٭ الدبلوماسية كما تحدثنا في مقالات سابقة في صحيفة الصحافة الغراء، عبارة عن التمثيل والمفاوضة والاتصال والحماية، بمعنى ان سفير دولة (أ) يمثل بلده في دولة (ب) وهو يقدم اوراق اعتماده لرئاسة الدولة بعكس القائمين بالاعمال الذين يقدمون اوراق اعتمادهم لوزير الخارجية، ويعمل هذا السفير في حماية مصالح بلده في كافة الميادين، ويعمل ايضاً بمد حكومته بصفة منتظمة بكل ما يحدث في الدولة المستقبلة من احداث اقتصادية وثقافية واجتماعية وفنية وعسكرية وجماعات الضغط مثل مختلف الاتحادات (اتحاد العمال والمزارعين والأطباء وصيادلة والمهندسين المعماريين.. الخ)، بالاضافة الى انشاء قاعدة تحمل في طياتها معلومات مركزة ووافية عن الاحزاب السياسية واتجاهاتها واساتذة الجامعات ورجال الدين، ويرسل السفير هذه المعلومات الى الدولة التي ينتمي اليها بصفة مستمرة عن طريق الحقيبة الدبلوماسية، وهذه الحقيبة تتمتع بالحصانة الدبلوماسية، أى لا يمكن فتحها بأية حال من الاحوال، وحاملها يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، ولكن بعض الدول لتقليل النفقات ترسلها عن طريق كابتن الطائرة، وهو لا يتمتع بالحصانة الدبلوماسية، ويسلم هذه الحقيبة لمندوب وزارة الخارجية في المطار، ولكن بكل اسف بعض الدول تسيء استخدام هذه الحقيبة في اغراض تتنافى مع العرف الدبلوماسي. فالسفارة كما ذكرت في مرات عديدة عبارة عن فرقة موسيقية، تتكون من الملحقين الاقتصاديين والعماليين والثقافيين والطبيين والفنيين والملحقين الجويين والبحريين ورجال الدين في بعض الدول، ويرأس هذه الفرقة المايسترو الذي هو السفير، لذا يجب ان يكون السفير على مستوى عالٍ من الثقافة والعلم، وان يتعرف على تاريخ بلاده من كافة النواحي، وقبل ان يسافر الى الدولة التي سيمثل فيها بلده يجب ان يتعرف على هذه الدولة من كل النواحي، لأن هذا يسهل مهمته، بالاضافة الى اتقانه للغة البلد الذي سيمثل في بلده، لذا نرى من المنطق ان على الذين ذكرناهم ان يتمتعوا بكفاءة عالية وبعد ذلك سنتحدث. المصاعب التي تعترض سبيل المرأة في السلك الدبلوماسي: على ان تواجه المرأة بعض المصاعب في حياتها الدبلوماسية، نستعرض لأهمها في مايلي: 1/ من حيث مركز العمل: قد لا تتمكن الدبلوماسيات من العمل في أي بلد، لذلك نرى ان كثيراً من الدول تحرص على ايفادهن الى بلاد راقية، ذات حضارة متقدمة، تبوأت فيها المرأة مركزاً علمياً واجتماعياً ممتازاً، ودخلت العمل، بحيث يكون وجود الموظفة الدبلوماسية ونشاطها المسلكي امراً مألوفاً وعادياً.. 2/ من ناحية الحياة العائلية: قد تعاني الدبلوماسية العازبة بعض الصعوبة في العيش لوحدها في البلاد الاجنبي، اما الزوجة، فليست اوفر حظاً من العازبة، بل تعاني مصاعب متعددة منها: - تفكك عرى الاسرة وإنعدام الحياة الزوجية الهنيئة المستقرة إذ قلما يتمكن الزوج من مرافقة زوجته الدبلوماسية الى مقر عملها، فيضطر الى البقاء في بلده ومركز عمله، وحده او مع اولاده اذا كانوا يترددون على المدارس الابتدائية او الثانوية، كما تضطر للعيش بدون زوجها- وحدها أو مع اولادها الرضع- وفي ذلك كان الحرج للزوجين والاولاد معاً. - وتقضي أنظمة بعض وزارات الخارجية، أما بإعتبار الدبلوماسية التي تتزوج بحكم المستقيلة، ما لم تقترن بدبلوماسي، فيتم حينئذ اما نقلها الى بعثة واحدة، وهذا امر نادر، واما الى بعثتين في بلدين متجاورين، الامر الذي لا يزيل المحذور المنوه له حرج موقف الزوج اذا رافق زوجته الدبلوماسية. يشعر الزوج في هذه الحالة بانتقاص كرامته داخل الاسرة، إذ تحتل زوجته مركز رب العائلة ويصبح هو الشخص الثاني، ولا رأى له ولا حكم، فضلاً عن عجزه عن القيام بالاشراف على شؤون المنزل، سواء في الحياة اليومية العادية ام في المناسبات التي تضطر فيها الزوجة الدبلوماسية لاقامة حفلات رسمية في منزلها لزملائها الدبلوماسيين أو الشخصيات الرسمية. 