1- كما هو معلوم فان الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية المصرية قد أسفرت عن تقدم الدكتور محمد مرسي عن حزب الحرية والعدالة «الاخوان المسلمين» وقد حصل على نسبة 53،42% بعدد 000،007،5 صوت، ويليه الفريق أحمد شفيق والذي حصل على 52،42% وبعدد 000،005،5 صوت. وبلغت اجمالي نسبة التصويت في هذه الجولة 4،64% من اجمالي الناخبين، والذين يقدر عددهم ب 15 مليون ناخب، وبينما بلغ عدد الذين ادلوا باصواتهم حوالي 42 مليون ناخب، وبهذه النتيجة لم يستطع اي من المرشحين ان يحسم الصراع الرئاسي من الجولة الاولى حسب قانون الانتخابات، مما يستدعي الامر الذهاب الى جولة أخرى، جولة الاعادة. 2- تباينت آراء السياسيين حول الانتخابات الرئاسية وما شهدته من تجاوزات الا انهم اتفقوا على انها جرت بنزاهة داخل اللجان، ولكن شابها كثير من الشوائب حيث لعبت المخابرات الاميركية والاسرائيلية وبعض الدول العربية، دوراً مهماً في ضخ الاموال التي صرفت من اجل اجهاض ثورة 52 يناير لدعم النظام السابق في شخص الفريق أحمد شفيق. وتلاحظ ان الخمسة المتنافسين الرئيسيين هم الذين انفقوا عشرات الملايين خلال المعركة الانتخابية، والمرشحان المتوقع خوضهما في الاعادة هما اللذان دفعا رشاوى مالية مباشرة مستغلين ظروف وفقر الناس ، ورغم ان الانتخابات نزيهة ولم يحدث فيها تزوير، الا ان المال لعب دورا أساسياً في تزييف ارادة الشعب. ومن جهة أخرى لم تكن الانتخابات عرسا للديمقراطية كما كان يتمنى البعض، لانها جاءت في ظل احتقان بين التيارين الاسلامي والليبرالي في ظل نظام طوارئ، واستخدام اموال لشراء اصوات الناخبين وتوجيههم. وفي حالة عدم وجود دستور ودعاوى في القضاء الاداري لوقف تنفيذ الانتخابات، مما جعل الصورة العامة للمشهد السياسي المصري تكون ملتبسة ومرتبكة في انتظار ما ستؤول اليه الحال في المرحلة القادمة. 3- ما يزال العالم يحاول فك طلاسم انتخابات الرئاسة المصرية في ضوء ما اسفرت عنه من نتائج، واعتبر البعض الاعادة بين مرشح الاخوان الدكتور مرسي، ومرشح بقايا نظام مبارك شفيق كابوساً للمصريين، خاصة القوة التي ساهمت في اسقاط مبارك، والبعض توقع ان تكون الاعادة مقدمة لفترة عصيبة تمر بها مصر في ضوء حالة الاستقطاب الحاد وما تشهده من توترات واعمال عنف، وان فوز الفريق «شفيق» اذا قدر له ذلك سوف يؤدي الى قيام ثورة ثانية باعتباره امتداداً لنظام ثار المصريون ضده لاسقاطه، ويعتبر دخول «مرسي» وشفيق انتخابات الاعادة في الوقت الذي خرج فيه جميع رموز الثورة التي اطاحت بمبارك تعد صدمة لقطاعات كبيرة من المصريين الذين قاموا بالثورة او تعاطفوا معها، وفي هذه الحالة قد تشهد انتخابات الاعادة عزوفاً من جانب مصريين كثيرين عن الذهاب لمراكز الاقتراع للادلاء باصواتهم، لأنهم لا يريدون «مرسي» لعدم الثقة في حزب الحرية والعدالة لادائه غير المقنع في الفترة الماضية 81 شهراً وان الاخوان المسلمون حادوا عن خط الثورة واتجهوا لتحقيق مقاصد الحزب فقط. ولا يريدون «شفيق» ايضا باعتباره احد اقطاب نظام مبارك ورمزا للثورة المضادة وانه يمثل العلاقة التجارية لطغيان واستبداد مبارك. ويتوقع البعض ان تكون الاعادة بين مرسي وشفيق معركة تكسير العظام بين الاخوان المسلمين ونظام المخلوع مبارك الذي يسانده شفيق وان مرحلة الاعادة نذير بدخول مصر فترة جديدة من الاضطرابات، وان