في الحلقة الماضية، تحدثنا عن سفاها «سماحة» في فترة الستينيات والسبعينيات والثمانينيات وحتى عام 2991م من القرن الماضي، وقلنا إنها أصبحت منطقة ملتهبة بدافع تمدد الحركة الشعبية في شمال وغرب بحر الغزال، وتحدثنا عن محاولة إحتلال تعرضت لها المنطقة في صيف عام 7891م بجيش مكون من أكثر من أربعة آلاف جندي من قوات الحركة الشعبية، حيث صُد هذا التحرك من قبل الرزيقات مما أفرز تحرشا في الضعين وتم الإعتداء على أفراد من مواطني الجنوب بالضعين، وتحدثنا عن تغيير في سياسة وبرامج الحركة الشعبية أفضى إلى إستقطاب لكوادر من أبناء الرزيقات عام 2991م، الأمر الذي أزعج حكومة الإنقاذ في المركز وإقليم دارفور فقامت الحملة الشعبية العسكرية وحاولت الإنطلاق من الضعين وأُعتبرت الضعين محافظة الجهاد، الأمر الذي أعتبره الرزيقات محاولة غزو لديار دينكا ملوال، فلم يجيزوه وظلوا يراوغون حتى جاء فصل الخريف وإنفض السامر، فاعتبر دينكا ملوال أن هذا التصرف حميد من قبيلة الرزيقات لأنه إذا ما تم فسوف تقع كارثة في ديار دينكا ملوال، ولن تقضي الحملة على الحركة الشعبية، والتاريخ القبلي سيسجل حملة قبائل إنطلقت من دار الرزيقات لتقضي على الدينكا، وأخيراً تحدثنا في المقال السابق عن كوادر الرزيقات التي دخلت في عضوية الحركة الشعبية ولكن أهلهم أعادوهم بإتفاق مع حاكم دارفور ولكنهم حوكموا ثم عفى عنهم بقرار من رئاسة الجمهورية. في هذا المقال نتحدث عن الدور الذي قام به أبناء الرزيقات الشعبيون والرسميون في التنبيه لشيئين أساسيين، الأول إحتلال منطقة أو مصيف سفاها «سماحة» والثاني إدخال المنطقة ضمن المناطق المختلف عليها حدودياً وذلك من قبل وفد الحركة الشعبية المفاوض. بالنسبة للخلاف الحدودي فإن مجلس شورى الرزيقات أبان في بيان صحفي في صحيفة «الصحافة» في فبراير 1102م أن هذه المنطقة لم تكن في يوم من الأيام مكان خلاف، بل طيلة عمل اللجنة الفنية لترسيم الحدود لم تقدم كمنطقة خلافية وهذه اللجنة بدأت أعمالها بعد توقيع إتفاق نيفاشا مباشرة عام 5002م، ولم يثر الأعضاء الجنوبيون في اللجنة أية نقطة من هذا القبيل، لماذا أدخلت محل خلاف عام 1102م؟ ومعروفة المناطق المختلف عليها وهي منطقة جودة بالنيل الأبيض ومنطقة جبل المقينص ومنطقة كاكا التجارية في جنوب كردفان، ومنطقة كفي كانجي بجنوب دارفور، وأكد المجلس أن هذه المنطقة وبكل المستندات والوثائق والخرط تتبع للسودان الشمالي قطعياً، وقلنا إن إقحام هذه المنطقة كمنطقة نزاع قد يؤدي إلى صراع لا يحمد عقباه إذا لم يتم تدارك الأمر من اللجنة السياسية التي يترأسها الفريق صلاح قوش من جانب الحكومة، ومن الجانب الآخر باقان أموم، وأكد البيان أن إجتماعاً سينعقد في 61/2/1102م لهذه اللجنة المشتركة وستقدم تقريرها للرئاسة وطلبنا تلافي هذا الأمر في تقرير اللجنة، وحذرنا من أنها ستكون أصعب وأخطر من أبيي لأنها لم تكن خلافية في يوم من الأيام، وطلب مجلس شورى الرزيقات من الحركة الشعبية سحب قواتها الموجودة في بحر العرب «سفاها» أو سماحة، وهذه هي النقطة الأخرى التي أشرنا اليها بوضوح من أن الحركة الشعبية كانت وما زالت محتلة لمنطقة سفاها «سماحة» وكان بيان مجلس شورى الرزيقات واضحاً كل الوضوح في هذا الخصوص، ومن ثم إجتمع المجلس بالدستوريين والنواب من المنطقة، وبعد نقاش طويل في مكتب المستشار لرئيس الجمهورية المهندس عبد الله مسار وقتئذ أقر الجميع بوجوب مقابلة أعضاء اللجنة السياسية من جانب الحكومة، فاجتمع المجلس وبعض القيادات السياسية للمنطقة بالمهندس صلاح قوش في مكتب المستشار مسار. أكد المهندس قوش أن الجنوبيين وفي أخريات إجتماعاتهم معنا طلبوا إدخال منطقة سفاها منطقة خلافية حدودية، واستجابت لجنة الحكومة للطلب الغريب، حينها قلنا للأخ صلاح قوش، لماذا لم تطلبوا أن تكون جوبا مكان خلاف حدودي أيضاً، لماذا تظلون تدافعون والجنوبيون يهاجمون؟