بلومبيرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا    مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية    سوق العبيد الرقمية!    صلاح في مرمى الانتقادات بعد تراجع حظوظ ليفربول بالتتويج    أمس حبيت راسك!    راشد عبد الرحيم: وسقطت ورقة التوت    وزير سابق: 3 أهداف وراء الحرب في السودان    علماء يكشفون سبب فيضانات الإمارات وسلطنة عمان    معتصم اقرع: لو لم يوجد كيزان لاخترعوهم    (المريخاب تقتلهم الشللية والتنافر والتتطاحن!!؟؟    الصين تفرض حياة تقشف على الموظفين العموميين    وكالة الفضاء الأوروبية تنشر صورا مذهلة ل "عناكب المريخ" – شاهد    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    والي ولاية الخرطوم يقف على إنجاز الطوف المشترك لضبطه متعاونين مع المليشيا ومعتادي إجرام    "منطقة حرة ورخصة ذهبية" في رأس الحكمة.. في صالح الإمارات أم مصر؟    مصادر: البرهان قد يزور مصر قريباً    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    برشلونة: تشافي سيواصل تدريب الفريق بعد تراجعه عن قرار الرحيل    إيفرتون يصعق ليفربول بثنائية    لطرد التابعة والعين.. جزائريون يُعلقون تمائم التفيفرة والحلتيت    إقصاء الزعيم!    الحلم الذي لم يكتمل مع الزعيم؟!    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    حدثت في فيلم كوميدي عام 2004، بايدن كتبوا له "وقفة" ليصمت فقرأها ضمن خطابه – فيديو    السودان..رصد 3″ طائرات درون" في مروي    كواسي إبياه سيعيد لكرتنا السودانيةهيبتها المفقودة،،    في أول تقسيمة رئيسية للمريخ..الأصفر يكسب الأحمر برعاية وتألق لافت لنجوم الشباب    خادم الحرمين الشريفين يدخل المستشفى    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    شاهد بالصورة والفيديو.. شاب سوداني يترك عمله في عمان ويعود للسودان ليقاتل مع الجيش في معركة الكرامة.. وثق رحلته من مسقط حتى عطبرة ليصل أم درمان ويحمل السلاح ويطمئن المواطنين    شاهد بالصورة والفيديو.. "دعامي" يظهر في أحضان حسناء عربية ويطالبها بالدعاء بأن ينصر الله "الجاهزية" على "الجيش" وساخرون: (دي بتكمل قروشك يا مسكين)    شاهد بالصورة والفيديو.. إعلامية مصرية حسناء تشارك في حفل سوداني بالقاهرة وتردد مع الفنانة إيلاف عبد العزيز أغنيتها الترند "مقادير" بصوت عذب وجميل    تطعيم مليون رأس من الماشية بالنيل الأبيض    إثر انقلاب مركب مهاجرين قبالة جيبوتي .. 21 قتيلاً و23 مفقوداً    العين إلى نهائي دوري أبطال آسيا على حساب الهلال السعودي    مدير شرطة ولاية نهرالنيل يشيد بمجهودات العاملين بالهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الإثنين    صلاح السعدني ابن الريف العفيف    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب ... وفن الحرب(2-2)

8/ لا تندلع الحرب، مهما كانت بسبب عامل منفرد، فالحروب تندلع نتيجة التقاء عوامل متعددة مثل: التنافس على السلطة، النزاعات الحدودية، التوترات العرقية، التوترات الدينية، التوترات الثقافية، الانتقام، تفاوت الثروات وقضايا اقتصادية اخرى، التنافس على الموارد البيئية واذلالها، ضعف الحكومات، تفاوت القوى الملحوظ بين الاطراف المتقابلة، اخفاق المفاوضات، وغيرها من القضايا السياسية والامنية والاقتصادية والاجتماعية والتدخلات الدولية. كثيراً ما تعتبر إحدى هذه القضايا اساسية، أو يستخدمها القادة لتعزيز مساندة الشعب لهم، لكنها قد لا تكون كافية ما لم يضعف احتمال نشوب الحرب نتيجة وجود بعض القضايا الاخرى فضلاً عن ذلك، ربما تكون سلسلة الوقائع طويلة، غير مباشرة ومتعرجة، وعلى سبيل المثال قد يستمر تناقل الالم عبر اجيال كثيرة، وربما يقود نقص الموارد الى الفقر، ويقود الفقر الى الهجرة، وتقود الهجرة الى العنف ، لا يمكن ايجاد اسباب الحرب على أى مستوى من مستويات الشرح التقليدية-( الافراد او الدول أو النظام العالمي). ومن الضروري تحليل الروابط الموجودة بين هذه المستويات واستكشاف كيفية ارتباط الحرب بها من خلال العمليات الثقافية والجماعية، ومن خلال علاقات الافراد فيما بينهم، وصولاً الى نزاعات الافراد الاساسية.
