ظن كثير من الناس أن ربيع الثورات العربية سوف يغيّر المجتمعات رأسا على عقب، وأن الأمور ستأتي وفق الرياح التي يشتهيها الثورة والثوار.. إلى أن جاءت الانتخابات الرئاسية المصرية، لتكشف عن واقع مختلف تماما.. والأسباب بكل بساطة هي عدم فهم الواقع المتصل بقوانين عملية التغيير، والسلوكيات السلبية والأنانية للأحزاب والجماعات المحسوبين على الصف الثوري. ليس إحباطا أو مبالغة أن أقول، إنني لم أعد أستبعد أن يكون الرئيس القادم لمصر هو أحمد شفيق، بعد أن أثبت أنه منافس قوي جدا في الدورة الأولى للانتخابات، فمن تمكن من الحصول على ما يقرب من ربع أصوات من يحق لهم التصويت، ولم يكن بينه وبين مرشح أقوى كتلة في المعارضة والشارع المصري، سوى نسبة ضئيلة جدا، لا يستغرب أن يتمكن من رفع حصته في الجولة الثانية، طالما أنه ثبت أن هناك في الشارع من يصوّت له، وطالما أن سلوكيات أحزاب المعارضة والكتل الثورية الشبابية وتناقضاتها، أعانته على ذلك، ومهدت له الطريق بسهولة. ما ينبغي قوله أن التغيير في المجتمعات عملية تربوية طويلة، وعادة ما يأتي الحل الثوري ليختصر جزءا من مشوارها، أو يعطي دفعة مهمة لانطلاقتها، ولكنه إن لم تصاحبه جهود تغييرية تربوية وسلوكية عميقة على مستوى القاعدة الجماهيرية، فقد يتوقف التغيير، أو يتجمد عند درجة معينة، أو يؤدي إلى حالة نكوص، مرة أخرى، والارتداد نحو الخلف، والحديث بالتالي عن نجاحات للثورات المضادة، أو الاتجاهات المعاكسة للتغيير والتجديد، وفي التاريخ القريب والبعيد شواهد كثيرة. وسواء نجح شفيق بسبب تشبث البعض بشبكة المصالح القديمة، أو بسبب سذاجة وجهل العامة التي صدّقت خطابه المراوغ، كإعادة الأمن المفقود، أو إعادة الثورة التي خطفت إلى أصحابها، أو بسبب شراء الأصوات أو بسبب فشل المعارضة بإقناع الناس بخطابها وبرنامجها والوصول إليهم، فالنتيجة واحدة، وهي التي جعلت الناس يصحون على واقع مفاجئ ومذهل. أما أحزاب المعارضة التقليدية والجماعات والتشكيلات الثورية، فالحديث عنها يطول، وهي باعتقادي من تتحمل الوزر الأكبر، في تقدم شفيق في الجولة الأولى، وهي من ستتحمل الوزر بصورة كبرى، فيما لو وصل إلى سدة الحكم لا سمح الله، والسبب ما يلي: العقلية الفردية، والروح الأنانية، وعدم تقديم القواسم المشتركة ومصلحة الجماهير والثورة على المصالح الحزبية والشخصية، وقد تبدى ذلك واضحا من قبل كل الفرقاء: فالإسلاميون عجزوا فيما بينهم على الاتفاق.. سواء الإخوان، أو الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح المنشق عنهم، فلم يتنازل أي منهم للآخر، وانقسمت مجاميع السلفيين والجماعة الإسلامية في التصويت بين الدكتور مرسي والدكتور أبو الفتوح. ارتكب الإخوان المسلمون خطأ استراتيجيا عندما بدوا كمن استغنى عن شركاء النضال الثوري، فانفردوا خلال مرحلة العمل السياسي بعدد الثورة برئاسة لجان البرلمان أو اللجان المهمة فيه، وتعاملوا بأنانية في لجنة الدستور، وانفردوا بخطوة الترشيح لمنصب رئاسة الجمهورية، وشاع عن بعضهم أن " الإخوان سيفوزون حتى لو رشَّحوا كلباً أجرباً " وهي علامة غرور غير محمودة! رفض الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح وحمدين صباحي تنسيق جهودهما الانتحابية، وتنازل أحدهما للآخر، رغم أنهما صديقان على المستوى الشخصي. بعد أن اتضح فوز مرسي في الجولة الأولى رفض أبو الفتوح وحمدين صباحي حضور دعوة اجتماع دعت إليه جماعة الإخوان المسلمين لتنسيق جهود الدورة الثانية للانتخابات بحجة وجود طعون، وعدم ظهور النتائج الرسمية. اتخاذ حملة حمدين صباحي قرارا بعدم دعم أي من المرشحين وللناخب حرية اختيار مرسي أو شفيق، تصوروا والكلام لأحمد كامل المنسق السياسي لحملة صباحي في تصريح لقناة العربية، بعد ظهور النتائج الرسمية للانتخابات. وضع تشكيلات شبابية شروط مسبقة لدعم مرشح الإخوان في جولة الإعادة منها تشكيل مجلس رئاسي يكون فيه شخصية ليبرالية وقبطية وقومية.. وامرأة!! دعوة بعض التشكيلات الثورية الشبابية للنزول إلى ساحة التحرير بالقاهرة لمهاجمة الفلول والإخوان، بعد الإعلان عن النتائج الرسمية، ووضعهما في سلة واحدة. وإذا كان الحال كذلك، فلن أكون متفائلا كثيرا بأن تعيد المعارضة والتكوينات الشبابية الثورية حساباتها قبل جولة الإعادة، الشهر المقبل، وأن تلمّ مصيبة شفيق شملهما، للتنسيق والتعاون، والتركيز على القواسم المشتركة بدلا من مزيد من الشرذمة. قدمت المعارضة المصرية نموذجا متخلّفا مؤلما، وسقطت في أول امتحان تواجهه، لذا نتمنى عليها أن تتجاوزه، كما نتمنى أن تستفيد معارضات دول الربيع العربي منه، وتعمل على تجنبه، وعدم تكراره، وبخاصة المعارضة السورية التي يبدو أنها أسوء حالا، رغم أنها لا تزال تصارع أعتى الأنظمة، وكان ومازال بإمكانها أن تتوحد على إسقاط النظام وحماية شعبها.. فهل من مدّكر أو متعظ أو معتبر. المصدر:الشرق القطرية 30/5/2012م