، كان رد الأخ صلاح، والله الواحد لو غالطك في جلابيتك تشارعه فيها، وعلى العموم واصل قوش حديثه ناصحاً لنا جميعاً، بأن نركب خيلنا، ونأخذ عفشنا ونذهب نسكن في سفاها حماية لها من تغول حكومة الحركة الشعبية، عندئذ تأكد لنا أن معظم مصائبنا تأتينا من ناسنا الذين لا يعرفون طبيعة المنطقة، هذه المنطقة وكما يقول المثل «لو ربطوا فيها جن في زمن الخريف سيجن زيادة»، ولكن نظرياً يصبح الرأي مقبولا إذا قامت الحكومة بأقل الخدمات في المنطقة بغية الاستقرار وهذه يجب أن تكون إستراتيجية الدولة في كل المناطق الحدودية وإلا فستتساقط كلها في دول الجوار، بواقع وضع اليد على المدى الطويل وهذا حصل بالنسبة لحلايب مع المصريين، ومثلث اليمي مع كينيا. وسفاها مع دولة الجنوب، ولكن لما كانت مدينة الجنينة مدينة حدودية سودانية مع تشاد فيها كافة خدمات وسلطات الدولة لم تجرؤ تشاد أن تنال منها أو من القرى التي حولها. لم نقف عند هذا الحد فقد سطر مجلس شورى الرزيقات خطاباً في بتاريخ 8/2/1102م للسيد نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه، طلبنا فيه لقاءً مع سيادته، وقد ذهبت بنفسي وبصحبة المستشار عبد الله مسار وسلمنا الطلب لمدير مكتب النائب، وأوضحنا فيه التداعيات التي ستحصل بعد الإنفصال على قبيلة الرزيقات، وتحدثنا عن الحدود المعلومة للسودان الشمالي هناك، وتحدثنا في طلب اللقاء عن الحاجة الماسة للخدمات الضرورية للرعاة من أمن وماء وغير ذلك من الضروريات، ولكن ماذا حصل؟ حتى كتابة هذا المقال لم يتم اللقاء ولم يتم اعتذار!! في أبريل 1102م قابلنا السيد وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين وأوضحنا له إحتلال سفاها ومنطقة بليلة وقد سبقنا السيد المستشار مسار بمذكرة للسيد وزير الدفاع بتاريخ 1/2/1102م أكد له فيها إحتلال الحركة الشعبية لمنطقة بحر العرب «سفاها»، وأكد له فيها أن الحركة الشعبية حفرت خنادقها، ونصبت مدافعها ومدرعاتها في المنطقة موجهة تجاه الشمال، وكذلك فإن معتمد محلية الضعين السابق الأستاذ علي آدم محمد كتب مذكرة شديدة اللهجة في 62/4/0102م لوالي ولاية جنوب دارفور، يوضح له فيها إحتلال الحركة الشعبية لمنطقة بحر العرب بما في ذلك سفاها وبليلة. لقد بُذلت كل هذه الجهود لتوضيح الموقف، ولكن السؤال لماذا تسكت الحكومة طيلة هذه المدة وحتى الآن دون أن تقول كلمة واحدة؟، لا شك أن الحكومة وحدها هي التي ستجيب عن هذا السؤال. وفي ختام هذه السلسة من المقالات لا بد لي أن أشيد بأبنائنا في الحكومة والمؤتمر الوطني، فقد ظلوا يتحدثون بكل وضوح عن هذه المشكلة، في إطار مؤسساتهم ولقد علمنا الكثير عنها، ولكن إذا لم تكن هناك إجابة ماذا هم فاعلون؟ الشيء الآخر الذي أسجله لصالحهم خاصة في فترة التسعينيات عندما كانت الإنقاذ «سكينها حمراء» وطبقت برامجها في كثير من المناطق والقبائل، وقف أبناء القبيلة والمنطقة صفاً واحداً في صف وحدة القبيلة، وتنفيذ سياستها التاريخية التقليدية مع قبائل الجوار في عدم الإعتداء وعدم إنطلاق الآخرين من أرض القبيلة عدواناً على الجيران. وأسجل في ختام هذه المقالات أن الرزيقات ظلوا يفرقون بين الحركات المسلحة الجنوبية منذ أنانيا ون وحتى الحركة الشعبية في كل مراحل صراعاتهم المختلفة، وبين علاقة الرزيقات بدينكا ملوال القبيلة الجارة الجنوبية المعروفة، التمييز بين الأشياء عند الرزيقات درس واضح ومعروف ولا يحتاج إلى إعادة.. فالآن سفاها محتلة من قبل الحركة الشعبية وليس من قبل دينكا ملوال، والآن آلاف الأنفس والأنعام في عمق دار الدينكا فالحكومة يجب أن تعرف أن الرزيقات لا يخلطون «الكيمان» وللضرورة أحكام. وأخيراً نقول للمسؤولين هذه المنطقة السودانية الحدودية مع الجنوب تنعدم فيها الخدمات تماماً لا ماء فيها غير ماء البحر الراكد، والذي يحفر آبارا في أواخر الصيف، ولا مدرسة ولا مصحة، ولا غير ذلك من الخدمات، وفي النهاية يأتي كلام صلاح قوش الذي أغضبنا ولكنه كفكر إستراتيجي صحيح، يجب أن تكون هناك خطة استقرار تتزامن مع دعوة الناس للإستقرار في المنطقة، ومع تقديم خدمات ضرورية من الدولة، إني متأكد جداً أن سماحة ستكون مدينة حدودية راقية في أقل من عشر سنين، وأن هذا الكبري الذي أنشأته الحركة الشعبية سيكون جسر تواصل ثقافي، واقتصادي، وسياسي، ولكن كل ذلك سيتم بالتي هي أحسن إذا عرف كل منا حدوده.