9/ الحروب متنوعة، ولا يمكن ايجاد تعريف واحد لمقومات الحرب مقبول من الجميع ولهذا السبب وحده لا يمكن لاحد ان يتوقع ان تكون اسباب الحروب بسيطة، ومهما تكن الاسباب، فان الحروب تُسفر دائماً عن ضحايا كثيرة واصابات وخسائر عسكرية ومدنية عالية جداً.
فن علم الحرب
01/ ثمة عسكريون ومثقفون يتشددون بتسمية الحرب ( بعلم الحرب) وثمة اخرون وهم الاغلبية يسمونها (بفن الحرب) (فن الحرب) . وكثيراً ما دارت مناقشات حول هذه التسمية لأنها هنا ليست مجرد خلع اسم ما على موضوع، وانما لأنها تحمل في طياتها موقفاً من موضوع الحرب، هل ينظر الى مجال الحرب كمجال خاضع للدراسة العلمية والخروج بالقوانين العلمية التي تحكمه؟ ام ينظر اليه كمجال لا يستطيع العلم معرفة وضبط قوانينه وبالتالي فهو ضمن مجال الفن لا العلم؟ في الواقع ثمة صراع منذ امد طويل في المجال الفلسفي والثقافي حول مسألة الظواهر الاجتماعية (ومن ضمنها الحرب) هل هى محكومة بقوانين في حركتها يمكن اكتشافها ومن ثم التحكم فيها. ام هى تراكم عرض للاحداث لا تخضع للدراسة العلمية لأنها غير محكومة بقوانين في نشوئها وتطورها وآليات حركتها وزوالها؟ وهذا الاتجاه الاخر عبر عنه واكد (سورين كيركفادو) 3181م-5581: واكد ان الضرورة أو القانون ينطبقان على الذرات أو على المادة غير الواعية، واما البشر والمجتمع فلا ضرورة ولا قوانين تحكم حركتهما وفي اتجاه اخر يعتبر كل من سيكون، ديكارت اسبينوزا، كانط، هيجل، ماركس فقد اعتبر هؤلاء التاريخ الانساني والنشاط الاجتماعي والظواهر الاجتماعية ليست مجرد تراكم عرض للاحداث، وليست مجالات لا يمكن فهمها واكتشاف القوانين التي تحكم حركتها. وبكلمة اخرى ان حركة المجتمع ومختلف ظواهره تقع ضمن مجالات العلم. وعليه بذلت المحاولات الاجتماعية والسيكولوجية وكذلك الحرب، وحين تستخدم كلمة علم في دراسة أى ظاهرة اجتماعية واكتشاف قوانينها، يجب الا تفهم بالمعنى الضيق للعلم الذي ينطبق على المجالات المادية الطبيعية، لأن قصر العلم على المجالات التي يمكن ضبطها بقوانين تنطبق على كل حالة جزئية من حالات الظاهرة الواحدة- بمعنى تكرار الظاهرة- يستبعد العلوم الانسانية، كما يستبعد مجال الحرب. وأما اذا حمل العلم تعريفاً أوسع ليكون بمقدوره دراسة الظاهرة الاكثر تعقيداً، خاصة دراسة