رغم أن العلاقة بين مصر والسودان يوثقها الارتباط والجوار الجغرافي والتاريخ المشترك، والثقافة والمصالح المشتركة غير أنها كانت ولا تزال في حالة مد وجزر، ولم تشهد استقرارا وتعاونا كاملا الا فترات متباعدة مثل هدنة يستريح فيها الجانبان ثم يعود التوتر الصامت أحيانا والصاخب أحايين أخرى. فالحكومات المتعاقبة في البلدين لم تتوصل الى صيغة تفاهم استراتيجي وشبكة مصالح تحمي علاقاتهما من الهزات السياسية، وظلت تميل الى التهدئة والتسكين و»الطبطبة» على القضايا العالقة تجنبا للمواجهة التي قد تؤدي إلى انفصامها أو إلى طريق مسدود. وظلت مصر تلعب دورا محوريا في المنطقة وكان اهتمامها بالسودان أكبر من غيره لأنه يمثل عمقا استراتيجيا لأمنها القومي ،لكن مصر بعد اتفاق (كامب ديفيد) مع إسرائيل،بدأ دورها ينحسر وتركت فراغا شغله غيرها لأن طبيعة الحياة لا تقبل الفراغ،وانكفأت على نفسها،وتراجع نفوذها الاقليمي بطريقة مريبة. السودان خسر كثيرا من تراجع مصر ومواقفها السالبة تجاه قضاياه،ولم يجد نصيرا مما وضعه تحت ضغوط مستمرة وحملات دبلوماسية أضعفته في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية مما زاد بؤر التوتر حتى فقد الجنوب،ولا تزال تداعيات «الزلزال» السياسي للانفصال مستمرة في أكثر من اتجاه. بالطبع مصر محمد مرسي لن تكون مصر الفرعون حسني مبارك،لكن مرسي مطالب من شعبه قبل أن يفكر في الملفات المعقدة التي تنتظره في ترتيب بيته الداخلي،ودفع فواتير ثورة يناير ومعالجة آثار حكم مبارك قبل أن يستعيد دور مصر ويلتفت الى السودان ،ولن يكون حكم الاسلاميين وحده كافيا لتحقيق انقلاب في العلاقة بين الخرطوموالقاهرة،غير أن ظروفهما الداخلية والمشكلات التي تجابه كليهما تدفعهما الى الاتجاه نحو مصالح مشتركة. رجال الأعمال في حكم مبارك الذين كانوا يتحكمون في عصب الحياة السياسية والاقتصادية ابتعدوا به عن السودان،وظروف مصر الاقتصادية ستدفهعا نحو الخرطوم ،فالدول الغربية وخصوصا الولاياتالمتحدة لن تساعد الحاكم الاسلامي الجديد في القاهرة الا بقدر ما يحفظ لها التوازن في المنطقة،وربما تفرض عليه حصارا لتركيعه،ولن يجد ملاذا لتخفيف الضغوط الاقتصادية أفضل من من السودان حيث الأراضي الزراعية والمياه واللحوم . غير أن الطريق نحو التقارب والتكامل بين السودان ومصر سيكون شاقا وطويلا وليس مفروشا بالورود،فالمؤسسات المؤثرة على القرار في مصر مثل الجيش والمخابرات لن تكون أداة في يد مرسي،وهي مؤسسات استمرت مئات السنين وغير قابلة للتطويع،كما أن محددات الأمن القومي المصري ستغل يد القادم الجديد على الرئاسة في تغليب مواقفه السياسية والتزاماته التنظيمية رغم انقطاعه رسميا عن حزبه وجماعته «الاخوان المسلمين». وما يزيد المشهد تعقيدا ما تسرب من معلومات عن اتجاه لعقد صفقة بين مرسي والمجلس العسكري ،تتيح للضيف الجديد على قصر العروبة أن يحكم وعدم اهدار وقته وجهده في الصراع مع «العسكر» غير أن هذه الصفقة ستنزع من سلطانه وزارات رئيسية مثل المالية والخارجية والاعلام،وتضعها تحت تصرف المجلس العسكري،فإن صح ذلك فإن مرسي سيجد نفسه غارقا في مشكلات بلاده الداخلية وبعيدا نسبيا عن الملفات الخارجية، وربما عاد «سدنة مبارك» مجددا تحت الخوذات العسكرية،وسيصبح أي تغيير منتظر من الرئيس الجديد محل شك واختبار. تقشف قال!! يشارك السودان بوفدين من مؤسستين الأولى معنية بالعدالة والأخرى بحقوق الانسان في مؤتمر يعقد في جنيف يستمر 12 يوما،حيث ينتظر أن يكون غادر من الجهة الأولى خمسة وسيلحق بهم كبيرهم ،ومن الثانية أربعة. وزارة المالية وقادة الحكم تعهدوا بالتقشف وخفض الانفاق حيث يشمل ذلك سفر الوفود الخارجية ،لكن الا يقدح ذلك في مصداقية الدولة والتزامها بخفض الانفاق،أم أن بعض الجهات في الدولة متمردة أو مستثناة من التقشف ،أفيدوا الرأى العام عما يجري حتى لا تهزم هذه الممارسات قرارات أقرها مجلس الوزراء وصادق عليها البرلمان،ولم يمض عليها أسبوع بعد.