من بين اغلب العواصم الإسلامية تحتفظ الخرطوم بعلاقات ثابتة مع « طهران»، وهي السمة الابرز في هذه العلاقات ،بحسب مراقبين، فبرغم امتداد التواصل والزيارات بين البلدين بشكل لم ينقطع طوال العشرين عاما الماضية فان مردود ذلك على السودان لا يبدو واضحا. واشارات هؤلاء تذهب في ذلك الى ان «الخرطوم» لم تستند على دعم إيراني في شتى جبهاتها الداخلية والخارجية، وربما دفعت ثمنا لهذه العلاقة عندما انقسمت دول المنطقة الى محاور صنف السودان في احداها مع الدولة الفارسية. وكان غريبا ان يناقش الاجتماع الاخير لوزراء الخارجية العرب المخصص لأزمة هجليج، اواخر ابريل المنصرم، بندا اخر يتعلق بزيارة الرئيس الإيراني لجزيرة ابوموسى المتنازع عليها مع دولة الامارات. وتتعامل دول الخليج مع وضع إيران للجزر الاماراتية الثلاث«طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى» تحت قبضتها كاحتلال، وتسبب الخلاف حول ملكية الجزر في قطيعة بين طهران والدول الخليجية فاقمت من حدة التوتر والشكوك المتبادلة بين الجانبين منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران، علاوة على عدم رضى اغلب الدولة العربية من تدخلات الدولة الفارسية المسلمة في ملفات اخرى بالمنطقة منها القضية الفلسطينية والاوضاع في العراق واخيرا في سوريا. وغالبا ما تتقاطع المواقف السودانية في كثير من القضايا المطروحة اقليميا ودوليا مع إيران التى تواجه مثل السودان وضعا دوليا بالغ التعقيد، الا ان السودان يبدو حذرا ازاء اظهار اي نوع من الدعم على صعيد القضايا المختلف حولها مع الخليج، وفي مقدمتها المسألة البحرينية بالاضافة الى قضية الجزر الامارتية الثلاث. ولا يرى استاذ الجغرافية السياسية الدكتور حسن عبد الله المنقوري في هذه العلاقة اي نوع من التهديد لعلاقات السودان المتجذرة مع دول الخليج، مشيرا الى ان اجندة زيارات المسئولين الإيرانيين الى البلاد معلومة بالضرورة لجميع الجيران، وربما على المستوى الدولي، قاطعا بان السودان يمتلك خطوطا حمراء لهذه العلاقة تحفظ توازن علاقاته مع الجميع. يقول المنقوري» برغم ان هذه العلاقات وطيدة وموسعة ومتصلة الا ان بها شئ غير معلن»، ويتابع : وهي الى هذا تحكمها دائما علاقات البلدين مع الدول الاخرى، مثل علاقات السودان مع دول الخليج والدول الكبرى في العالم، وعلاقات إيران نفسها مع الدول العربية بالاضافة الى ما يسم علاقاتها مع امريكا ودول الاتحاد الاوربي. ويشير استاذ الجغرافيا السياسية الى ان إيران على استعداد دائم لارساء علاقة مرنة وسهلة، لكن السودان لاعتبارات كثيرة لا يريد ان يظهر في المنطقة كشريك لإيران، ومن هذه الاعتبارات مصالحه الوطيدة مع الدول الخليجية وحرصه على استمرار التواصل العقلاني مع المجتمع الدولي الذي تديره امريكا. ويشير المحلل السياسي الدكتور سامي عبد العاطي الى ان تاريخ العلاقات بين طهران و الخرطوم يسبق مجئ الانقاذ الى السلطة، معتبرا ان الاخيرة وجدت الطريق ممهدا وسالكا الى إيران، لكنه يقول ان الخرطوم الان تتعامل مع إيران بشئ من العقلانية يحفظ لها مصالحها مع الدول العربية وفي مقدمتها السعودية، ويتابع استاذ العلوم السياسية: من الملاحظ ان بعد كل زيارة من مسئول إيراني يتوجه مسئول سوداني رفيع المستوى الى الرياض تحديدا، وهذه الخطوة تدلل على ان الحكومة اصبحت تفهم جيدا اهمية التوازن في السياسة الخارجية لمثل هذا البلد. ويطرح المحلل السياسي ما يراه محددات تتعامل وفقها الخرطوم في علاقاتها مع طهران، الاول منها توحيد المواقف فيما يخص قضايا البلدين في الهيئات الدولية، واظهار دعم كل منهما للاخر في المنابر المختلفة، والمحدد الثاني النأى عن ذلك التوحد فيما يخص القضايا المتصلة بالمنطقة، وبخاصة مواقف إيران