الظواهر التي لا تكرر نفسها على صورة واحدة في عملية حركتها وتطورها، عندئذ يكون بمقدوره اخضاع مختلف الظواهر الاجتماعية- بما فيها الحرب- الي منهج علمي في الدراسة واستنباط اتجاه كل ظاهرة ونسبتها في حركتها الحاضرة والمستقبلية، ومن ثم معالجتها بالرغم من انعدام صفة التكرار. وعليه فإن ظاهرة الحرب عبارة عن تداخل وتشابك وترابط بين مجموعة كبيرة من العناصر وتأثير هذه العناصر على بعضها البعض ومدى أهمية كل عنصر ليست مقادير ثابتة- متكررة- في كل حرب أو في كل معركة. ولهذا فإن القوانين التي تحكم كل حرب وكل عملية ومعركة تختلف في كل حالة. وهذا ما جعل ضبط كل الحالات بقوانين تقيمها كما لو كانت قوالب حديدية أمراً محالاً وخاطئاً، وهذا ما جعل الاتجاه الذي يعتبر الحرب علماً يسميه فناً. وهذا ما جعل الاتجاه الذي يعتبر الحرب علما يعطي لمفهوم العلم في هذا المجال معنى اوسع من مفهومه في العلوم الفيزيقية، فيجعله جمعاً بين علم وفن.
11/ ان علم لا يقتصر على دراسة اساليب الحرب واشكالها أو كل ما يتعلق بالاستراتيجية بشكل عام فحسب، ولا يقتصر بدراسة المسائل المتعلقة بخوض الاعمال القتالية المرتبطة بفن العمليات والتكنيك فحسب، وإنما يشمل ايضاً المسائل النظرية بالاستراتيجية علم والتكتيك وعلى الاصح انه يكتشف القوانين الموضوعية لهذه المسائل. وهذه القوانين لا تتصف بالغالبية ولا تشتق وفقاً للرغبات الذاتية. ولكنها تنبع من شروط موضوعية كثيرة يقف على رأسها تطور التقنية وقوى الانتاج، والنظام السائد والشروط الاجتماعية والسياسية في كل فترة تاريخية، اذ يكفي ظهور تقنية عسكرية عالية، او يحدث تغيير جذري في النظام السياسي والاجتماعي، أو تغير من القوى المسيطرة حتى تنشأ قوانين جديدة في الحرب. وهذا بدوره، أو على التحديد اكتشاف هذه القوانين الجديدة، هو الذي يعطي أهمية كبرى للنشاط العقلاني- أو على الاصح للعامل الذاتي- في الحرب، ويجعل من الحرب فناً ماهراً يحتاج الى الابداع والابتكار أو الى ما يسمى (بشعلة العبقرية) لهذا فان التأكيد على القوانين الموضوعية التي تحكم الحرب لا يلغي دور العالم الذاتي بل يؤكده، كما ان التأكيد على دور العالم الذاتي أو فن القائد والضباط والجنود في الحرب لا يلغي تلك القوانين الموضوعية بل يؤكدها ويرتبط بها.
