* القتال في الحرب رجل لرجل .. والدفاع في كرة القدم رجل لرجل .. والشَكْلَة في بيت العرس رجل لرجل .. من أعدل وأكفأ المنافسات أو التدافع وتتوافر عوامل النصر حسب الخبرة والقوة الجسدية والحالة النفسية وربما التشجيع والتصفيق أو الزغاريد للخصمين .. ولما كان رجل الشرطة منوطٌ به تنفيذ القوانين وحماية الأرواح والممتلكات ومنع وقوع الجريمة .. والبحث عن الفاعل لو وقعت جريمة ما وتوقيفه وتحريز المعروضات وتقديمه للمحكمة ومن ثم تنفيذ أحكام المحكمة .. فهو بالضرورة .. والحال هكذا.. لا يمكن أن يكون خصماً أو عدواً لأي مواطن. وكان «البوليس» أو رجل الشرطة مرهوب الجانب صارم القسمات يزيده اللبس الرسمي مهابة الكاكي والكسكتة والقيطان والقاش القلشين واللطَّاش والشبط . قالت «حبوبة» وقد فاض بها الحنين لولدها «ساتي» وكان يخدم في شرطة السكة الحديد قالت : - يا حليل ساتي بلا غلط يا العسيكري اللابس الشبط يا جليس أم لهجاً رَبَتْ شاتلو البابور قبَّلت يا حليل ساتي بلا ملام يا العسيكري اللابس الحزام يا جليس أُمَّات الزمام القطر شال ناس ساتي قام رحم الله الجميع .. وقد كان «بوليس واحد» يكفي لضبط أي خلل والإنصياع لأي أمر وهو لا يحمل سوى «عصاية جنب» لا يسحبها من جنبه أبداً إلَّا في حالات نادره .. بل يكتفي بالصفارة مثله مثل حكم كرة القدم .. صفارة واحدة ويلزم الجميع الهدوء وينصاعون للأمر.. ولا يكاد أحد يلمس البوليس لأن قطع زرارة واحدة من قميصه تُودي بالفاعل إلى السجن لمدة لا تقل عن ستة أشهر .. المعارضة.. أو التعدي على موظف عام أثناء تأدية واجبه .. وبالمقابل فإن البوليس يضع نمرة عسكرية نحاسية على أرضية قطيفة على صدره وتحمل الكسكته شعار المديرية التي ينتسب إليها ويحمل ذراعه علامات الرتبة العسكرية.. وتحت الكسكته منديل كبير جداً باللونين الأحمر والأصفر «يار بي الجماعة ديل كانوا كلهم مريخاب»!! لست أدري لكن شعار الشرطة يحمل اللونين الأبيض والأزرق «منعاً لحمبكة الرشاشات».. وهكذا يمكن لأي مواطن أن يحدد دون أن يسأل من هو الشرطي الذي يتعامل معه .. وبالتالي يمكن أن يشكوه أو يتظلم منه إذا ما حدث من الشرطي ما هو مخالف للقانون أو فيه ظلم أو تجاوز أو إفراط في إستخدام السلطات المخولة له . وفي أكثر المناطق فوضى «كالأنداية» كان البوليس يضرب صفارة فينفض سامر السكارى والحيارى في لحظة واحدة . إنه بسط هيبة القانون والنظام.. * رأيت أنه من المناسب النظر في الجزء الممتلئ من الكوب عند إطلاعي على تقرير الأداء الذي أعلنه المجلس الأعلى للتخطيط الإستراتيجي بولاية الخرطوم والذي غطى عدة جوانب وقد إستوقفني في هذا التقرير الهام الجزئية التي تحدثت عن نقص كبير في قوة الشرطة بالولاية .. لكن التقرير أكَّد أن العامين الأخيرين شهدا تطوراً إيجابياً هاماً في مجال بسط الأمن وتحقيق الطمأنينة .. والتي يمكن إستدامتها إذا تمكنت شرطة الولاية من تشغيل وتطوير وسائل القيادة والسيطرة والرقابة الإلكترونية .. وأنا أزيد على ذلك بأن التدريب المتواصل الذي تتمتع به الشرطة وتحسين بيئة العمل وتوفير المعينات والإهتمام بالفرد بإنشاء المستشفيات ومراكز العلاج والمدارس والكليات الجامعية والخدمات الإجتماعية وبناء المجمعات السكنية «الإشلاقات» وتوفير المهمات العسكرية وتحسين الدخل وتطوير الأداء هو الذي غطى العجز العددي الكبير والذي قدَّره التقرير بما يقارب السبعة آلاف عنصر بشري .. ووفق الإحصاءات التي تقدر سكان العاصمة بسبعة ملايين نسمة فإن هناك رجل شرطة واحد مقابل مائتين وخمسين نسمة .. يا للهول زول واحد يحوش أكثر من مائتين زول .. وهذه محمدة عظيمة لشرطتنا الموحدة وهي تعمل بكل همة وكفاءة ونشاط وتغطي هذا العجز الكبير بحسن إستخدام الموارد المتاحة ورفع كفاءة الفرد وحفزه على العمل، ولما سكت التقرير عن العجز في المعدات والمركبات والتسليح فإنني أؤكد أن المتاح من معينات العمل للشرطة أقل بكثير جداً مما هو مطلوب .. ولأن هذه منطقة يصعب الحديث عنها بتفاصيل دقيقة .. إلا حديثاً عابراً ومعمماً فإنني لأرجو أن تكون في صلب أعمال المجلس الأعلى للتخطيط الإستراتيجي والعمل على تلافي أي قصور أو نقص في المعدات والمركبات وإجراء عمليات إحلال وإبدال يشمل كل أجزاء بلادنا وفتح باب التجنيد في الشرطة بشروط عملٍ تتناسب ومستوى المعيشة والمستوى الأكاديمي لطالبي التجنيد والذي لا يقل بحال من الأحوال عن الحصول على الشهادة السودانية بنجاح. * زمان كانوا بيقولوا ليك لو أصبعك عسكري أقطعوا .. واليوم يقولوا ليك لو أصبعك عسكري ألحسو . وهذا هو المفروض