اشتهرت العديد من الدول بقصورها الرئاسية التى تستخدم لإدارة شؤون الدولة، وايضاً سكناً للرؤساء، ومن أكثر تلك القصور شهرة وصيتاً المنزل رقم «10» داوننج ستريت فى لندن، الذى أخذ اسمه من جورج داوننج الذى صمم معظم بيوت ذلك الشارع فى عام 1732، وأيضاً البيت الأبيض فى واشنطن، الذى بدأ بناؤه فى عهد جورج واشنطن، وكان أول من سكنه الرئيس جون آدمز عام 1800م. ومع إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية، بدأت القصور الملكية المصرية تستعد لاستقبال الرئيس الجديد من جماعة الإخوان المسلمين الذى سيخلف آخر رئيس عسكرى فى تاريخ مصر ما بعد ثورة 23 يوليو، وخرج الرئيس حسنى مبارك من قصر مصر الجديدة «قصر العروبة» الذى تم تشيده باعتباره فندقاً «جراند هوتيل» عام 1910، وصممه المهندس البلجيكى أرنست جاسبار، وفى عام 1972 أصبح مقراً لاتحاد الجمهوريات العربية «مصر سوريا ليبيا»، ثم أصبح بعد ذلك مقراً لرئاسة الجمهورية فى مصر الجديدة. مصر الجديدة «هليوبولس» أسسها البارون أمبان عام 1906م وخططها المهندس البلجيكى آرنست جاسبار. ومن أسماء شوارعها وميادينها تستطيع أن تعرفها، فهى شارع الخليفة المأمون وشارع أبو بكر الصديق وشارع عثمان بن عفان وشارع هارون الرشيد وشارع إبراهيم اللقانى، وفيها ميدان روكسى الشهير وميدان الإسماعلية وميدان سانت فاتيما، ولونا بارك والمدرسة الإنجليزية ومقهى السويسية الشهير، وهي قصر البارون وحديقة الميرى لاند، وتعبر بدرجة لا تخطئها العين عن مصر المعاصرة، وتبعد عن وسط مدينة القاهرة حوالى 18 كم، ومخططة بعناية نظيفة وتكتظ بالمبانى العريقة التى تختلط فيها العمارة الإسلامية بالأوربية. وسكن فيها حسنى مبارك حتى قيام ثورة 25 يناير 2011م، فى فيلا محصنة بدرجة ملحوظة وتشاهد بالنسبة لكل العابرين الى مطار القاهرة عبر نفق شارع العروبة، وطبيعة حى مصر الجديدة تتلاءم مع حياة أسرة حسنى مبارك القريبة من الحياة الأوربية، وبالنسبة للزوجة التى تنحدر من جذور بريطانية من ناحية الأم كانت تبدو مثالية. والحى يعبر عن نهضة مصر الحديثة، فقد تزامن نموه وتوسعه مع بداية تاريخ السينما المصرية، والنهضة الاقتصادية والسياسية التى قادها سعد زغلول وطلعت حرب بعد الحرب العالمية الأولى، ولم تعرف القاهرة فى ذلك الوقت أحياء المهندسين أو المعادى أو مدينة نصر، لذلك ظل حي مصر الجديدة يحتفظ بريادته وجاذبيته حتى قيام ثورة 23 يوليو، واتخذ جمال عبد الناصر سكنه بالقرب منه، لأنه كان قريباً من مقر مجلس قيادة الثورة على الطريق المؤدى إلى ميدان روكسى «ش الخليفة المأمون». وحى مصر الجديدة حى له مزاج وطعم خاص، ويخترقه شارع الميرغنى الذى يمر بقصر العروبة، وهو هادئ نسبياً لأنه بعيد عن وسط المدينة الصاخب، ويعتبر الترام من أبرز معالم الحى، فقد ظل منذ بداية تأسيس الحى أرخص وسيلة مواصلات إلى وسط القاهرة، وفى عصر حسنى مبارك ومن سبقه من الرؤساء لم يشهد الحى تغييراً يذكر فى نمط الحياة فيه، وظل يرتبط بالمقر الرئاسى، وكان الرئيس مبارك يستقبل فيه كل زواره من الرؤساء العرب والأجانب قبل ظهور منتجع شرم الشيخ، بخلاف الرؤساء السابقين الذين كانوا يتنقلون بين قصر عابدين وقصر القبة. وفى نهاية عام 1989م بعد مؤتمر الحوار الوطنى عندما ذهبنا ضمن وفد برئاسة عضو مجلس ثورة الإنقاذ آنذاك فيصل على ابو صالح، وكان معنا الراحل السفير أحمد عبد الحليم، التقينا بالرئيس حسنى مبارك فى قصر العروبة، وعرضنا عليه شفاهة توصيات مؤتمر الحوار الوطنى «مع نسخة من التوصيات»، وتولى الراحل احمد عبد الحليم قيادة المداخلات، وكان