21/ ان واقع الحرب يعتبر أمراً شديد التعقيد، ومن ثم يحتاج الى مستوى من التجربة والذكاء اعلى من تلك التي يحتاجها البحث العلمي المختبري لأن اصدار حكم واخذ اجراء في المعركة لا يتيح إعادة التجربة، ففي المجال العسكري لانفاذ التجربة في المعركة الواحدة بعد ان يكون المحظور قد وقع، وتغيرت نسب كل العناصر التي كانت معطاء، واذا اضفنا دور العامل النفسي والمعنوي والانساني الذي يبدل في كثير من الاحيان قوانين علم الحرب على اعتبار ان الاداة الاساسية في القتال هى الانسان ووعيه وعواطفه وشجاعته وخوفه ولمحات عبقريته والقضية التي يقاتل من اجلها. وهذه كلها ليست مقادير يمكن تعدادها كمياً أو ضبطها بقوالب جامدة. ومن ثم هى التي دفعت الكثيرين الى اعتبار علم الحرب اقرب الى الفن. وذلك بالرغم من ان هذه ايضاً لم تعد بعيدة من تناول علم الاجتماع وعلم الثورة والسياسة، خاصة بعد توفر الحصيلة النظرية العلمية المتولدة من تجارب الحروب الثورية في الصين وفيتنام وفلسطين ولبنان والعراق وافغانستان وغيرها، لذا فإن مجال الحرب يزود بقوانين عامة يتشكل دليلاً للعمل، بينما المجال الواقعي للحرب يولد باستمرار حالات تحتاج الى اكتشاف قوانينها الخاصة، بما في ذلك قوانين المعالجة، ومن هنا لابد من دراسة الحرب كعلم، ومعالجة التطبيق في الحرب بمنهج علمي يوفر المقدرة على عملية التقديم والحكم والتنفيذ بصورة صحيحة.
31/ لعل اقرب تصور للعلاقة بين العلم والفن في مجال الحرب قول كارل ماركس (8181-3881م) ( ان الثورة المسلحة اليوم فن بالقدر نفسه الذي اصبح فيه علم الحرب، أو أى فرع اخر، فناً قائماً بذاته). أي انه علم من ناحية وفن من الناحية الاخرى، انه علم في دراسته ومنهجه، وفن في التطبيق، ولذلك ربما كانت أفضل تسمية له هى (فن علم الحرب). وذلك باعتبار الحرب ظاهرة متحركة لها قوانينها العامة، ولكن حركتها ليست حركة تكرارية، ومن ثم ان كل لحظة من لحظات تلك الحركة بحاجة الى اكتشاف جديد وفن تطبيق جديد، وان فن الحرب يقوم على الوحدة العضوية والعلاقة الابداعية بين النظرية والتطبيق.
عوامل النصر والهزيمة في الحرب
41/ الذي يقرر النصر أو الهزيمة في الحرب هو الوضع ككل بمختلف جوانبه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعوامل العسكرية التنظيمية والتكتيكية والاستراتيجية وعوامل المكان والزمان والعناصر الانسانية الذاتية، والوضع المحلي والمدني لدى كل من الطرفين المتقابلين، وذلك الى جانب الوضع الاقليمي وما يسود من موازين قوى ومعادلات دولية يمكن تقسيم عمل الوضع ككل وعملية كل جزء فيه الى قسمين رئيسيين كالآتي:
أ- العناصر المادية الموضوعية مثل الوضع البشري والاقتصادي والاسلحة والارض وسرعة الحركة.
ب- العناصر الذاتية: مثل الدور الذاتي للقيادة والافراد والوعي والتنظيم والاجراءات واساليب معالجة العناصر المادية الموضوعية تكتيكياً واستراتيجياً في كل المجالات. كما الشجاعة والقتال الضاري والصمود والاستعداد للتضحية.
