هم الآن يرتبون صفوفهم ويسنون أقلامهم والبعض منهم ينتقي الآيات القرآنية المناسبة التي تجعل البعض يذرف الأدمع على مافعل وبعض خطب الجمعة قد تكون أعدت وملئت بعبارات شاكلة "من صادق الشيطان له من العذاب كثير". كل هذه الهواجس ستكون قابعة في غرف أفراد الوفد السوداني المفاوض في أديس أبابا هذه الأيام أمام مفاوضي دولة الجنوب بقيادة الأمين العام للحركة الشعبية باقان أموم الذي يعلم أنه يفاوض وفداً يعاني من ضغوط داخلية كبيرة خاصة في حالة وجوب التنازلات الكبيرة. إذا تجاوزنا جدلاً الصعوبات التي تمر بها المفاوضات الآن وتعنت الأطراف حتى في ترتيب الجدول التفاوضي وإذا كنا مفرطين في التفاؤل وجاء هذا التفاوض باتفاق أرضى الأطراف المتفاوضة فهذا لن يكون نهاية المطاف فالمتربصون بالتفاوض كثر وينقسمون بين أشخاص داخل الحكومة والمؤتمر الوطني ترفض تقديم أي تنازلات في التعامل مع دولة الجنوب وأشخاص خارج الحكومة لكن أصبح لها مؤخراً صوت عالٍ و"مدافع بعيدة التصويب" استطاعت إسقاط العديد من الاتفاقيات السابقة وهم ينقسمون بين منبر السلام العادل بقيادة الطيب مصطفى وبعض الجماعات الدينية التي تستغل منابر الجوامع لضرب الاتفاقات. أما المعسكر الخارجي الذي يستعد لضرب التفاوض أو أي اتفاق قد يأتي بين جوباوالخرطوم فهي الحركة الشعبية شمال السودان خاصة في مناطق جبال النوبة والنيل الأزرق بجانب الحركات المسلحة في إقليم دارفور فهذه المجموعات تتفق من ناحية مصلحية على أن لا يكون هنالك اتفاق بين الدولتين لأنه يأتي على حسابها. (1) الطيب مصطفى... سنقاوم أي اتفاق "منبطح"! قد يحوز رئيس منبر السلام العادل الطيب مصطفى بكل جدارة واقتدار على لقب "ناسف الاتفاقيات" فالرجل الخارج من عباءة المؤتمر الوطني مؤسساً لمنبره الذي قام على فكرة محددة وهي فصل جنوب السودان وعلى الرغم من نجاح الرجل في مهمته بكل جدارة إلا أنه أصبح الآن يلاحق أي محاولة للتقارب بين البلدين لدرجة أنه أصبح رقماً صعباً لايمكن تجاوزه في أي تسوية خاصة وأن لديه جهات ضغط يعتمد عليها في تعبئة الرأي العام. ربما المخاوف من الرجل تتركز في الوقت الحالي من إجهاض أي اتفاق جديد مع الجنوب يتم التوصل إليه خلال مباحثات أديس أبابا سيما وأنه ساهم بشكل كبير في إفشال الاتفاق الذي وقعه المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية قطاع الشمال والمتعارف عليه اختصاراً ب(اتفاق نافع – عقار) وهذا الاتفاق الذي لو كتبت له الحياة لما اشتعلت الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق، كما كان الطيب مصطفى واحداً من أسباب فشل اتفاق الحريات الأربة مع دولة الجنوب بسبب التصعيد المسبق الذي شنه على الاتفاق ووفد الحكومة المفاوض. لم يهدأ الطيب مصطفى طوال الأيام الماضية ولم يستطع "بلع" انسحاب القوات المسلحة من منطقة أبيي وهو الآن يراقب العملية التفاوضية بعين مفتوحة واضعاً مدافعه