تعرضنا في الحلقات السابقة الى ما جاء في بيان الوزير أمام المجلس الوطني حول: 1 - تغول الوزير على صلاحيات وسلطات مجلس الأمناء وممارسته لما هو خارج نطاق صلاحياته. 2 - فرية تغيير الأوراق «المروسة» والخاتم وقلنا إن الوزير هو من قام بذلك مخالفاً للقانون. وننظر في هذه الحلقة إن شاء الله الى «مغالطة» أخرى تضاف الى ما سبقها.. ذكر الوزير في بيانه أمام المجلس الوطني ص «22» ما يلي: «قام وزير الارشاد والأوقاف السابق بمخاطبة السلطات المختصة «في بلد آخر» باعتماد أمين الأوقاف لمخاطبة السلطات المختصة «في ذلك البلد» بدلاً من الوزير، وبناءً عليه قام الأمين السابق بتوكيل عدد من الناس بنظارات أوقاف السودان... مما سبب ضرراً بالغاً للأوقاف السودانية «في ذلك البلد». ونستخلص من عاليه مقاصد الوزير ليوهم مستمعيه بالآتي: «1» انه لا حق لأمين الأوقاف في مخاطبة تلك الجهات الخارجية، وأن ما فعله الوزير السابق خطأ مريع يصعب تجاوزه!!! «2» إنه ليس من صلاحيات الديوان التوكيل في ما يختص بالنظارة!!! «3» إن ما تم قد سبب ضرراً بالغاً للأوقاف!!! ومن ينظر الى النقطتين السابقتين ثم النقطة الثالثة الواردة في هذه الحلقة، يتضح له جلياً أن موضوع الوزير الأساسي الذي يشغله هو رغبته «الملحة» في ممارسة سلطات وصلاحيات تنفيذية لم يكفلها له القانون!!!، القانون الذي وضع حدوداً واضحة وفاصلة لكل مستوى من مستويات الادارة في مؤسسة ديوان الأوقاف القومية الاسلامية، بدءاً بالوزير ومروراً بمجلس الأمناء وانتهاءً بالأمين العام أي الادارة التنفيذية أو الأمانة، وحدد القانون للوزير الاشراف العام والتوجيهات ذات الصفة العامة.. وكفل لمجلس الأمناء الحق في اجازة الخطط والموازنات والرقابة والمحاسبة، وأجاز للإدارة التنفيذية العمل التنفيذي.. ونسأل أنفسنا في أي نطاق من المستويات الثلاثة أعلاه تقع مسؤولية مخاطبة الجهات الأخرى والتوكيل عن النظارة؟! سنجيب على هذا السؤال المحوري المهم، وأرجو أن نحكم بعد الإجابة على مدى حقيقة ما جاء في بيان الوزير امام المجلس الوطني من عدمها!!! وبصيغة أكثر وضوحاً، نسأل هل من حق الأمين العام المخاطبة عن الديوان وتمثيله والتحدث باسمه؟؟ وهل يجوز له القانون أمر توكيل من يحمل عبء النظارة؟؟! وما هي الجهة المعنية بمثل هذه الأمور في مؤسسة الأوقاف؟؟! وهل جاءت النصوص صريحة لا تقبل التأويل في القانون، أم أنه اجتهاد يحتمل الخطأ والصواب؟ لقد حكمنا على أنفسنا منذ كتابة السطور الأولى في هذه السلسلة من المقالات، أن نحتكم الى القانون بعيداً عن المزاج والهوى الشخصي، ولهذا وضعت القوانين ليلتزم كل واحد بحدوده ولا يتعداها، فتعم حينئذٍ الفوضى ويختلط الحابل بالنابل، ليعود الأمر وبالاً على المؤسسة وأغراضها كما يحدث الآن في مؤسسة الأوقاف!! ولنتصفح الآن قانون ديوان الأوقاف القومية الإسلامية سوياً لنصل الى الاجابة على تساؤلاتنا تلك. «1» بأي حق يخاطب الأمين العام الجهات الخارجية؟! وتحت عنوان اختصاصات الأمين العام، نصت المادة 2/15/ه على الآتي: «ه» «تمثيل ديوان الأوقاف والتحدث باسمه داخلياً وخارجياً». البند ه هذا يؤكد بوضوح الشمس في رابعة النهار وتحت اختصاصات الأمين العام، ان الامين العام هو الوحيد الذي خول له القانون ان يمثل شخصية الديوان الاعتبارية وينطق باسمه ليس داخل السودان فقط وانما حتى خارج السودان وامام المحافل الاقليمية والدولية.. ولم يكفل القانون هذا الحق للمستويات الادارية الأخرى سواء أكان الوزير او مجلس الامناء.. وأعطى القانون الوزير كما ذكرنا سابقاً حق الاشراف العام على مجلس الامناء واصدار التوجيهات ذات الصفة العامة، ومنح مجلس الأمناء الرقابة على أداء الامين العام ومحاسبته إن لم يؤد واجبه في تمثيل الديوان والتحدث باسمه، وبما أن الجهات المعنية بأمر الاوقاف كانت تتعامل قبل قيام ديوان الاوقاف مع الوزير المعني، وقبل ذلك رئيس القضاء، كان لا بد للوزير المعني ورئيس القضاء ان يخليا مسؤوليتهما، والا ستظل تلك الجهات المختصة خارج السودان في إطار التعامل معهما إن لم تصلها مخاطبة رسمية منهما بأن الأمر بنص قانون جديد قد آل الى جهة اخرى.. وقد فعلا ما يمليه عليهما الواجب بخطابات