3/ من الناحية البروتوكولية: هناك صعوبة لتحديد اسبقية زوج الدبلوماسية سواء أكانت سفيرة لبلادها أم قائمة بالاعمال، ام مستشاراً ام ملحقاً، وقد وجدت وزارة الخارجية الايطالية مخرجاً لزوج السفيرة، فحددت اسبقيته بعد الوزراء المفوضين، ذلك عندما كانت السيدة (Clare B.Luce) سفيرة للويات المتحدة في روما. أما بالنسبة لازواج الدبلوماسيات من الدرجة الادنى، فإن اسبقيتهم مازالت تثير اشكالاً، غير انه يمكن التغلب على هذه الصعوبة بايجاد حل يتفق مع المنطق، ويراعي شعور الممثلين الدبلوماسيين وحقهم المشروع بالنسبة لمراكزهم. 4/ من الناحية الاجتماعية: قد تعاني المرأة الدبلوماسية- احياناً- بعض المصاعب في اقامة أو حضور الحفلات التي يقيمها الدبلوماسيون (كالكوكتيل والاستقبالات وولائم الغداء أو العشاء) والتي تقتضيها طبيعة عملهم، توطيداً للتعارف واستمرار الاتصال فيما بينهم ومع كبار موظفي الحكومة المضيفة، فمن طبيعة الحفلات ان تبدو فيها السيدات بغاية الرقة والأنس، وقد يتعذر ذلك على الدبلوماسيات، ولا سيما السفيرات منهن، إذ يكن في الغالب مثقلات بالتعب والمسؤوليات الجسام، فتختفي الابتسامة العذبة من وجوههن، خاصة اذا كانت الحفلة مقامة في دارهن، ويترتب عليهن بالتالي الى جانب الاهتمام بالمدعوين، مراقبة ترتيب المقاعد وشؤون الطعام والشراب وتنسيق الزهور والورود والاشراف على الخدم.. الخ. ولا شك ان بوسع السفيرة أو الدبلوماسية التي تحتل مركزاً مرموقاً ان تتغلب على معظم هذه المصاعب اذا كانت حسنة التصرف، وكان لديها مساعدون اكفاء سواء في مجال العمل أو في شؤون المنزل. وثمة صعوبة اخرى تلازم السفيرة او المرأة الدبلوماسية في الحفلات المذكورة، إذ انها مرغمة على محادثة زملائها في السلك الدبلوماسي لتتبادل معهم الرأى في شتى الامور، أو تتولى احياناً وجهة نظر بلادها في القضايا السياسية او في احداث الساعة، وبذلك تنزوي عن باقي سيدات المجتمع، وتبدو في موقف المتعالي عليهن، كما تفقد مجال محادثاتهن في مختلف الشؤون التي تهم المرأة أو تهتم بها بحكم طبيعتها. 5/ من ناحية العمل: وأخيراً فقد تعترض السفيرة أيضاً بعض المصاعب، إذ تجد نفسها محاطة بمجموعة من المساعدين، معظمهم من كبار الموظفين الذين يمتازون بالخبرة والاختصاص والرجولة، شباب ورجال اعتادوا ان يحترموا المرأة ويغازلونها ويحيطونها بهالة من الرعاية والحنان والحب، دون ان يعترفوا بتفوقها عليهم. كل ذلك يفرض عليها ان تكون متمتعة بشخصية فذة وجذابة وبنفوذ قوي، لتتمكن من السيطرة على معاونيها، وتفرض وجودها بما تتحلى به من حكمة وحسن دراية، وتتمكن اذا اختلفت معهم في الرأى، ان تحملهم على الاقتناع بصحة وصواب رأيها والعمل بموجبه، دون الشعور بالتراجع المهين. ومهما يكن الامر، فإن دخول المرأة السلك الدبلوماسي أصبح ضرورة اجتماعية وحضارية، ولابد من تشجيعها على ذلك والتغلب على العقبات بقدر الامكان وبالرغم من العقبات التي تحول دون اقتحام المرأة مجالات الدبلوماسية، فإنها قد نجحت لدرجة الامتياز، ونحن في السودان ولله الحمد لدينا عشرات قد اثبتن كفاءة نادرة في كافة المجالات القضائية والاتصالية والطبية الخ. ولما كان الشيء بالشيء يذكر، فقد زارت السودان في الثمانينيات من القرن الماضي المذيعة الراحلة