قبل أن تبدأ في اديس ابابا عمليات تجهيز مقار وقاعات التفاوض لبدء الجولة المرتقبة هذا الاسبوع بين دولتي السودان وجنوب السودان، كانت الخرطوم قد اجرت تغييرات قد تبدو طفيفة في وفدها اذ دفعت بمسئولي العلاقات الخارجية والافريقية بالمؤتمر الوطني ابراهيم غندور ومحمد يوسف على التوالي الى قائمة المفاوضين، فيما لم تجرِ جوبا الى هذه اللحظة أي تغييرات وابقت على تشكيلة وفدها المفاوض بقيادة باقان أموم الذي تتهمه الخرطوم بأنه حجر عثرة في طريق السلام منذ الايام التي تلت توقيع الاتفاق، وظل باقان واجهة للتناكف المستمر بين الحركة الشعبية وقيادات الوطني بعد ذلك بمراحل. وربما يؤكد من ذلك تصريحات أمين الاعلام بالانابة بالمؤتمر الوطني ياسر يوسف بالاسبوع الماضي، فقد وصف يوسف باقان بأنه أضحى عنصرا اساسيا في انهيار جميع المحاولات الوفاقية والحيلولة دون التوصل الى حلول دائمة للقضايا العالقة، بيد ان الصورة لا تختلف على الضفة الاخرى أيضا فالاعلام الجنوبي يصنف قيادات وفد الحكومة المفاوض الى صقور وحمائم ، مما يعيد الى الاذهان ذات المصطلحات التي أطلقت ابان الشراكة في الحكم قبل الانفصال. ويرى كثير من المراقبين ان اضافة الدكتور غندور ومحمد يوسف الى الوفد تأتي في اطار تصور الخرطوم المسبق عن جولة التفاوض التي تصر الخرطوم على انطلاق صافرتها من الملف الامني بينما تتعنت جوبا وتصر على الانطلاق من ملف النفط، بينما ينتحي بعض المراقبين ناحية أخرى حيث يقول المحلل السياسي الدكتور حاج حمد ان الاضافات التي قد حدثت تمت حسب التشكيل الوظيفي لحزب المؤتمر الوطني حيث ان ابراهيم غندور هو مسئول العلاقات الخارجية بالحزب الحاكم ومحمد يوسف مسئول العلاقات الافريقية، ويضيف حاج حمد بان في اي تفاوض يجب اولا تأسيس استراتيجية للتفاوض وفق منهج علمي يبدأ من اختيار الاشخاص المتفاوضين ،مذكرا بان معاهد التفاوض الامريكية انتجت هنري كسنجر وسوزان رايس وغيرهما ، وان المهم في التفاوض هو وضع استراتيجية للتفاوض يعتمد عليها حتى لا نعود لنرفضها بعد ان قبلناها. ويشير الحاج حمد الى الدور الامريكي في هذه الجولة والذي يجب ان يعيه المفاوضون ، ثم يشير المحلل الى انقسام التوجه الامريكي نحو السودان الى جناحين الاول جناح الحكومة الامريكية التي تقبل التعامل مع حكومة السودان والثاني جناح الكونغرس الامريكي الذي يرفض التعامل مع حكومة السودان، بل ويعمل على اقتلاعها مشكلا حلفا قويا مع جوبا، وقال الدكتور حاج بان الحكومة السودانية في مواجهة هذا الواقع تتعامل مع الولاياتالمتحدة على أساس انها كتلة واحدة، ويضيف: ان عليى المفاوضين تحليل الواقع الماثل خاصة فيما يخص الجهات الداعمة للعملية التفاوضية والتي تضع في اعتباراتها مصالح حكومة جوبا، معتبرا ان القيد الزمني الذي حدد سابقا يجعل من مسألة «أهمية ما يناقش أولا» وضعا غير مجد ، وهذا ما دام قد تحدد الموعد النهائي للتوصل لاتفاق. واقترح المحلل السياسي تقسيم الوفد