرطوم، الا انه مازالت هنالك مطالب بوقف تصدير الإناث واعتراضات مازال ينادي بها الكثيرون، من ضمنهم الامين العام لاتحاد الرعاة محمد صالح بركة الذي تحدث لي قائلا: «نحن بصفتنا اتحاداً للرعاة ضد قرار تصدير الإناث، ونعتقد أن التصدير يوقف الانتاج في السودان، ولنا تجربة سابقة وهي تصدير «الكركدي» والذي سبق تصديره ببذرته بغرض زيادة الوزن، ولكن أصبحت الدول التي تستورده تنتجه محلياً بعد أن استفادت من البذور في انتاجها المحلي، وما نحتاجه هو الاهتمام من قبل الدولة بمنتجاتها المحلية، بحيث توفر حماية قانونية وأدبية وأخلاقية لمنتجاتها، كما نطالب بالإسراع في تسجيل المنتجات الحيوانية والسلالات المحلية ومنع تصدير الاناث». وختم حديثه لي بالقول: «نحن في الاتحاد لم تتم استشارتنا في اصدار هذا القرار، ومن اهم سلبيات هذا القرار ان الدول التي نصدر لها سوف تصبح دولاً منافسة في سوق التصدير بعد أن تتحول الى دول مستوردة، وحتي يكون القرار حيوياً لا بد أن تتبعه دراسة وتعلى مصلحة الوطن حتى يتم تحديد موقع الضرر ورفع الانتاج». وباعتباره الوزير المختص الذي حدث في عهده اصدار القرار الذي بموجبه بدأ الاعلان عن تصدير الاناث، كان لنا معه حديث بهذا الخصوص، حيث أفادنا محمد أحمد أبو كلابيش وزير الثروة الحيوانية السابق عبر اتصال هاتفي قائلاً: لا أرى أية ضرورة من اثارة الجدل في هذه القضية التي مضى عليها اكثر من خمس سنوات، فقد صدر قرار تصدير الإناث منذ عام 2008م، فما الجديد في طرح الفكرة؟» واضاف: «في ذلك العام كنت وقتها وزيراً للثروة الحيوانية، ولكن ما أود طرحه هل الاعتراض على تصديرها جاء بناءً على أن هناك عيوباً في تصدير النوع من حيث نوع الاناث دون الذكور؟ وانا هنا اقول اذا كان الحديث عن عيوب التصدير بالنسبة لاناث الابل فإن الحديث عن هذا الامر لا جدوى منه في ظل وجود قنوات تهريب مستمرة وظلت تعمل خلال عشرات السنين في ما يخص إناث الضأن وإناث الإبل معا، وحتى اذا ما تجاوزنا التهريب، اذا كان الحديث عن النوع فإننا نجد أن التقدم العلمي اصبح لا يعترف بهذه الفوارق، فمن الممكن لاي شخص أن يأخذ اللقاح المعين ومن داخل سوق المويلح». وذهب ابوكلابيش في حديثه عن القرار موضحاً: «إن القرار عندما صدر في الماضي كان يخص الاناث غير المنتجة فقط في عام 2008م، ولم يكن القرار يخص الوزارة فقط، فقد اجازه اجتماع مجلس الوزراء بعد دراسة القرار، وفي مثل هذه القرارات تكون صلاحيات الوزير فقط محصورة في تقديم القرار والفكرة، ولكن ما لم يتم التأمين عليه من قبل المجلس لا يستطيع وزير تجارة أو وزير ثروة حيوانية انزاله إلى ارض الواقع، وما دام قد تم اتخاذ القرار بالموافقة بالاجماع فهذا يعني أن دفوعات القرار كانت منطقية، وبخلاف هذا وذاك اذا ما نظرنا الى الموضوع من فحواه الداخلي وأجرينا مقارنة بين انتاج الثروة الحيوانية من الابل منذ عام 2008م وحتى الآن وهي الفترة التي فتح فيها تصدير الاناث فإننا نجد أن الثروة الحيوانية متزايدة الى درجة يشكو فيها الرعاة من قلة المراعي، كما نجد أن ذلك لم يؤثر على العملية الانتاجية على الاطلاق. وانا اعتقد انه حتى اذا ما تم تصدير إناث منتجة فإن ذلك لم يؤثر، واجزم أن الثروة في الابل متزايدة»، وانهى حديثه لي بالقول: «ما نحتاجه الآن هو الوقوف على التجربة ودراستها وتحديد إيجابياتها والمناطق السلبية فيها إن وجدت لها سلبيات، فإذا كان الخوف على النوع فهنالك تهريب، ومن باب اولى أن يتم التركيز عليه». وعلى الرغم مما سبق ذكره عن كثافة انتاج الإبل في البلاد وعن الزيادة في اعداد الاناث، إلا أننا نجد أن هناك اعتراضات صاحبت قرار تصدير الإناث منذ عام 2008م تاريخ إصدار القرار الذي سمح بتصديرها للخارج، ونجد أنه وبعد أن تم الإعلان عن فتح باب التصدير مجدداً، أتى بنك السودان المركزي ليوجه المصارف إلى عدم الدخول في ترتيبات مصرفية تتعلق بصادر إناث الحيوانات، فلماذ تم التراجع عن القرار؟ وما هي الأبعاد الاقتصادية المترتبة على فتح باب التصدير؟ هذا ما ستبينه الحلقات القادمة من التحقيق.