ان الحرب عبارة عن خصمين - جبهتين يتصارعان ضمن حدود العناصر المادية والذاتية المعطاة، كما ضمن الظروف وموازين القوى المحيطة بهما ومن ثم فان كل منهما سيحاول الافادة حتى الحد الاقصى من تلك العناصر لتأمين التفوق على خصمه لانزال به الهزيمة «دراسة تعادل القوى - ميزان القوى ومعالجة النقص ودعم التفوق» وهذا يعني الدخول في عمليات بناء داخلي ضمن جبهتك وعملية احباط لعمليات البناء الداخلي للعدو في جبهته وهذا يعني اشتباك متعدد الاوجه على كل المستويات لانجاح مسعاك واحباط مسعى الآخر، وان هذا الاشتباك له صفة العملية المتفاعلة المتبادلة كون الآخر يحاول فعل الشيء نفسه، وهذا يجعل كل خطوة تتخذها لها مقابل لدى العدو وهذا المقابل سيسعى لتصعيد خطوته المقابلة والغاء او تنصيص خطواتك ويستمر الحال هكذا بمثل هذه الاستمرارية حتى يتقرر الانتصار لاحد الطرفين والهزيمة للطرف الآخر. على ان الاشتباك لا يقتصر على الفعل والفعل المضاد، وعلى هذا النمط من السباق والصراع، وانما هنالك عملية قد تكون اكثر اهمية وهي المتعلقة ببناء الذات وكسب الشعب وتحشيد الحلفاء وبناء الجبهات ومعالجة التناقضات والخلافات داخل جبهتك. وهذه بحاجة الى منهجية متوازنة دقيقة يحكمها خط سياسي واضح وصحيح في كل مجال وامام كل مشكلة. ان سمة العصر الحاضر جعلت هذه العملية تدخل نطاق الوعي ولم تعد تعمل عفوياً، ان كل طرف جعل يدرس وضعه ووضع الطرف الآخر العدو وذلك بالقيام بدراسة عملية ممنهجة تسمى «تقدير الموقف العسكري» او «تقدير موقف استراتيجي عسكري سياسي» بهدف دراسة الوضع ككل من كل جوانبه العسكرية والامنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذه الدراسة يجب ان تكون دقيقة وعميقة لاستنباط انسب الحلول الاستراتيجية والتكتيكية ووسائل وآليات التنفيذ، والخروج بخطط عملياتية وتحديد متطلبات هذه الخطط، وذلك لتأمين الانتصار عن طريق جعل عناصر جبهتك المادية والذاتية تعمل باعلى تأثير ضد مقابلاتها والعناصر المقابلة لها في الجبهة الاخرى وفق حسابات تعادل القوى والتي تعمل على تأكيد عناصرك المادية والمعنوية ومع العمل على هزم نقاط تفوق العدو المادية والمعنوية. هنالك بعض العوامل التي تؤثر في الحرب ومصيرها وأهم هذه العوامل الآتي:
1- العامل السياسي وطبيعة الحرب «عدالتها او عدم عدالتها» وطبيعة القوة التي تقودها.
2- الوضع الاقتصادي والمدني.
3- جاهزية القوات المسلحة من الناحية المادية والمعنوية، ويشمل عدد وحجم ونوعية القوات وحجم وكفاءة التسليح والتدريب.
4- المكان الذي تدور فيه الحرب، وطبيعة الارض ومسرح العمليات واتساعه.
5- الزمان الذي تجرى فيه الحرب، ومستوى التطور الانتاجي والتقني وقوانين الحرب التي تحكمه.
6- العامل المعنوي والسيكولوجي للقادة العسكريين والمدنيين والضباط والجنود، ومعنويات الجبهة الداخلية والايمان بالقضية التي يقاتل الجنود في سبيلها، ومن ثم التماسك والشجاعة والقتال الضاري.
7- التنسيق والتنظيم بين المجالين العسكري والمدني.
8- مستوى التدريب وكفاءة القيادات العليا وكوادرها، والصراع بين المبادرات والاجراءات ومضاداتها على كل مستوى.
9- نسبة القوات الى مساحة مسرح العمليات مع توفر عوامل السرعة وخفتها والحركة الآلية.
01- اساليب القتال وفقاً للاستراتيجية والتكتيك المستخدمين من قبل كل من الطرفين.
11- المقدرة التخطيطية والتنفيذية، والقدرات الامدادية والادارية والتنظيمية.
21- مراعاة عامل الوقت والامكانات المحتملة مستقبلاً.
31- الرأي العام في كل الجبهتين والرأي العام الاقليمي والعالمي.
41- نوع التحالفات السياسية ومدى اتساع جبهة كل طرف.
51- مدى تماسك الوضع ككل «السياسي والامني والاقتصادي والاجتماعي والنفسي» في جبهة كل من الطرفين.
