٭ رغم انها الرحلة الاخيرة من الخرطوم الى جوبا الا انها حملت الكثير من المعاني واعادت المزيد من الصور تجاه هذا الرحيل القسري الذي علق بذاكرة المغادرين بعد سنوات... حلوها ومرها.. كان في السودان الوطن الواحد قبل ان ينقسم ليصبح لكل مساحة وثقافة.. فأسر كثيرة كانت صالة المطار هي مكان لقائها بعد زمن طويل من البحث في كسب العيش في السودان الواسع لم تكن تتوقع مجيء هذا اليوم وحقيقة المغادرة (الاجبارية) الاطلالة الجديدة التي كان (الاختيار) فيها معدوما تماما رغم ان الزمن قديما قد منحه للجميع وحرب شعواء كانت تدور رحاها بيد انه وزمن سلم ننشد ونتمنى ونتفاوض عليه (قد) يلوح إلا ان الترحيل لا فكاك منه . ٭ ذكريات تركها جون ودينق وميري وانجلينا اطرّت لزمن سابق انسابت فيه علاقات انسانية جميلة مع جيران الحي القديم الذين تبادلوا التحايا وهدايا عيد الميلاد وحتى (جلود الاضاحي) عندما كان الدخول لعوالم الفرح لا يشترى ولا يباع ولا يخضع للمساومة لعب صغار الحي معهم الكرة وادمنوا سباق الدراجات في الميادين قبل ان تباع للمستثمرين ومن يدفع اكثر من النافذين.. ٭ جامعات شهدت التمازج وحرية الاختيار جاء اليها الطالب الشمالي وزميله الجنوبي من تركاكا وواو وبانتيو والرجاف.. جلس الى جانب الشمال لا فرق في دماء جارية داخل الاجسام والعقول.. بكل يسر انداحت شهادات التخرج من الجنوب للطالب الشمالي كأحد الحقوق التي تقاسمها مع زميله الجنوبي وكذلك فعلت الجامعات الشمالية تم ذلك في عهد كانت حلاوة الاخاء في قمتها وامنيات التواصل تترى وحديث عن انفصال يغيب تماما بل يظل منطقة غير (مسموح) بالاقتراب منها او (تصوير) تفاصيلها في ذلك الزمان المسمى بقبل الانفصال رغم ايحاءات واشارات و(تحرش) بعضهم بالفكرة ولاخراجها من (الاختباء ) الى ساحات (العلن) .. وقد كان لهم ما ارادوا فجاء الانفصال عنيفاً مصحوباً بأقسى الاوصاف و(الألفاظ) .. ٭ اهتمت (العمة) بالبحث عمن يؤنس وحدة ايامها القادمة في الشمال وفي الجنوب بعد (الرحيل) واعتمادا على اندياح السلام والجمال والوشائج الانسانية عبرت عن رغبتها في (تبني) طفل تهبه امومتها فيهبها طاعته الطفولية وشبابه الغض فاتت به القابلة بعد ان سابقت كلباً كاد ان ينهش جسمه الصغير في مكتب للقمامة فانتشلته وهو بعد لم يكمل ايامه العشرة الاولى تنصل عنه ابواه بعد ان حررا نفسيهما من (قيد) الرعاية والاجابة عن الاسئلة القادمة التي تكفلت (ميري) الطالبة في جامعة جوبا بضمه لأسرتها الصغيرة فتعلقت الاسرة به وتعلق بها تحت رعاية (العمة) التي لم تبخل بالمودة وشهادة الميلاد والمنزل الفاخر في حي (بنزريت) في مدينة واو والذي لا يقل جمالا عن الاحياء الراقية في العاصمة الحضارية هدية ل (موسس) الذي اطلقت عليه الاسم المستمد من اسم احد انبياء الله عز وجل سيدنا موسى عليه السلام. ٭ جاء زمن الرحيل وموسس في سجلات الحقيقة (جنوبي قح) بشهادة ميلاده الجنوبية الصادرة من جوبا