من القضية الفلسطينية ودعمها للمتغيرات السياسية والاجتماعية في العراق، ودور طهران ايضا في الانفجارات الطائفية في البحرين، واخيرا نزاعها حول الجزر الثلاث مع الامارات. ويري عبد العاطي ان الخرطوم ،رغم حذرها،قد تأثرت سلبا من علاقاتها مع إيران، وان الشواهد على ذلك الامر في المنطقة كثيرة، الا انها لا تستطيع ان تتخلى عن تلك العلاقة الاستراتيجية في وقت تحتاج فيه لاي نوع من انواع الدعم، وان كان سياسيا. وعلى كل فان الخرطوموطهران تبادلتا خلال أزمات مختلفة على الصعيد العالمي رسائل الدعم السياسي، ووعود تنمية العلاقات وتجذيرها على مستويات مختلفة، بما يعود عليهما بالمنفعة. وساندت إيرانالخرطوم في معركتها مع جوبا حول هجليج النفطية، حيث دعت طهران دولة جنوب السودان الى احترام سيادة السودان وانسحاب قواتها من الأراضي من منطقة هجليج. وأعرب المتحدّث باسم الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست، عن قلق بلاده من انتهاك جنوب السودان لحدود جاره الشمالي السودان، داعياً جوبا الى احترام سيادة الخرطوم. وتتزامن زيارة مساعد الرئيس الإيراني علي سعيد لو الى السودان الان مع صدور قرار جديد من مجلس الامن ضد السودان، ويتضمن برنامج الزيارة التي تستغرق يومين مباحثات رسمية تنطلق صباح اليوم مع الجانب السوداني برئاسة مساعد الرئيس السوداني، د. نافع علي نافع صباح الأحد بقاعة الصداقة، وكان الوفد الإيراني قد انخرط فور وصوله في لقاءات مع المسؤولين السودانيين. وتبدو اهتمامات الوفد الزائر مشابهة الى حد كبير مع اجندة مباحثات الجانبين ابان زيارة الرئيس أحمدي نجاد الى السودان في سبتمبر من العام الماضي، فقد تناولت المباحثات العلنية بين البلدين، في العام الماضي، العلاقات في مجالات النفط والصناعة والاستثمار، الى جانب التنسيق والتعاون في المواقف في المنابر الدولية والاقليمية، كما بحثا آلية تطوير وتعزيز العلاقات السياسية لتكون أرضية لتوحيد المواقف في مواجهة القوى الاستكبارية، وتحقيق تطلعات الشعبين في السودان وإيران والأمة الإسلامية. ولكن الشهور مضت قبل ان يعلن عن تطبيق ما اتفق عليه على ارض الواقع. ولايرى عديد من المراقبين ان إيران يمكن ان تقدم للسودان خلال هذه المرحلة ايا من الدعومات ، وان طبيعتها كدولة ذات مواجهة دائما مع المجتمع الدولي قد تضر بصورة البلاد وتعيدها الى المربع الاول بعد الجهود التي بذلتها الحكومة والسياسة الخارجية لاظهارها كدولة متعاونة. غير ان الدكتور المنقوري يعود ويؤكد ان الخرطوم الان في حالة من الحصار الدولي لا يمكن ان ترفض معها اي نوع من انواع الدعم السياسي، مشيرا الى ان إيران اثبتت انها لا تلين تحت اي نوع من الضغوط الدولية، وانها على استعداد لتقدم ما يريد السودان، ورأى ان طهران يمكن ان تقدم الكثير بخاصة على صعيد دعم الاستثمارات وتوفير النقد الاجنبي، بخاصة وان مدخلاتنا اضحت محدودة، وتابع الدكتور المنقوري: هذه الزيارة بهذا التوقيت قد تكون مثمرة اقتصاديا للغاية، وملبية لما تحتاج اليه الخرطوم حقا، لكنه عاد ليضيف « المطلوب ان لا يتم تجاوز الخطوط الحمراء، والمضي في العلاقات مع طهران وفقا للموازنات التي احتفظت لنا بعلاقات جيدة مع دول الخليج». لكن المحلل السياسي الاخر لا يعول على هذه الزيارة على صعيد دعم السودان في أزماته المختلفة، اذ يقول الدكتور سامي عبد العاطي ان طهران برغم علاقاتها المتطاولة مع السودان لم تقدم المنتظر منها كدولة حليفة، مشيرا الى ان الاستثمارات الإيرانية في البلاد ليست بالمستوى المتناسب مع العلاقة بين البلدين، مذكرا بان طهران قدمت وعودا سابقة بدعم صناعة البتركيماويات والصناعات الثقيلة والقطاع الزراعي والصناعات التحويلية ولم تفعل شيئا يذكر على اي من ذلك.