بدلال الانثى الدلوعة استوطنت بلادنا منذ نهاية القرن الثامن عشر، وبالرغم من كونها حضرت بمعية المستعمر الانجليزي، الا اننا فتحنا لها مكانا عليا في قلوبنا واستودعناها في ذاكرتنا، لتظل معنا الى الابد.. انها ثمرة المانجو.. «الصحافة» استكشفت عوالم «المنقة» المنسية في ذاكرة المجتمع على وحي مهرجان المانجو الثامن عشر الذي اختتمت لياليه بفندق كورال بالأمس. وعندما استوطن المستعمر الانجليزي بلادنا في نهاية القرن الثامن عشر الميلادي وفي سبيل تمكين وجوده، استجلب معه عدة اشجار من ضمنها كانت شجرة المانجو التي كانت بحق ملكة ثمار المناطق الاستوائية، وأولى بنات المانجو التي استوطنت كانت ما يعرف اليوم ب «المنقة» البلدي الوطنية. وشجرة المانجو استجلبت من الهند، ودوماً كانت للهند والهنود مكانة في نفوس السودانيين لتشابه العادات والتقاليد من الثوب السوداني الذي يشبه الساري الهندي، ومروراً بلبس الجلابية البيضاء «القنجة»، وهى كلمة هندية تعني القطن، ومازال الى اليوم السودانيون يطلقون على الاشياء الجميلة والصغيرة اسم هندي او هندية التي كثيرا ما تربط بكلمة «المنقة» ورويداً رويداً وبالتدريج حلت كلمة «المنقة» مكان هندية، وباتت تطلق الكلمة على الاشياء الجميلة والصغيرة، وباتت كلمة «منقة» احدى عبارات معاكسة البنات في الشوارع خصوصاً اذا كان لون بشرة الفتاة يميل الى البياض او يعرف محليا باللون الاصفر. ويأتي تشبيه الفتاة بالمانجو الى ان «المنقة » تتميز باللون الأصفر والنكهة الرائعة والمذاق الخالي من الحموضة وصغر حجم البذرة، ومن مظاهر شيوع كلمة وعبارة «المنقة» أن البعض يطري عليك في التزامك بالمواعيد فيقول لك «مواعيدك منقة» أو أن يخاطبك بعبارة واحدة «يا منقة» دلالة على الشخص المحترم والوسيم، وأحياناً تستعمل كلمة «المنقة» لحث الناس على التروي والتزام الهدوء في معالجة الأمور، فيقال «يا زول روق المنقة»، بيد أن البعض أحياناً يستخدم كلمة «المنقة» للسخرية من الآخرين فيقال للشخص «تعال يا رأس المنقة» دلالة على كبر جمجمة الشخص المخاطب. وبلغ إعجاب الناس بالمانجو ان توسعوا في زراعتها وحصر أنواعها، حيث تم حصر اكثر من اربعين نوعاً جاءت مسمياتها من عالم الحياة البرية مثل «ابو سمكة»، «قدوم الصقر»، «قلب التور»، وثمة اسماء ارتبطت بالمدن مثل «شندي» و «ابو جبيهة» وبعضها مسميات اجنبية مثل «كنت »، «كيت»، «تومي آتكنز»، «تيمور» و«عويس»، بينما ارتبط البعض الآخر بصفات تدل على الصغر مثل « بشائر» و «بلي» واليوم باتت ثمرة المانجو تحرك عجلة حياتنا واقتصادنا، حيث بلغت المساحة المزروعة بأشجار المانجو ما نسبته 25% من جملة مساحة البساتين بالبلاد، و90% من صادر الخضر والفواكه السودانية كانت من نصيب المانجو. وباتت للمانجو إذاعة «أف، أم» ومهرجان سنوي وصل إلى نسخته الثامنة عشرة تستعرض فيه «المنقة» لجمالها وحظوتها.. ومن طلب الحسناء لم يغله المهر .