الثقيلة قيد "التعمير" لأي اتفاق لايرضي منبره. وفي رده على سير العملية التفاوضية يقول الطيب مصطفى في حديث ل(السوداني) إنه ليس مطمئناً لمسار التفاوض خاصة وأن الفريق المفاوض لم يتغير. وأضاف "لن يأتي خير من أولاد نيفاشا" – في إشارة للوفد السوداني- لأنهم ظلوا منبطحين منذ 2002م مشيراً إلى أن ماتسرب من التفاوض حول الحريات الأربع والجنسية المزدوجة أمر مستفز للشعب السوداني الذي خرج بعد تحرير منطقة هجليج رافضاً لأي اتفاق سابق مع دولة الجنوب. وأضاف بأن الشعب السوداني سيقاوم بشدة أي اتفاق "منبطح". وفي هذا يرى المحلل السياسي البروفيسور حسن الساعوري أن فشل جولات المفاوضات السابقة ليس بسبب الضغوطات الداخلية، وإنما لأن حكومة الجنوب لا تريد أن تصل لاتفاق كاستراتيجية ومحاولة نسفها لأي سبب من الأسباب. ويرى الساعوري أن تأثر منبر السلام العادل كان على اتفاقية الحريات الأربع باعتبارها اتفاقية وقعت، خلاف المفاوضات التي لا تريد الحركة الشعبية أن تصل فيها إلى اتفاق، وتساءل قائلاً كيف يمكن أن نصل إلى اتفاق على النفط والحرب دائرة؟ مؤكدا أن استراتيجية الحركة تتمثل في عدم الوصول إلى اتفاق حتى تنتهي فترة ال3 شهور التى حددها مجلس الأمن الدولي، مشيراً إلى أن مجلس الأمن الدولي لا صلاحية له في قضايا الثروة والنزاعات الداخلية. ويقول الساعوري إن منبر السلام العادل لا يشكل قوة حتى يؤثر على المؤتمر الوطني إلا إذا استطاع أن يحرك الرأي العام. ويرى أن أي قوة داخلية يفترض أن تكون داعمة في المفاوضات باعتبارها مصالح عليا وليست مصالح دنيا. (2) إسحاق أحمد فضل الله... القلم اللاذع! الكاتب الصحفي إسحاق أحمد فضل الله ارتبطت شخصيته واسمه بالجهاد والمجاهدين في عهد حكومة الإنقاذ سيما في توثيقه وكتابته وإنتاجه لمواد في برنامج (ساحات الفداء) الذي يعد موجهاً لخدمة قضايا محددة لدعم الحرب في الجنوب وقتها، الرجل يمكن القول أنه مستمر على ذات الدرب والأفكار التي يؤمن بها ويتمسك بالدعوة لها من خلال كتابته الراتبة في عدد من الصحف اليومية. يعد واحداً من الذين يمكن التخوف منهم في إبطال أي اتفاق مقبل مع الجنوب أو قطاع الشمال داعماً ومسانداً لرفيقه في الفكر الطيب مصطفى حيث يشكلان منظمة ضغط قوية متخصصة في إفشال الاتفاقيات السابقة والتخوف من أي اتفاق قادم. (3) المسيرية يصرخون في آذان مفاوضي السودان... أبيي خط أحمر! حلقة التفاوض قد لا تكتمل فصولها إذا لم تأتِ رياحها في صالح المسيرية من أهل أبيي المتنازع عليها مع دولة الجنوب خاصة وأن المسيرية هذه الأيام يكتمون احتجاجهم على انسحاب القوات المسلحة من المنطقة تاركة الأمر للقوات الأثيوبية ويتخوف المسيرية من أن تأتي المفاوضات بتسوية لا تصب في صالحهم لذلك سيشكلون أيضاً منصة لضرب أي اتفاق يضر بمصالحهم خلال تفاوض أديس أبابا ويقول في هذا القيادي بقبيلة المسيرية محمد عبد الله ود أبوك في حديث