61- ان كل هذه العوامل متداخلة متشابكة، وثمة ديناميكية خاصة لنسبة تأثير كل هذه العوامل في كل حرب وكل زمان ومكان. وهذا هو الذي لم يجعل معركة مثل الاخرى، والاهم لم يجعل حرباً مثل أخرى. ومن ثم جعل لكل نصر في حرب ولكل هزيمة فيها اسبابا مختلفة حتى لو تشارك وجود عامل او اكثر على مستوى واحد في حربين وهذا السبب هو الذي جعل الحرب شديدة التعقيد. وكثيرا ما قادت العلاقة بين كل هذه العوامل الى نتائج متضاربة، فاحياناً نرى جيشاً اصغر حجماً وأقل نيراناً ينتصر على جيش اكبر حجماً واكثر نيراناً والعكس قد ينتصر الاقوى والاكبر على الاصغر، حجما، وعليه فان النصر يتقرر في مصلحة الطرف الذي ينجح في تصعيد ايجابياته الى الحد الاقصى، وجعلها تقوض سلبياته او توازي او تتفوق على ايجابيات الخصم في المجالات التي يستطيع ان يجاريه فيها. من السهل القول ان الجبهة التي تكون كل العوامل في مصلحتها ستنتصر حتماً، ولكن عملياً لم توجد بعد تلك الجبهة التي تتوفر فيها كل تلك العوامل في مصلحتها دفعة واحدة، وعندما توجد يكون «زمن الحرب قد ولى»، ولكن الذي هو واقع فعلاً، ان ايجابيات هذه العوامل وسلبياتها تكون موزعة بين الطرفين بنسب متفاوتة او متقاربة حسب كل حالة. وثمة حروب كثيرة لعبت فيها بعض تلك العوامل دوراً حاسماً بينما ثمة حروب أخرى لعبت فيها بعض العوامل الاخرى الدور الحاسم، وهكذا، وهذا يفسر لماذا نشأت نظريات متضاربة حول أهمية كل عامل من تلك العوامل فمثلاً:
1- نظرية «اردان دوبيك»: والتي تقول ان العامل الحاسم في الحرب ليس عمل الصدام «اي قوة السلاح» وانما ارادة القتال لدي المتحاربين.
2- نظرية «ليدل هارت» وقد نقلها عن «نابليون» و«فوش» وتقول ان الهزيمة تتقرر في عقول القيادة المقابلة ومعنوياتها وليس بعدد القتلى في المعركة.
3- نظرية «هتلر» والتي يقول فيها: ان تفوق الجانب المادي - القوات المسلحة والتقنية والعلوم وكثافة النيران والحركة التكتيكية، هي العامل الحاسم في المعركة والحرب. وكذلك يؤمن الجنرالات الاميركيون بهذه النظرية.
4- نظرية «توينبي وفوللر» والتي تقول باولوية العامل التكتيكي - والتقنية التقنية.
5- نظرية «دانتون» والتي تعتبر ان الشجاعة هي كل شيء.
6- نظرية «كلاوز بفتنر» والتي تعتبر ان الوضع الاقتصادي والمدني هي كل شيء.
7- نظرية «ماوتسي» حول تطويق المدن من الريف او حول الحرب الشعبية طويلة الامد.
8- نظرية «كاستر - وتشي جيفارا» المغوارية والتي تركز على الايمان والتضحية والشجاعة.
هكذا في الواقع ما من نظرية بين هذه النظريات لا تستطيع ان تأتي بالشواهد العملية والتاريخية لاثبات جانب الصحة في موضوعاتها اذ ان في كل حرب لعبت مجموعة ما من تلك العوامل دوراً اكثر حسماً من بقية العوامل. ولكن من الخطأ محاولة تكرار نجاح ما في ظروف حرب مختلفة لان النتيجة ستجيء، بل جاءت في الغالب مغايرة. فكل حرب يجب ان تقرأ ضمن خصوصياتها وزمانها ومكانها وما حولها من موازين قوى واوضاع اقليمية وعالمية، ثم يعاد الى تحديد الاستراتيجية والتكتيك المناسبين وما يجب ان يركز عليه من عوامل الانتصار اكثر من غيره.
