لا احد يستطيع ان يتكهن ما الذي سيحدث في مصر بغضون الاسابيع القادمة، فقد اعادت النتائج المفاجئة للجولة الاولى من انتخابات الرئاسة المصرية انتاج المشهد السياسي المصري ما قبل الثورة الى الواجهة، وبانتهاء عمليات الفرز الرسمية اضحى من المؤكد انحصار التنافس حول مقعد الرئيس، في جولة الاعادة منتصف الشهر القادم، بين مرشح الاخوان المسلمون وأحد الرموز البارزة في مصر مبارك. وكشفت الارقام غير الرسمية المعلنة للصناديق عن فارق ضئيل بين ما حصل عليه مرشح الاخوان محمد مرسي « 25%» وما حصده الفريق شفيق « 24%»، مما يشي بان جولة الاعادة لن تكون سهلة بين المرشحين بخاصة في ظل الاستقطاب الحاد بين الاطراف المختلفة، فمؤيدو الثورة والتغيير الكلي يدعون لعزل شفيق والغاء نتائجه في الانتخابات،ويهددون بثورة جديدة حال وصل للرئاسة، ومن ناحية اخرى يتهمون «الاخوان» بسرقة مكتسبات الثورة وتجيير المرحلة الانتقالية لصالحها، وفريق اخر من المصريين يرى في «الفريق شفيق» ركيزة لاعادة الاستقرار والامن المفقودين، بينما يقف فريق ثالث حائرا بعد سقوط مرشحي الثورة حمدين صباحي والدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح، ولا يدري من يدعم في الجولة الثانية : رئيس وزراء مبارك ام مرشح الاخوان؟. تؤكد الباحثة في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية الدكتورة اماني الطويل بان الاتجاه العام في الشارع المصري مقاطعة الجولة الثانية من الانتخابات تماما في حال اسفرت النتائج الرسمية عن صعود « شفيق» و « مرسي» تلك الجولة، مشيرة ان قطاعات واسعة من الشعب المصري ترى ان الانتخابات لم تعكس قضاياها او تعزز من صعود القوى المناط بها تحقيق نهضة مصر، وتقول اماني الطويل ان هنالك عدة مشكلات تقف امام تقبل الشارع لوصول مرشح الاخوان للرئاسة منها ان « محمد مرسي» محسوب على العناصر الاكثر تشددا في « الجماعة» وانه ليس الاكثر تنفذا فيها ،فضلا عن البيعة المعلقة على رقبته بالسمع والطاعة لمرشد « الاخوان»، وتتابع الباحثة في مركز الاهرام حديثها ل» الصحافة» قائلة: لازال الشعب المصري غاضبا فالنتائج المعلنة كانت مفاجئة، ولم يتوقع احد ان يحل المرشح حمدين صباحي ثالثا، خلف مرشح ضرب بالاحذية في الشمال والجنوب، في اشارة لشفيق، وله موقف من الحريات العامة وحق التظاهر والاضراب، ولا يملك في برنامجه نمطا محددا للتنمية الاقتصادية. واشارت الدكتور الطويل الى ان حمدين صباحي كان يواصل الصعود كالصاروخ، بفضل برنامجه الذي يتركز حول « العدالة الاجتماعية»، وانه قد انحازت له بسبب ذلك فئات اجتماعية واسعة بالاضافة الى النخب المصرية. وتؤكد الباحثة في الاهرام ان النتائج المعلنة تعبر عن حالة الاستقطاب الحاد التي حدثت بين دعاة الدولة المدنية في مصر وانصار المشروع الديني، وان التصويت في الجولة الماضية مضى في هذا الاتجاه، واضافت الدكتورة اماني الطويل: ربما كان هذا ما دفع بالاقباط الى دعم شفيق، لكن كان هنالك ايضا تصويت عقابي لجماعة الاخوان على ادائها وممارستها السيئة في البرلمان. الا ان الباحثة عادت لتشير ان النتائج المعلنة مجرد مؤشرات وان مرحلة الطعون بعد اعلان النتيجة الرسمية قد تحدث مفاجآت، نظرا لضآلة الفروق بين المتنافسين، ولوصول شكاوى الى اللجنة الانتخابية المعنية بتصويت قرابة مليون مجند خلافا للقانون الذي يحظر مشاركتهم. ويقول الدكتور خالد التجاني، محللا نتائج الجولة الاولى من الانتخابات، بان بلوغ مرشح الاخوان جولة الاعادة كطرف ثاني كان امرا متوقعا نظرا لحضور الجماعة القوى في الانتخابات التشريعية المصرية، لكنه يعد وصول الفريق شفيق الى هذه الجولة «مفاجأة» حقيقة في ظل تجاوزه لمرشحي الثورة حمدين صباحي وعبدالمنعم ابو الفتوح. واعتبر المحلل السياسي ان ماحدث في الجولة الماضية من الانتخابات تأكيد على ان ثورة مصر لم تكن مكتملة، وذلك كونها نجحت في اسقاط رأس النظام وابقت علي جسده موجودا، بدليل ان المجلس العسكري ظل يحكم مصر منذ اندلاع الثورة حتى الان. ورجح الدكتور خالد التجاني ان يكون من اسباب نجاح « الفريق شفيق» في الجولة الاولى، التصويت العقابي ضد « الاخوان» بسبب عدم الرضى