انطلق في العاصمة التركية أنقره أمس المنتدى الاعلامي التركي الأفريقي بمشاركة نحو 300 صحفي من 54 دولة،ويناقش في عشر جلسات على مدى يومين ملفات عدة مهنية واقتصادية ومعرفية،وردم الفجوة المعلوماتية والاجتماعية بين تركيا ،أفريقيا،بهدف تعزيز التعاون وتحقيق شراكة اعلامية وتجارية واجتماعية بين الجانبين. المنتدى يعكس التوجه الجديد لتركيا في عهد حكم حزب العدالة والتنمية،ولذا جاء تنظيمه باشراف مباشر من الدائرة الاعلامية في مكتب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان،وقد بدأت تركيا منذ العام 2005 في التوجه نحو أفريقيا،وصارت مراقبا في الاتحاد الافريقي ثم شريكا في قمة أديس أبابا،وما دفعها لتعزيز توجهها نحو القارة السمراء الأزمة الاقتصادية العالمية حيث انخفضت صادرات الدول الغربية "الأوروبية" من تركيا بنحو 30%،وترافق ذلك مع ارتفاع انتاجها الصناعي والزراعي،وانتعاش القطاع العقاري. ويبدو أن تركيا تنتهج غزو أفريقيا على طريقة الصين،مستخدمة سلاح التبادل التجاري والتعاون الاقتصادي،مع سياسة ناعمة تنحاز الى قضايا أفريقيا وخصوصا التنمية والدعم الانساني، وجاءت زيارة رجب أردوغان تصحبه زوجته الى الصومال العام الماضي لتجسيد التوجه التركي الجديد ،وستستضيف استنبول قريبا مؤتمر دعم الصومال،كما فتحت مكتبين لفيدرالية رجال الأعمال في الخرطوموأديس أبابا لتوسيع استثماراتها في الخارج،وفي حديث جانبي مع رجل أعمال تركي رجح أن تكون بلاده تريد أن يكون تعاونها مع السودان وأثيوبيا نموذجا للتجربة التركية في أفريقيا. نائب رئيس الوزراء التركي بولند آرينج وهو أحد رموز النهضة التركية الجديدة الذي افتتح المنتدى الاعلامي كان خطابه يتحدث بلغة الأرقام عن توجه بلاده نحو أفريقيا،فقد ارتفع عدد البعثات الدبلوماسية من 12 بعثة قبل خمس سنوات الى 31 بعثة حاليا،وانتشرت المراكز الثقافية التركية مصاحبة تلك البعثات لتعليم اللغة التركية ،وتستضيف البلاد سنويا نحو 600 رجل أعمال أفريقي في مؤتمر للتشاور في توسيع مجالات التعاون التجاري والاستثماري، كما ارتفع التبادل التجاري بين تركيا وأفريقيا خلال الفترة ذاتها من 4 مليارات دولار الى 17 مليار دولار العام الماضي،وانتشرت مئات الشركات العقارية في القارة،وأنشأت تركيا أكثر من 500 مدرسة على امتداد أفريقيا. وكان للسودان نصيب فبعد زيارة اردوغان الى دارفور التي سكب فيها الدموع حزنا على ما شهده من أوضاع للنازحين،سيفتتح قبل نهاية العام المستشفى التركي في نيالا الذي تبلغ كلفته 35 مليون دولار،بجانب انشاء مدارس أخرى في دارفور،وتصادفت مع مشاركتنا في المنتدى الاعلامي زيارة مدير جامعة الخرطوم،والبروفيسور يوسف فضل رئيس كرسي اللغة التركية بالجامعة الذي تعاقد مع معلمين للتركية. وما يساعد توجه تركيا الجديد نحو أفريقيا عدم وجود ارث استعماري لها في القارة،ولم تخلف الدولة العثمانية عداء يخلق حاجزا نفسيا،بل أن أجداد الأتراك يدفعون هذا التوجه لبناء صلات واسعة يستثمرون فيها ذلك التاريخ،كما أن العلاقات الخارجية التركية تتسق ولا تتقاطع مع المواقف الأفريقية،ويعكس دعم الدول الأفريقية الثلاث في مجلس الأمن الدولي رئاسة تركيا للمجلس في دورة قادمة هذا التناغم. لقد صارت تركيا ذات النسيج التاريخي والثقافي الغني جسرا بين القارات والثقافات،وأصبحت في السنوات الأخيرة أحد مصادر الديناميكية على النطاقين الاقليمي والعالمي،واستطاعات تسويق تجربتها الاسلامية عمليا،لا عبر الشعارات وانما الفعل،ومزجت بين الأصالة والمعاصرة من دون مصادمة بين تاريخها وواقعها،وفق خطة ورؤية واضحة لدى قيادتها وشعبها. الاعلاميون الأفارقة يسعون الى تغيير الصورة النمطية للقارة السمراء باعتبارها أرض حروب وفقر وتخلف ومرض وموارد أولية كامنة،لتصبح قارة تتسم بالتنوع وتمازج الثقافات،نحو مليار نسمة 60% منهم شباب، يتطلعون الى عالم جديد يحترم ارادتهم ويسعى الى شراكة معهم تستند على تبادل المنافع،لا تصدير المتاعب ونهب الثروات،أو سوقا كبيرا للاستهلاك،وأفريقيا تمضي نحو التعافي فمن دولها ال 54 تحولت 27 منها من الدخل المنخفض الى الدخل المتوسط و7 من الدول باتت من بين الأسرع نموا في العام،وبعد توسيع مجلس الأمن سيصير ممثلوها بالمجلس 6 دول بدلا عن ثلاث حاليا.