واضحاً أنه سبق له أن التقى به كثيراً من قبل خلال العهد المايوى والتكامل المصرى السودانى، وكان يعرفه جيداً وصافحه قائلاً «أهلاً عمى أحمد»، وكان يداعبه احياناً خلال تجاذب الحديث، بينما كنا نحن نصغى باحترام وانتباه يختلط بالانبهار، فقد كانت تلك بالنسبة لكل أعضاء الوفد المرة الأولى التى ندخل فيها القصر الرئاسى فى مصر الجديدة. وقصور الرئاسة المصرية من قصر عابدين فى وسط القاهرة إلى قصر القبة، وقصر العروبة وقصر المنتزه فى الإسكندرية وغيرها، بخلاف قصر رأس التين فى الإسكندرية المغلق حالياً، والعديد من الاستراحات والفلل الملكية الأخرى تستعد الآن لاستقبال قادم رئاسى جديد من نوع مختلف من المصريين الذين لم يألفوا حياة القصور الملكية المخملية أو بذخها، ويعتقد أن الرئيس حسني مبارك من أكثر رؤساء مصر الذين استمتعوا بالحياة فى قصر هليويولس او قصر العروبة، وكان يعشق العمل فيه، فالرئيس السادات كان يفضل قصر عابدين لأنه قريب من الفيلا التى كان يسكن فيها على كورنيش النيل خلف فندق شيراتون ناحية حى الدقي. ومن حق كل رئيس مصرى أن يختار القصر الذى يعمل فيه والمكان الذى يعمل منه، فالرؤساء الأمريكيون عادة يطلبون العديد من التعديلات فى البيت الأبيض كلما تم انتخاب رئيس جديد، والرئيس جمال عبد الناصر لم يغير مكان سكنه المتواضع فى منشية البكرى الذى يقع ناحية شارع الخليفة المأمون، وكان يفضل قصر القبة القريب من مقر المخابرات العامة ومجلس قيادة الثورة، وبالنسبة لمرسى القادم الجديد من جماعة الأخوان المسلمين فالخيارات مفتوحة، والقراءة الأولى تقول إنه بالرغم من احتفاظ شوارع مصر الجديدة بأسماء تعبر عن تاريخ الخلافة الإسلامية، وبعض مبانيها تعبر عن فن العمارة الإسلامية، إلا أن جو الحى ونكهته ورواده وبعض سكانه من الأجانب وغيرهم من السياح الذين يأتون لرؤية قصر البارون أمبان وكنيسة سانت فاتيما وكنيسة البازليكا، ربما تجعل مرسى يفكر فى قصر القبة أو قصر عابدين الذى يرتبط بتاريخ الثورة العرابية، ولأنهما يقعان فى محيط أكثر شعبية وبساطة، ولقصر القبة تاريخ إسلامى، ويرتبط بوسط القاهرة بشارع مصر والسودان، الذى كان يعرف قبل ثورة 23 يوليو بشارع ملك مصر والسودان، وكان يسكن فى نهايته الملك فاروق. وتاريخ قصر العروبة فى مصر الجديدة يرتبط بفترة القسوة والمطاردة التى تعرض لها تنظيم الإخوان المسلمين خلال فترة حسني مبارك، ويظل أضعف الاحتمالات بأن يصبح المقر الذى تدير من خلاله الحركة الإسلامية فى مصر شؤون الدولة المصرية الجديدة، لذلك على الأرجح أن يتم استبعاده فى إشارة رمزية لمرحلة جديدة من تاريخ مصر التى استطاع شبابها أن يستعيد الديمقراطية والحرية بعد حوالى «60» عاماً من الأنظمة العسكرية والحكومات التى طبقت نُظُم حكم فيها قدر كبير من الاستبداد والحكم الفردى المغلف برداء ديمقراطى زائف. ومن أكثر المواقف الطريفة التى أذكرها وترتبط بقصر العروبة، أن الراحل أحمد عبد الحليم ذكر لى خلال تلك الزيارة، أنه فى إحدى المرات سافر مع الرئيس جعفر نميرى إلى القاهرة الذى كان يريد التوسط بين مصر وليبيا بعد الأزمة التى حدثت بسبب اتفاقية كامب ديفيد، وبعد أن عرض الرئيس نميرى وجهة نظره قال له السادات «تعرف يا جعفر، الراجل ديه بعت لى عبد السلام جلود «نائب القذافى آنذاك» وقال لى إن الشعب الليبى كله معك، ويمكننا أن نرسل لك «300» ألف للقتال معك، تعرف يا جعفر ساعتها بصيت فى الساعة بتاعتي ولقيتها الثالثة بعد الظهر، فضحكت وقلتللو ال «300» ألف بتوعك دول دلوقتى منتظرين الأتوبيسات فى ميدان شبرا؟!»