61- تتوزع هذه العوامل المذكورة اعلاه، ايجابياً وسلبياًَ بين كل جبهتين متحاربتين، توزعاً مختلفاً متنوعاً في كل حرب. وهنا يأتي دور العامل الذاتي - القيادة اساساً - لجعل العوامل الايجابية في جبهتها هي التي تلعب الدور الحاسم في تقرير مصير الحرب المعطاة، وهذا يعني فهم طبيعة العلاقة بين مجموعة العوامل التي تؤثر في الحرب، ومن ثم اكتشاف اصح اساليب معالجتها، استراتيجياً وتكتيكياً، ويفتح آفاقا أوسع للعمل الناجح ضمن كل ظروف حرب - ومهما يكن الوضع معقداً، او العدد متفوقاً وبكلمات اخرى ان هذه الموضوعية تؤكد للشعوب بصفة عامة، ان هنالك دائماً طريقاً او طرقاً لتحقيق الانتصار على عدو متفوق ببعض العوامل وذلك بواسطة تطبيق الآتي:
1- نظرية التخفيف حتى الحد الادنى من أثر نقاط تفوق العدو عن طريق اجراءات عملياتية وأمنية مع اتخاذ الاساليب والآليات المناسبة لمواجهتها.
2- نظرية التعويض: أو على الاصح نظرية تصعيد تأثير العوامل الايجابية حتى الحد الاقصى لتقوم بالتعويض عن المجالات التي يتفوق فيها العدو وفي مقدمتها الاعتماد على بناء الانسان ودعم الشعب وتشكيل اوسع جبهة داخلية وجبهات شعبية شقيقة او صديقة مناصرة وكسب الرأي العام وعزل العدو سياسياً.
3- نظرية نقل المعركة قدر الامكان الى نقاط ضعف العدو حيث نقاط قوتك ليقرر مصير الحرب في هذه الميادين.
4- نظرية استمرار تصعيد التفويض والمضادات والتركيز على الدفاع في مواقف مع التركيز على التقدم والهجوم في مواقف أخرى.
71- ان النصر في الحرب يشكل حالة تفوق يجدر تفسيرها عند كل مستوى، وتبعاً لانعكاساتها على كل الحالات الاخرى، وبالتالي يكون النصر كاملاً عندما تحقق الغاية من الحرب بالتمام والكمال وليس عندما تهزم او تدمر قوات العدو. وهذا الهدف قد يكون مطلقاً: اي القضاء السياسي والعسكري على العدو مختوماً باستسلامه بدون قيد او شرط. او يكون محدوداً، كالاستيلاء على مدينة أو على نقطة عبور.. الخ وتكون النتيجة هجومية «الاستيلاء» او تكون دفاعية «الاحتفاظ».
81- وأخيراً، فان مفتاح النجاح في معالجة قضايا الحرب هو بيد العنصر الانساني ووعيه وفعله في ظروف محددة. وهنا يقفز الى المقدمة التقدير الصحيح للوضع العام وللموقف ومن ثم اكتشاف الاستراتيجية الانسب وترجمتها من خلال الحري دائماً على ان يبقى الخط الفكري والسياسي صحيحاً.
المراجع:
1- موسوعة الاستراتيجية «تيري دي مونبريال، وجان كلين» «وسابين جانس»
2- الاستراتيجية والتكتيك في فن علم الحرب «منير شفيق».
3- اوقفوا الحرب «روبرت هندي - وجوزيف رتبلات».
للتوسع والهيمنة مركز الدراسات الاستراتيجية.
5- حروب القرن الواحد والعشرين اينياسيو رامونيه.
6- الحرب العالمية الاخيرة منصور عبد الحكليم.
7- الاسلحة والتكتيكات وترنفهام وبلاسفورد - سنل.
8- الفكر العسكري عند ليدل هارت بريان بوند


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.