وشمالي بشهادة (النطفة والتكوين) والملامح التي ادت الى احتجازه في مطار الخرطوم وهو يغادرها مع اسرته التي لم يعرف سواها منذ ان نجا بأعجوبة من فم كلب ضال كان يبحث عن لقمة في (قمامة) شرقية بوصف الخارطة الجغرافية. ٭ خطوط عريضة في وضع بارز لخبر احباط محاولة اختطاف الطفل (موسس) الذي لم يكن يدري ان (ملامحه) ستبقي ولعدة ايام مادة دسمة في صحف الخرطوم و(نصراً) غير مسبوق لمجلس الطفولة والامومة الذي ارسل (تطميناً) لكل من يهمه الامر بأن (موسس) في (ايد امينة) تخضع تفاصيل (اختطافه) للتحري والتدقيق والذي جاء في حيثياته ان موسس لا يعرف اماً غير هذه الام ولا اخوة غير هؤلاء ولا دار غير التي ترعرع فيها ولا (صحناً) غير الذي مدّ يده داخله ليأكل حتى الشبع ولا (كوزاً) غير الذي شرب به مع اخوته في مدينة الجمال والخضرة التي منها دبت الحياة في عروقه بعد ان تخلصت والدته من (وصمته) وغسلت شرفها عند (المكب) .. ٭ حان وقت الرحيل وموسس قد (تحرر) من قبضة القضاء الذي قال كلمته بالحاق الطفل بأهله وأسرته منسجماً تماماً مع شهادة الباحثة الاجتماعية التي غاصت في اعماق موسس فوجدته صافي الارتباط والتواصل مع اسرته فمهرت هي الاخرى شهادة مغادرة موسس الى وطنه الجديد.. ولكن السؤال هنا هل غادر موسس الخرطوم الى جوبا او الى فناء منزله في حي بنزريت بمدينة واو.. ابدا لم يغادر موسس الذي لم تشفع دموعه وتمسكه ب (لاوو) والدته للذهاب معها ظل موسس في الخرطوم وغادرت الاسرة الى جوبا وفي العين دمعة لم تحبسها الجفون ولم تعلق بالرموش بل ظلت مثل (خريف) الجنوب تماماً على انها الذي تتفاوض السلطات في (بلدين على سياسية الاوضاع القادمة وامنها بينما (يقاتل) مجلس الطفولة والامومة لضمه الى سجلات اطفال الشمال ربما في المايقوما او دار الفتيات ف (أسوأ) حل لقضية (طفل) يود المجلس ان يرسم له طريقا وحياة (بمعرفته) رغم ان الحل موجود امامه لا يكلف غير الاتصال بوالدته ل (لم الشمل).. اي فلسفة ينوي مجلس الطفولة تطبيقها..! واي حل (سحري) يود ان يقدمه لموسس....؟!! واي طريق خارج رغبته يود ان يرسمه له..؟! رغم ان احد بنود اتفاقية الطفل والتي تمت مناقشتها في ورشة المجلس التنويرية تحت عنوان تضمين حقوق الطفل في الدستور القادم تنص على ان مصلحة الطفل الفضلى الاولوية في كل القرارات التي تتعلق به او تخصه في جميع المستويات .. وفي مادة اخرى حق الطفل في التعبير عن آرائه بحرية في كل المسائل الخاصة به وان تؤخذ آراءه في الاعتبار وان يكون طرفا في اي حوار يخصص بشكل عام او خاص (انتهى)... هل منح مجلس الطفولة موسس هذا الحق..؟! لم يمنحه ابدا ذلك ما يدل ان المقترح والحقوق ستزروها الرياح وان مجلس الطفولة ينظر من (ثقب) اضيق من فتحة (مفتاح) بابه الخارجي الذي يجب ان يمر عبره موسس الى وطنه وامه.. همسة:- لا البحر جاء على ذكر النهار.. ولا الابحار كان الاختيار.. ولا الموج نادى على الصغار.. ولا السفينة بلغت آخر المشوار