حسب الجولات التفاوضية ليشارك كل أهل اختصاص في القضية التي يخبرونها، وتساءل الدكتور عن عدم مشاركة شخصيات من الاحزاب الاخرى المشاركة في الحكومة في هذه الجولة من التفاوض قائلا: ان القضايا العالقة مع دولة الجنوب قضايا وطنية وان على المؤتمر الوطني اتاحة الفرصة للاحزاب المشاركة معه في السلطة لطرح رؤاها التفاوضية، ويرجع المحلل عدم اجراء تغيرات على وفد دولة جنوب السودان المفاوض الى ان هذا الوفد يحظى بثقة الولاياتالمتحدةالامريكية. وليس بعيدا عن ذات السياق يمضي حديث البروفسير حسن علي الساعوري استاذ العلوم السياسية، فقد اشار الى أهمية وضع منهج واستراتيجية للتفاوض تضع امام المفاوضين الخطوط الحمراء وتوضح الحد الادنى حتى لا تتضارب المواقف وتصبح عرضة لاجتهادات المفاوضين، وانتقد الساعوري التقسيم الشائع لمفاوضي الوفد الحكومي بين (صقور وحمائم) قائلا: العملية التفاوضية يجب ان لا تخضع لمثل هذا التقييم الشخصي ، مؤكدا على أهمية وجود مساحة يتحرك داخلها الوفد. ويشير الساعوري الى حقيقة ان الوفد المعلن للمفاوضات قبل التعديل هو وفد نيفاشا، ولهذا فهو يشدد على ايجاد خريطة تفاوضية تقود الجولة، ويؤكد الساعوري على ان الملف الامني يجب ان لا يرتبط باشخاص، مؤمنا على صحة موقف الحكومة في حل القضايا الامنية أولا مع الوقف التام للعدائيات وتنحية ملف النفط جانبا، وتابع الساعوري « في الاصل النفط تجارة ، يفتح الله ويستر الله «. ورأى الدكتور عبد الرحمن مدير المعهد الدبلوماسي بوزارة الخارجية ان الاضافة التي تمت في الوفد المفاوض تؤشر على ان الحكومة السودانية حريصة على انجاز مهام عملية التفاوض القادمة، حيث تعزز الاضافة من موقف رئيس الوفد المفاوض ادريس عبد القادر، رغم ان الرجل قد تشكل ضده رأي عام سالب في الفترة الماضية. ويضيف ابوخريس ان تشكيلة الوفد مهمة جدا في المرحلة القادمة وان اضافة شخصيات مقبولة تحقق الهدف الاساسي امر مطلوب، فغندور نشط في منظمات المجتمع المدني بحكم رئاسته لاتحاد عمال السودان، ومحمد يوسف سياسي مخضرم، وان اضافتهم كوجهين جديدين يمثلان الاعتدال السياسي،الى منبر التفاوض يعزز من فرص نجاح الجولة بخاصة وان الوفد مقيد زمنيا بفترة التسعين يوما، مما يتطلب شخصيات تمتلك قدرات ذهنية ومهارات تفاوضية عالية، نظرا الى ان القرار (2046) سيف مسلط للنيل من السودان بسبب أي خطأ يرتكب. ويشير مدير المعهد الدبلوماسي بالخارجية الى ان جولات التفاوض السابقة قد رسبت في أذهان كثيرين اقليميا ودوليا ان صلاحيات الوفد ليست كاملة، كما انها عززت داخل الوفد المفاوض نفسه فرضية عدم تقبل الناس لثمار مفاوضاته، وهو الامر الذي يعتبره الدكتور ابوخريس غير صحيح ، لان المفاوضات «أخذ وعطاء» وانه لابد من الجميع ادراك ابعاد المخاطر المترتبة على هذه المرحلة في ظل القرار الاممي، ولابد من ارسال رسائل تجعل المجتمع الدولي واثقا من جديتنا في التفاوض ، بمثل هذه التغييرات في وفدنا المفاوض.