نجحت تحركات الوسيط الافريقي ثابو امبيكي المارثونية بين «الخرطوم» و» جوبا» في اعلان موعد لعودة فريقي التفاوض حول القضايا العالقة بين السودان وجنوب السودان للطاولة بعد انقطاع استمر لشهور طويلة تخللتها مواجهات دامية بين البلدين وملاسنات وصلت حد القطيعة. ويمثل تأكيد الرئيس الجنوب افريقي السابق بان وفدا من كل من جوباوالخرطوم سيلتقيان الاسبوع المقبل في العاصمة الاثيوبية اديس ابابا، للنظر في عناصر خارطة الطريق التي اقرها مجلس الامن الدولي عبر قرار ملزم و بارقة امل لدى مراقبين في تجاوز الدولتين اجواء الخصومة والاتهامات المتبادلة، بخاصة وان امبيكي قد ابلغ الصحفيين بوجود اتفاق بين رئيسي البلدين على تقديم العملية صورة اسرع. وقوبل الاعلان بترحاب من القوى السياسية السودانية، حيث اعتبرته تأكيدا على صحة موقفها الداعي الى احتكام الطرفين لتغليب المصالح المشتركة بين الشعبين في الشمال والجنوب، والاتجاه الى الحوار والتفاوض المفتوح لحل القضايا العالقة، ورأى رئيس حزب البعث السوداني ،محمد علي جادين، ان عودة البلدين الى مائدة التفاوض نبأ سار داعيا المتفاوضين الى النظر بعين الاعتبار الى تضرر الشعب السوداني في الشمال والجنوب من المواجهات بين الخرطوموجوبا على كافة الاصعدة، الا ان رئيس البعث اشار الى ان العملية التفاوضية نفسها ستكون صعبة ومعقدة لعدم توافر عنصر الثقة حتى الان بين الطرفين، ولان احدهما يضع شروط مسبقة للحوار واولويات تفاوضية مثل اصرار السودان على تصدر الملف الامني جدول المفاوضات، وقال محمد على جادين ل» الصحافة» ان المطلوب لانجاح العملية التفاوضية قيام الوسيط امبيكي ،هذه المرة، ببث الثقة بين اطرافها لان بدونها لن يتحلى الوفدان بالمرونة والجدية المطلوبة لانجاح الحوار، معتبرا ان تمسك الخرطوم بموقفها في اسبقيات التفاوض غير مبرر، ذلك لان المفاوضات ستناقش نهاية الامر كل الملفات ولن تترك امرا الا وعالجته، وتابع جادين : يجب على الطرفين ان يضعا في الاعتبار ان الجلوس والحوار للتوصل لحلول وسط افضل لهما بكثير، من حلول اخرى يفرضها مجلس الامن عبر لجان تحكيمية لا علاقة لها بالواقع، بخاصة وان الاخيرة ، كما يلفت رئيس البعث، قد تخرج بحلول ضد احد الطرفين، وهو ما يعني ابقاء حالة التوتر والعدائيات على حالها. الا ان الاشارة السابقة لجادين حول اهمية دور الوسيط امبيكي في دفع الطرفين الى تجاوز العقبات والحواجز النفسية، لا تبدو محورية في حديث رئيس هيئة التحالف المعارض فاروق ابوعيسى، لان الاخير يشير ل» الصحافة» بان القرار الاخير لمجلس الامن « عبارة عن خريطة طريق محددة المعالم بخطوات متلاحقة ومتشابكة في سلسلة واحدة»، لا يمكن التعامل معها بانتقائية، وذلك لما في الامر من عواقب خطيرة تحت البند السابع قد تصل للعمل العسكري المباشر. ولان الحال كذلك فان رئيس التحالف المعارض يؤكد ان القرار الاممي « سيجعل استقامة لطبيعة المهمة التي يقوم بها امبيكي»، وهى المهمة التي ينفي عنها ابوعيسى صفة «الوساطة» ويسميها ب» الوكالة»،معتبرا ان امبيكي يتعهد الان وكالة عن الاتحاد الافريقي ومجلس الامن في