من ادائها غير المقنع في البرلمان، فضلا عن انقسام كتلتها التصويتية بفعل ترشح عضوها السابق الدكتور عبدالمنعم ابوالفتوح للرئاسة، وتابع المحلل السياسي بالاشارة الى ان انتماء الفريق شفيق الى النظام السابق وفر له دعم مؤيديه وانصاره بخاصة من تضررت مصالحهم بعد سقوطه، بالاضافة الى دعم من احسوا بان «الثورة» كرست لعدم الاستقرار في مصر. وفي غضون كل ذلك تعمل الجماعة التي كانت محظورة على اعداد المسرح السياسي لبلوغ مرشحها مرسى المقعد، فقد دشنت «الاخوان المسلمون» فور اعلان المؤشرات العامة للانتخابات حملة منظمة من اجل حشد دعم كل القوى السياسية لمرشحها في جولة الاعادة،وأعلن القيادي في جماعة الإخوان، عصام العريان، أن مرسي دعا عددا من مرشحي الرئاسة والشخصيات السياسية والوطنية إلى المشاركة في لقاء تشاوري مساء امس السبت، بهدف التشاور والتنسيق بشأن أفضل السبل لإنقاذ الثورة ومواجهة التحديات التي تنتظر البلاد في الفترة المقبلة. وشدد العريان في مؤتمر صحفي بالجمعة على أن الجميع -بمن فيهم جماعة الإخوان المسلمين- يجب أن يتقاسموا هموم استكمال أهداف الثورة وقطع الطريق على محاولات إعادة النظام القديم. وقالت مصادر في العاصمة المصرية ان من بين المدعوين من قبل الجماعة المرشح الإسلامي المستقل عبد المنعم أبو الفتوح والمرشح الناصري حمدين صباحي. وتقطع الخطوة الاخوانية بان الجماعة تريد الاستثمار في روح العداء التي تكنها القوى السياسية لرموز نظام مبارك، من اجل ضمان وصول محمد مرسي الى قصر العروبة، وهو ما يحاول المرشح الاخر ابطاله باستماتة عبر الاشارة الى «تاريخه الطويل في خدمة بلاده»، والتزاماته بالمحافظة على مكتسبات الثورة المصرية، غير ان ادراك الفريق شفيق لخطورة نجاح « الاخوان» في توحيد القوى المختلفة ضده، دفعه الى مغازلتها بالجمعة عبر التأكيد على عدم ممانعته في تشكيل حكومة برئاسة الإخوان المسلمين. وفي ذات الوقت تنذر تهديدات الائتلافات واللافتات المختلفة لشباب « الثورة» بالعودة الى الميدان، بدخول مصر الى مرحلة جديدة من عدم الاستقرار وربما دوامات من العنف، لجهة ان مقعد الرئاسة كان طوق النجاة لمن ينتظرون ان تتوج الثورة بجلوس احد رموزها على المقعد الاول في البلاد. وقد انطلقت بالفعل ظهر ومساء السبت احتجاجات في اماكن مختلفة على نتائج المرحلة الاولى من الرئاسية، وحذر اتحاد شباب الثورة في بيان بالسبت من « ثورة أخرى ستندلع إذا فاز شفيق بالانتخابات، وأن الشعب لن يقبل رئاسته». بيد ان الدكتور خالد التجاني يقول ان من الصعب النقض في نتائج هذا الانتخابات او التشكيك فيها، مذكرا بان قواعد اللعبة السياسية تؤكد بان الطرف الاكثر تنظيما هو من يفوز في الانتخابات، ومشيرا الى ان شباب الثورة المصرية لم ينظموا صفوفهم او يحكموا التنسيق استعداد للمعركة الانتخابية، ولا ادل على ذلك من وجود مرشحين لهما حصلا في المجموع على عدد مقدر من الاصوات يفوق ما حصل عليه مرشح الاخوان محمد مرسي، وتابع المحلل السياسي: لو التفوا حول مرشح واحد لحسموا الانتخابات من الجولة الاولى. ويعود الدكتور خالد التجاني ليقلل من تهديدات شباب الثورة المصرية بالعودة الى الشارع، مستندا على وجود انشقاقات في القوى الثورية نفسها، ومؤكدا على عدم صواب تلك التهديات لان الثورة كانت من اجل الديمقراطية، والاخيرة كما يضيف لها آليات معينة على رأسها صندوق الانتخابات. لكن الباحثة في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية تعود لتقول ان مطالب الشباب ربما تكون واقعية، وهذا لان مطالب الثورة خاصة على الصعيد الاقتصادي لم تتحقق، وتوضح الدكتورة اماني الطويل « لقد تم تأجيل المحاكمات ولم يتم تفعيل عملية استعادة الاموال المهربة، وغيرها من القضايا الملحة»، كما تشير الباحثة في مركز الاهرام للدراسات الاستراتيجية الى وجود تفسير سائد في اوساط مختلفة لحالة السيولة الامنية في مصر بعد الثورة بانها مقصودة وفقا لمنهج مؤسس على تكريس عدم الاستقرار وزرع المخاوف الامنية لدى الناس لدفعهم من اجل اختيار رئيس من الجيش، وتضيف الدكتور اماني الطويل : حالة الغضب ما زالت ماثلة وقد تكون تلك التهديدات حقيقية.