الايام المقبلة تبدو للمصريين مفتوحة على المجهول، وستعمق الانقسام في المجتمع المصري مع خروج المرشحين المعتدلين في السباق الذي ضم «21» مرشحاً، وستكون جولة الاعادة مواجهة بين أكثر المرشحين استقطاباً مما يحيي صراعا على السلطة يعود الى عشرات السنين بين النخبة العلمانية في مصر والمعارضة الاسلامية القوية. ويشعر المحتجون الذين احتشدوا في ميدان التحرير يوماً للاطاحة بمبارك بالصدمة لان جولة الاعادة ستكون بين احد من فلول النظام السابق واخواني من الجماعة المحافظة التي دخلت في صراع مع السلطة على مدى معظم تاريخها 48 عاماً، وان الثورة التي اطلقوا شرارتها سرقت سواء من جنرالات المجلس العسكري او من الاخوان المسلمين. 4- ان نتائج الجولة الاولى للانتخابات الرئاسية جاءت تعبيراً عن توازن القوى الراهن بين قوى الاسلام السياسي وقوى النظام السابق، وقوى الثورة المستمرة من جهة، وتفكك صفوف وتنافس مرشحين وتفتيت اصوات هذه القوى جميعاً من جهة ثانية، والوعي الجماهيري السائد الذي بقى في غالبيته بعيداً عن استكمال مهام الثورة واستهداف دولة المواطنة من جهة ثالثة. ولا جدال ان نتائج الانتخابات كانت ستتغير في حالة التحول من التنافس الى التحالف او من الصراع الى الوحدة بين «حمدين» و«ابو الفتوح» المصنفين مرشحي الثورة وشبابها، وبين «محمد مرسي» و«ابو الفتوح» المصنفين مرشحي الاسلام السياسي رغم ازدواجية قبعة الاخير «ابو الفتوح». وبين «أحمد شفيق» وعمرو موسى والمصنفين فلول النظام السابق، وان كان للتصنيف ألصق بالاول «شفيق». 5- وأيضاً أوضحت النتائج للمرحلة الاولى في الانتخابات فوز مرشح حزب الحرية العدالة الدكتور محمد مرسي بالمركز الاول، وجاء ما حصل عليه من أصوات 000،007،5 أدنى بكثير مما نالته جماعة الاخوان المسلمين في انتخابات البرلمان اكثر من «11» مليون صوت «أحد عشر مليون صوت » وبفارق «6» ملايين صوت. وهذا يجسد يقيناً هزيمة جزئية للاخوان نتيجة تآكل مصداقيتهم وتراجع شعبيتهم. وبوجه خاص فان تناقض الاصل والصورة اي اختطاف الثورة رغم مزاعم استكمال الثورة كانت عاملاً حاسماً في تواضع نسبة ما ناله من أصوات. والامر ان جماعة الاخوان المسلمين لم تستهدف حقا استكمال الثورة والذي يتمثل في بناء دولة المواطنة باعتبارها البوصلة المحددة للتوجه نحو تحقيق شعارات وغايات الثورة. أضف الى ذلك اخفاقات الاداء السياسي للاخوان منذ توهموا ان الثورة قد وصلت الى محطتها الاخيرة بعد انتصارهم في استفتاء التعديلات والاهم في انتخابات البرلمان، وهي اخفاقات سجلها من لا يحسبون بحال خصوما للاخوان مثل الاستاذ فهمي هويدي في مقاله «الا يتوبون ولا يتعلمون» وعقد مقارنة بين حزب النهضة الذي يمثل تيار الاسلام السياسي في تونس وبين جماعة الاخوان المسلمون في مصر، وخلص الا ان حزب النهضة استطاع ان يعلو مصالح الوطن فوق مصالح الحزب، بينما فشل الاخوان في اعلاء مصالح الوطن فوق مصالح الجماعة، وان الاخوان اصبحوا اسيري الغلبة والسلطة وحب الظهور. فقد تخلى الاخوان عن تعهداتهم للقوى الوطنية بالتنسيق والمشاركة. وذلك قبل لجوئهم الى الاستئثار والمغالبة حتى وصفوا بانهم ورثوا «احتكار الحزب الوطني المنحل، كل هذا وغيره عزز عدم ثقة القوى السياسية في الاخوان، ودفعها الى اتهامهم بالخداع والانتهازية، مما يصعب تحالف القوى الثورية والوطنية والمؤمنة بالدولة المدنية مع الاخوان في جولة الاعادة، الا في حالة تقديم الاخوان تنازلات وتفاهمات وتنسيق على درجة كبيرة من المصداقية مع القوى الوطنية والثورية مع ضمان اشراك هذه القوى في كل العملية السياسية القادمة. 