اماني ناشد من التلفزيون المصري، وكان معها مجموعة من ابرز العاملين في التلفزيون المصري، وقد شرفني سعادة مدير التلفزيون في ذلك الوقت استاذي الدكتور احمد زين صغيرون، بأن اعد برنامجاً لزيارة الوفد المصري، وكانت معي الاخت العزيزة فاطمة عيسى، وقمنا بإعداد خطة تشتمل على التعرف على المرأة السودانية في المجالات الطبية والهندسية والتشريعية والامنية والقانونية.. الخ، وكانت هذه الخطة بكل تأكيد عبارة عن بانوراما تعكس تحمل المرأة في كافة المجالات، ولكن نأمل من اخواتنا أن يعملن كل مافي طاقتهم في سبيل ان يتقن اللغات الاجنبية ودراسة ما يجري في الميادين المحلية والاقليمية والدولية بصفة منتظمة. والله من وراء القصد خارج النص: ٭ نهنيء من اعماق قلوبنا قبول ترشيح البروفيسور فاطمة عبد المحمود التي نرجو لها تمام الصحة والعافية وطول العمر، إذ ان قبول ترشيحها في اعتقادي تكريم للمرأة السودانية التي اثبتت جدارتها وقدرتها في كافة الميادين. وكما ذكرت في مرات عديدة على صفحات هذه الصحيفة الغراء، ونحن نعارض بشدة محاكمة أى مواطن سوداني امام المحكمة الارهابية الدولية، ومطالبة المدعي لهذه المحكمة الارهابية لمحاكمة الرئيس عمر البشير. واقول بكل صراحة ان تلك الدعوى تعتبر إهانة بالغة للنظام القضائي وكل العاملين في كافة المجالات وللشعب السوداني، وهنا اتساءل هل يرضى أى مواطني سوداني يؤمن بالله وبوحدة السودان ان يرى المشير البشير لا قدر الله امام هذه المحكمة الدولية الارهابية؟ ونتساءل للمرة الثانية هل البشير هو الوحيد الذي خاض حرباً دفاعية ضد المتمردين؟ فرؤساء الدول من واجباتهم القومية ان يقضوا على أية حركات تهدد أمن البلاد، وهذه المحكمة الارهابية سوف لا تكتفي بمحاكمة البشير، بل طبقاً لنظرية الديمونو ستطلب محاكمة كافة المسؤولين في الدولة ألا يشعر الذين يدعون ويطالبون بتنحي البشير من ترشيح نفسه في الانتخابات بالخجل من ذلك؟ ونقول لهم نحن لا نوافق اطلاقاً على تقديم أى سوداني لهذه المحكمة الارهابية، وكان الاجدر بهذه المحكمة ان تحاكم الذين دمروا العراق ويشنون حرب ابادة ضد الافغان. ولا يعلم هؤلاء الذين يهرولون وراء كراسي الحكم، ان محاكمة أى مواطن لا سيما رمز بلادنا، ستكون لها تأثيرات مدمرة من نواح كثيرة.. ومن هو المستثمر الذي سيستثمر أمواله في السودان، ان محاكمة عمر البشير في اعتقادي ستعني في تحليلي النهائي اساءة سمعة بلادنا العزيزة. ونرجو من الله لبلادنا الاستقرار والتقدم والرفاهية.. انه نعم المولى ونعم النصير. منذ سنوات وأنا اكتب المقالات عن الدبلوماسية والدبلوماسيين واصدرت كتاباً بتوفيق من الله سبحانه وتعالى بعنوان الدبلوماسية في العالم الثالث وقد تفضلت إدارة الاعلام بوزارة الخارجية وبتوجيه من الاستاذ الدكتور منصور خالد أطال الله في عمره ومتعه بالصحة والعافية وقد تم ارسال نسخة من هذا الكتاب لكافة السفارات السودانية في الخارج وقد تطرقت فيه عن فنون الدبلوماسية فدولة (أ) حين تبعث سفيرها في دولة (ب) فإنها تبعث برسالة رقيقة تسمى اوراق الاعتماد والسفير يقدم اوراق اعتماده لرأس الدولة في البلد الذي سيمثل فيه بلده بينما القائم بالاعمال يقدم اوراق اعتماده لوزير الخارجية في البلد الذي يمثل فيه بلده والدول في العادة تستخدم مصطلح Pesona non grata أى شخصية غير مرغوب فيها ونحن في حالة سفير دولة الجنوب يجب علينا إستخدام المصطلح المذكور بعاليه وكان من المنطقي ان يبحث سفيرنا في جوبا بمعلومات من سفير دولة الجنوب!!!! * دبلوم في العلاقات الدبلوماسية والدولية من فرنسا