هذه نهاية عامٍ ثانٍ وثالث ورابع، وأنت خارج السرب.. خارج إطار الزمن، يا بوح الأرواح «يا لجفاف أيام الغربة»، كم من زمن ضاع بلا جدوى، بلا لون ولا طعم ولا رائحة؟ نحن المهاجرون، شموس تنطفئ في صمت، نحن المسافرون بلا زاد، إلا الخيال الجامح، والصبر المالح، والدمع القارح، والوحدة نسكبها حروفاً من حشاشاتنا المجروحة.. ويحها أيام الحبس والسجن والقيد: قيد القلوب، وقيد الجيوب، وقيد الوحشة التي تسامرنا في الليالي الباردة المظلمة، وساعاتها الكئيبة.. لن نتعذب في سجن آخر، ولن نتعرى في أتون فاجر، ولن نظمأ من هجير غادر، فكفى ما سقتنا إياه أيام الوحشة: اختصرها الشاعر في أبياته المعبّرة: أيام بتمر.. ووراها ليالي سقتني المر.. وأبت تصفالي لا حظ بسَّام.. لا عطفك دام وتمر أيام .. أيام وليالي ازدهت الأرض بالمطر، وضحكت الأشجار بحباته وهي تشفي غلتها، وارتوت القلوب بالصفاء، وسالت أودية، وتدفقت بكل معاني الحياة، فأين أنت أيها «المهاجر» من فرحة الأرض؟ علها تغشاك، وتضحك في وجهك الباسم، وترسم لوحة لدواخلك الندية المفعمة بالبراءة والألق تبحث عن الوطن الذي تمثله «نخلات على الجداول»، ومطر السواري، وزهورٌ برية ٌندية ٌمغسولة ٌ بماء الطيبة والنقاء، والأمان الذي يلف الكون بالسكينة المتجذرة في دواخل من يحبونه، فهو حمامة السلام، ودوحة الظل، وقيثارة الأحلام، ومرتع الصبا البعيد في طيات الزمان.