6- ان الفريق أحمد شفيق، بمفاجأة صعوده وفوزه بالمركز الثاني «000،005،5» صوت وبفارق ضئيل من الاصوات التي احرزها محمد مرسي، وفوزه بالمركز الثاني أثار هواجس ومخاوف بشأن سعيه لاحياء وانتاج النظام السابق ووأد الثورة وتهديد توقعات التغيير الحتمي، وانذر بعدم تحقيق فاشل فاسد الى نظام جديد اكفأ وانزه. وتتعدد تفسيرات تفوق «شفيق» ما بين وجود قطاع كبير من المواطنين المحيطين من تأخر جني الثورة، وهم يرون تصارع من ينتمون الى معسكر الثورة، وغلبة المصالح الخاصة لكثير منهم بدليل عدم اصطفافهم خلف مرشح واحد للثورة او حتى مرشح واحد للتيار اليساري وينطبق نفس الامر بالمعسكر الاسلامي لتصب تلك التجزئة لصالح الفريق «شفيق» كذلك استمرار تدهور الاوضاع الامنية والحاجة الى رجل قوي حتى يعود الاستقرار بما معه من سياحة واستثمار وتشغيل، ولتحقيق ذلك بذلت قيادات الحزب الوطني المنحل بالمحافظات لتأييد «شفيق» وجلب الاصوات له بمختلف الطرق المشروعة وغير المشروعة حفاظاً على مصالحهم وتعطيل محاسبتهم، ويضاف الى ذلك مجهود رجال الأعمال الذين استفادوا من النظام السابق، خشية ملاحقتهم عندما يتولى المنصب أحد المنتمين لمعسكر الثورة، ويلحق بركب «شفيق» كثيرون ممن استفادوا من النظام السابق ويخشون المساءلة سواء أكانوا في مجال الحكم المحلي او الشرطة او الاعلام وغيرهما من المجالات، ربما يوضح اتساع قاعدة المنتفعين من النظام السابق والذين يحرصون على الافلات من المساءلة، وكان ايضا لاصوات التيار القطبي الاثر الكبير في دعم «شفيق» خوفاً من سياسات وتوجهات التيار الاسلامي، وبحثاً عن ملجأ أمن في ظل رئاسة شفيق ، وكذلك كان للمرأة دور في دعم شفيق هرباً من تصريحات وتوجهات التيار الاسلامي وخاصة السلفي فيما يتعلق بعلاقة المرأة بالمجتمع، وكذلك اتجه قطاع السياحة صوب معسكر شفيق بحثاً عن عودة جديدة للسياحة بعد الركود الذي اصابها. كذلك لعبت المخابرات الامريكية والاسرائيلية وبعض الدول العربية دورا هاماً في ضخ الاموال لدعم حملة شفيق واجهاض الثورة المصرية. وأما المجلس العسكري فقد احاط شفيق بكثير من الدعم والحماية حتى يضمن للمجلس العسكري الخروج الآمن وليرد لهم الجميل حين تركوه دون محاسبة أو مساءلة رغم قانون العزل السياسي والكثير من الدعوات القضائية المثارة ضده والتي بلغت اكثر من 05 بلاغاً امام النائب العام والقضاء. وان الساحة قد تم تجهيزها منذ شهور للرجل من خلال استمرار حالات الانفلات الامني ونقص بعض السلع الاساسية وبطء دوران العجلة الاقتصادية كي يبدو «شفيق» بمثابة الرجل القوي المخلص للجماهير في حالة الانفلاتات المستمرة منذ الثورة، وهنالك من فسر ان ترشيح الرجل بأنه الحل المناسب لطمأنة دول الغرب الخائفة من توجهات المرشحين الاسلاميين، وطمأنة اسرائيل على استمرار التعاون معها، ولعب الاعلام الموالي للنظام السابق دوراً مؤثراً وذلك بتقديم صورة ذهنية سلبية عن الاسلاميين والتخويف من توليهم السلطة، مما دفع الالاف من المتأثرين من التخويف الاعلامي للانضمام لمعسكر «شفيق» طلباً للأمن والاستقرار. * باحث وخبير في الشؤون العسكرية والسياسية