التنفيذ، وان قدرته على التغيير والتبديل على خارطة المجلس محدودة، ولذلك فان رئيس التحالف المعارض يرى ان فرص السيد امبيكي في النجاح الان بمهمته كبيرة . بيد ان رئيس التحالف المعارض كشف ل» الصحافة» ، في سياق متصل ، عن تقدمها بطلب اشراكها في العملية السلمية كطرف ثالث، وذلك عبر ايصال رسالة للسيد امبيكي اول من امس. وقال فاروق ابوعيسي ان القوى السياسية المعارضة تمثل الطرف الغائب والمغيب في بحث قضايا البلاد المصيرية،وهو الشعب السوداني، معتبرا ان سبب المشاكل التى تواجهها البلاد ابعاد الشعب السوداني عن اجواء «اتفاقية نيفاشا» ، واقصائه ممثلا في قواها الحية عن عملية تنفيذها السيئة، مما قاد الى ما تواجه البلاد الان، مؤكدا ان حرص المعارضة على السلام والتحول الديمقراطي جعلها تتقبل ذلك الاقصاء وتلك الثنائية من الطرفين في التوقيع والتطبيق، وتابع فاروق ابوعيسي : اما الان فلا شئ يجبرنا على تقبل الثنائية، ولن نرضى بغير ان نكون كممثلين للشعب كطرف ثالث في اي عمليات تفاوض او حوار او اتفاق . ورغم ان تجربة المواجهات السابقة بين « الخرطوم» و» جوبا» لا زالت ماثلة في الذاكرة، فان الموجهات العامة للخطاب السياسي في البلدين تتجه الى تعزيز الرغبة لديهما في الحلول السلمية للخلافات، لذا فان توقعات المراقبين تشير الى ان هذ الجولة لن تشهد مثل سابقاتها تعنتا وتصلبا في المواقف حول القضايا الخلافية. غير ان محللا سياسيا لصيقا بقضية العلاقات بين دولتي الشمال والجنوب، والملفات العالقة المرتبطة باوضاع ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، يملك رأيا مغايرا. فالدكتور صلاح الدومة يقول ل» الصحافة» ان امر نجاح المفاوضات من عدمها يرتبط بمقدار الضغوط الممارسة على الطرفين المتفاوضين من القوى العظمى، مردفا « درجة الضغوط على الطرفين هي من تحدد هل تفشل الجولة ام تنجح»، لكن الدكتور الدومة يرجح ، من جهته، فشل المفاوضات لاعتبارات كثيرة يراها ،ومنها عدم حاجة الخرطوم الان لعائدات النفط بقدر حاجة دولة جنوب السودان لها بفضل تدفق عملات حرة عليها، مضيفا : فضلا عن ان عملية الاتفاق على مناطق منزوعة السلاح على الحدود بين البلدين، يحقق للسودان كثيرا من مطالباته في الملف الامني، رغم مخاطر الخوض في تفاصيل انزال ذلك الاتفاق على ارض الواقع، ورغم بقاء مهددات حركات دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق. ويتابع المحلل السياسي : ثم ان الحلول الامنية لمشكلات السودان قدمت من قبل عبر اتفاق اديس ابابا ورفض الاتفاق من الحكومة، مما يطرح شكوكا حول موافقتها عليها الان عبر الضغوط الدولية. ويتطرق الدكتور صلاح الدومة، في معرض تقديمه للعوامل التي يرى انها ستؤدى لافشال المفاوضات، الى قضية اخرى ذات صلة بالاتفاق المنهار في اديس ابابا، وهى كيفية تسريح قوات الحركة الشعبية التي كانت تتواجد في الشمال، مشيرا الى ان « اديس ابابا» اقرت تسريحها على ان تتحمل الحكومة تبعات ذلك المالية، والى انها كانت من عوامل انهيار الاتفاق، ما يطرح تساؤلات كما يؤكد حول امكانية وكيفية معالجتها في هذه الجولة من المفاوضات.