عقب الاستفتاء الذي أدى لانفصال الجنوب عن الوطن الأم وإخلاء الجنوبيين لمقاعدهم، ومن ثم بدء المشاورات المضنية لتكوين الحكومة العريضة التي استمرت لأكثر من أربعة شهور، كان جُلها أو أغلبها مع الحزبين الكبيرين «حزب الأمة والاتحادي الأصل»، تمخضت عن دخول الإتحادي الأصل إلى الحكومة، وتعيين جعفر الصادق ابن محمد عثمان الميرغني مساعداً لرئيس الجمهورية. وأما حزب الأمة وبعد التأرجح وتضارب التصريحات من التيارات المختلفة داخله، أخرج بياناً أوضح فيه أنه لن يشارك في الحكومة وتم تعيين عبد الرحمن الصادق المهدي مساعداً لرئيس الجمهورية، وقال الإمام الصادق إن دخول عبد الرحمن ابنه لردهات القصر أمر شخصي يخصه وهو لا يمثل حزب الأمة، ونفي أن يكون أصلاً هو عضو في الحزب، ويبدو أن حسابات الإمام والمرشد يعرفانها لوحدهما ولا دخل للشعب السوداني بها، وتشكل الأملاك التي تخص البيتين محوراً مفصلياً للشأن العام، ولو لم يكن كذلك فلماذا يكون تمثيل أي منها على مستوى الجهاز التنفيذي فقط؟ ولماذا لم يطلبوا قيام انتخابات جديدة للبرلمان أو حتى تكميلية له، حتى يكون للصوت المعارض وجود وسط كتلة الأغلبية الميكانيكية، ولكنها، العجلة كدأبهم لقد أقبلوا على تلك المِنة يتكالبون، ولقد فعلوها من قبل أيام المصالحة الوطنية مع حكومة نميري 1977م. لقد دخلوا ودعموا النظام الشمولي الديكتاتوري وساندوه وهو في أضعف حالاته، ليبرز من بينهم د. حسن الترابي ليبني تنظيمه ويخترق مؤسسات الدولة ليمهد للانقلاب ضد الديمقراطية في 89م، والعجيب إن من كان في السُلطة هو السيد الصادق المهدي، ويبدو أن الإمام يلدغ من ذات الجحر أكثر من مرة، والآن مرت مياه كثيرة تحت جسر حكومة القاعدة العريضة، ولكن لا جديد، ولقد وعد الاتحادي الأصل بأنه سوف يعمل لحل المشكلة الأمنية والحرب الدائرة في جنوب كردفان والنيل الأزرق أو كما قال جعفر الصادق: «شمال كردفان والنيل الأبيض» وأيا كانت فمازالت الحرب تدور، ومازال النزوح والتشرد مستمرين، والمواطنون في الولايتين يعانون الأمرين من ويلات الحرب وتداعياتها، والجوع يحاصرهم والعطش يهلكهم، وأمراض سوء التغذية وانعدام الدواء والإغاثة تفتك بهم، خاصة مع منع المنظمات الأجنبية من إدخال الإغاثة وهي التي تملك الكثير، ومع هذا كله لانجد صوتاً يعد بحل الإشكالات وتحقيق الاستقرار والسلام في المنطقتين، وهل قاد أي من المساعدين مبادرة جادة وبحكم منصبهما للوصول لهذا الهدف؟ أو أقل شيء هل زار أي منهما مناطق النزاع وشاهد أو سمع من المواطنين؟ وشهد ما يعانون؟ ولكن كيف يتأتى لشخص لا يعرف بالضبط أين هي الحرب في شمال أم جنوب كردفان، في النيل الأبيض أم النيل الأزرق، كيف يتأتى له الوصول إلى لب المشكلة وأصل النزاع؟ لقد أعطى الحزبان نظام الإنقاذ حياة جديدة ومداً في أيامه وعمره الطويل، وسيطرته الكاملة على أجهزة الدولة، ومع هذا كله وتقديراً لما فعلاه لم يشاورهم أو يستشيرهم أحد في أمر الحكم، وفي كل القضايا العالقة مع دولة الجنوب، وأيام استعار مشكلة البترول ونقله واغلاق الأنبوب، ومفاوضات أديس أبابا التي تراوح مكانها وسيف مجلس الأمن المسلط على رقاب المفاوضين، وأخيراً وفي هذه المعضلة القاتلة ألا وهي رفع الدعم عن المحروقات؟ فهل يستشيرهم حزب المؤتمر الوطني؟ وهل يستأنس برأيهم ويستمع لنصحهم؟ ولنستمع للإجابة من وزراء شاركوا في الحكومة فماذا قالوا!! في تحقيقه الوافي بالأحداث عدد الإثنين 4 يونيو 2012 م يقول محمد بشير نقلاً عن تصريحات نسبت لعضو المكتب السياسي للاتحادي الأصل ووزير الزراعة الأسبق عبد الرحيم على حمد والذي وصف اختيار مصفوفة الاتحادي ووزراء الحزب المشاركين بأنها جريمة في حق الشعب السوداني، ثم أضاف أن مولانا «ويقصد مولانا الميرغني بالطبع» لم يخف الله في الشعب السوداني باختياره لوزراء مشاركين في الحكومة العريضة «قاعدين ساي»، واصفاً آراءهم بالمعطوبة، وأضاف: «وزراؤنا بالحكومة من رئاسة مجلس الوزراء وعلى كافة المستويات اكتفوا بالجلوس على المقاعد دون لعب دور فعال في الحراك الحكومي وتفعيل دور الحزب المتعلق بالتنمية وقضايا المواطنين من داخل الجهاز التنفيذي» انتهى حديث القيادي الاتحادي. فتأمل شهادة شاهد من أهلها على ما يفعله الوزراء الاتحاديون وتحولهم إلى موظفي دولة يتقاضون رواتبهم وينالون الامتيازات على حساب الشعب السوداني، ويجارون الحزب الحاكم بالصمت على كل ما يفعله بالشعب، وأصلاً كان دخولهم في الحكومة جريمة لأنهم تواطأوا مع الحكم الشمولي وتماهوا معهم، وكما يقول القيادي بالاتحادي الأصل علي نايل الذي جمد نشاطه بعد دخول الحزب في الحكومة معلقاً على ما نسب لعبد الرحيم علي حمد «إن كل ما يقال عن وزراء الاتحادي في الحكومة حقيقي «متسائلاً» أين هم الآن؟» ليجيب لا حس ولا خبر لهم، وتابع: «ليتهم لم يشاركوا» لأنهم وعلى حد وصفه «سيصبحون جزءاً من الطامة الكبرى التي ستقع على الوطن وستصيبهم اللعنة». وقد يتم رفع الدعم عن المحروقات تحت أية لحظة، وحزب المؤتمر الوطني يتبجح بذلك باعتبار أنها خطوة لا بد من أن تتم، وبالرغم من أن «الشينة منكورة»، أصر الحزب على إنفاذ القرار وليحدث ما يحدث، بالرغم من اعتراض جهات وقيادات نافذة بالحزب، ويبدو أن الجهة التي تمتلك ناصية الأمر قد تحسبت لعواقب القرار، ويبدو كذلك أنها لا،تقيم وزناً كبيراً للمعاناة التي يلقاها المواطنون صباحاً ومساءً، وكما أنها تنشط في الغلاء وزيادة الأسعار ولها القدح المعلى في رفض الاتفاقيات وتعليق المفاوضات، ولها القدرة على استخدام لغة الحرب أكثر من لغة السلام والاستقرار، ولقد كان هذا رأي وزير المالية الحالي قبل ثلاثة شهور ورفض البرلمان هذا الرأي!! فماذا حدث اليوم لتزيد أسعار المواصلات إلى 30%؟ وما خفي أعظم، فماذا سوف يفعل وزراء الاتحادي الأصل؟ هل سوف يواصلون جلوسهم في مكاتب الدولة؟ أم سوف يخرجون على الحكومة وينحازون للمواطن المغلوب على أمره؟ وفي الحالة الأولى مع هذا التردي والتدهور الاقتصادي المريع وما يعانيه المواطنون من شظف العيش وارتفاع الأسعار الجنوني، صارت الحياة لا تطاق بل هي مستحيلة، عندها لن يضمن السادة الوزراء مكوثهم طويلاً في تلك المقاعد الوثيرة، لأنه لا أحد يضمن ما تفعله غضبة الجماهير الجائعة التي تفتك بها الأمراض، ففي هذه الحالة أول من يثور ضد الأوضاع هم أتباع الحزب الاتحادي الأصل والطريقة الختمية.