ل(السوداني) إن التفاوض الحالي يأتي برقابة دولية وضغوطات كبيرة على الطرفين خاصة الحكومة السودانية مبدياً تخوفه أن تأتي تلك الضغوطات خصماً على المسيرية ومنطقة أبيي مضيفاً بأنهم مع السلام والاستقرار باعتباره خيار استراتيجي إلا أنه يجب أن يحترم حق المسيرية في الأرض والوجود في منطقة أبيي مشيراً إلى أنه ليس من مصلحة الحكومة أن تقدم تنازلاً في ملف أبيي لأن وقتها لن تواجه المسيرية بل الشعب السوداني كله-على حد قوله- وأنه لامجال للتنازل عن الأرض خاصة في ظل سعي الحركة الشعبية لابتلاع المزيد من الأراضي مضيفاً بأنهم يريدون علاقة طيبة مع الجنوب ولكن وفق معادلة واضحة لاتظلم أحداً. (4) إدريس عبدالقادر والسلفيون... الشهد والدموع! في ظل الأجواء الإسلامية التي عيش فيها نظام الإنقاذ الشعب السوداني وترك الباب مفتوحاً للقوى السلفية الأصولية للتمدد على نطاق واسع في البلد أصبح لها مؤخراً دوراً مؤثرة في الحياة السياسية خاصة في العلاقة مع دولة الجنوب وشكل الاتفاقيات التي توقع معها وهي شكلت حلفاً قوياً مع الطيب مصطفى ومنبره الانفصالي في الفترة الأخيرة حيث نجحا في نسف اتفاق "نافع..عقار" بجانب اتفاق المبادئ والحريات الأربع. ورئيس وفد التفاوض إدريس عبد القادر عقب عودته باتفاق المبادئ والحريات الأربع وجد جوامع الخرطوم كلها تفتح عليه النار دون إنذار ولم يتمالك نفسه لدرجة "ذرف الدموع" عقب خطبة قوية من الشيخ محمد حسن طنون الذي وصف الاتفاق وقتها "بكامب ديفيد" أخرى وهذا الأمر سيكون أيضاً من ضمن مهددات مفاوضات أديس أبابا الجارية الآن وقد يسبب تشويشاً كبيراً على أي تسوية ممكنة مع دولة الجنوب إذا علم الجميع أن المفاوضات من شروط نجاحها تقديم جزء من التنازلات. (5) الجبهة الثورية... راجمات 24 ماسورة! من أقوى الأطراف التي تهدد المفاوضات في أديس أبابا ولاتريد نهاية سعيدة لها قوات الجبهة الثورية التي تجمع بين قيادات الحركة الشعبية في الشمال بقيادة الفريق مالك عقار والفريق عبد العزيز الحلو بجانب الحركات المسلحة لإقليم دارفور وهم مشتركون في حربهم ضد الخرطوم يستفيدون بطبيعة الحال من حالة التوتر بين جوباوالخرطوم وفي الوقت الذي يدفع فيه مفاوضو السودان بالملف الأمني مقدماً على كافة الأجندة الأخرى يقصدون بذلك قطع جوبا أي علاقة لها بهذه الحركات على الرغم من نفي الأخيرة لهذا الأمر في ذات الوقت تسعى الجبهة الثورية لزيادة عملياتها العسكرية لتضغط على العملية التفاوضية سعياً لنسفها لذلك "راجمات 24 ماسورة" ستكون منصوبة صوب أديس أبابا بقوة. ويرى الساعوري أن الحركات المسلحة ستسعى لنسف الاتفاق لأنها لا تريد فك ارتباطها مع الجنوب وأنها تريد أن تسقط الحكومة في الخرطوم لذلك لديها مصلحة في التأثير على المفاوضات وعدم الوصول لاتفاق. هذا البريد الإلكتروني محمي من المتطفلين و برامج التطفل، تحتاج إلى تفعيل جافا سكريبت لتتمكن من مشاهدته