رسمية تم توثيقها في الخارجية السودانية والسفارة المعنية داخل السودان، وأضيف إلى ذلك خاتم السفارة السودانية في ذلك البلد!!! فهل هنالك ما يجعل مخاطبة الأمين العام للجهات المختصة خارج السودان أمراً محرماً وخطيراً لدرجة أن يجعل منه الوزير مادة يثير بها مشاعر البرلمان ضد الأمين العام أو غيره؟! لو كنت مكان الوزير لحسبت ذلك إنجازاً وليس تقصيراً، باعتباره إجراءً يصب في مصلحة أنشطة ديوان الأوقاف ويعينه في أداء مهامه بدلاً من أن يواجه بتساؤلات تلك الجهات الخارجية التي كانت تعرف الوزير ورئيس القضاء، وظلت تتعامل معهما لعقود طويلة. فكيف لها أن تعرف أن الدولة في السودان قد قررت وعبر قانون جديد أيلولة مهام الأوقاف لجهة أخرى لا تعرفها لولا تلك المخاطبات!! النقطة الثانية التي أثارها الوزير في بيانه هي مسألة العقود والاتفاقيات والتوكيل للنظارة، لأي من المستويات الإدارية الثلاثة أعطى القانون الحق في ذلك؟! للوزير أم لمجلس الأمناء أم للأمانة العامة الديوان التي يرأسها الأمين العام المسؤول التنفيذي الأول؟! المادة «14» تقرأ «تنشأ لديوان الأوقاف أمانة عامة تكون هي الإداة التنفيذية والإدارية له...» المادة 1/15 من القانون تنص على الآتي: 1/15 «يرأس الأمانة العامة أمين عام...». المادة 1/17 تحت عنوان تعيين ناظر الوقف نصت على الآتي: 1/17 «يعين ديوان الأوقاف القومية من يأنس فيه الكفاءة لتولي نظارة أي وقف قومي نيابة عنه بالشروط التي يراها مناسبة، ويجوز له عزله متى ما قام مانع شرعي أو قانوني لتوليته...». إن أنشطة الأوقاف المتعددة في الخارج وظروفها المعقدة توجب دون شك على الإدارة أن تبحث عن جهات مختلفة لكل اختصاصها لتحقيق اغراض الديوان المتمثلة في استرداد الاوقاف التي بيد الغير، وهذا أمر شائك لا يلم بأسراره الا من سبر غورها.. ثم تأتي عملية التطوير والاستثمار، وهي مسألة أخرى لها من يتقنها، ثم أن هنالك اجراءات المحاكم وغيرها لها كذلك من تخصص فيها وخبر دهاليزها ومداخل اجراءاتها، فما هو المانع من أن يعطي الديوان الخبز لخبازه حتى يحقق أغراضه؟؟!! وهنالك شأن آخر من الأهمية بمكان، وهو أن النظم في ذلك البلد لا تسمح للأجنبي مهما كان بالتعامل مع الدوائر الحكومية، لذا كان لا بد للديوان من ان يجد من رعايا تلك البلاد من يوكل اليه أداء مهامه، ولكل بلد مطلق الحرية في تطبيق النظم التي يراها، لأن ذلك أمر سيادي بحت لا يحق لبلد آخر أن يحشر أنفه فيه، والا ستظل شؤونه تراوح مكانها!!! فالوزير لا يستطيع ولا الديوان الا ان يحترم تلك النظم، ولا يملك هو ولا غيره أن يفرض ما يمليه عليه مزاجه على سيادة بلد آخر!! وطرح الوزير في بيانه شأناً ثالثاً، وهو أن هذه التوكيلات أو الاتفاقيات قد سببت ضرراً بالغاً للأوقاف!! وأرجو أن أبين للقارئ الكريم نوعية التوكيلات والعقودات والاتفاقيات التي أبرمها الديوان.. قبل ذلك أرجو أن أشير الى المادة 15/و من القانون، تحت اختصاصات الأمين العام: وتقرأ «و» «أبرام جميع العقود بالنيابة عن ديوان الأوقاف القومية....». قام الديوان بالآتي: «1» اتفق مع مكتب متخصص شرعاً وقانوناً للمثول إنابة عنه في المحاكم، بتوجيه من جهات اعتبارية في ذلك البلد بشهادة السفارة السودانية. «2» التزم كما ينص الشرع والقانون بما تم الاتفاق عليه مع مكتب مختص في عملية استرداد الصكوك «شهادات الملكية» الخاصة بالاوقاف السودانية الضائعة والمهملة في ذلك البلد. «3» أبرم اتفاقيات تمويل مع جهات اعتبارية ورجال أعمال لأنشاء مشروعات استثمارية على أراضي الأوقاف. «4» التزم وفقاً للشرع والقانون باتفاقيات تمويل سابقة مع جهات اعتبارية لتعمير أراضٍ وقفية. «5» اتفق مع جهات مختصة للإسراع في الحصول على إذن لاستمرار إنشاء وتطوير أرض وقفية بعد أن تعطل العمل منها لأسباب خارجة عن إرادة إدارة الأوقاف. «6» أوكل ذات الجهة أعلاه وبالشروط التي يراها مناسبة حسب ما جاء في القانون، وبعد عدم توفيق ونجاح بعض من تم الاتفاق معهم سابقاً في ما يختص بالنقطة اعلاه، وغيرها، للحصول على إذن الإنشاء والاستثمار والتطوير حتى لا يتعطل الوقف.. إذ أن الحصول على الاذن الاول ببدء الانشاءات قبل إيقافه، كان محصلة جهود استمرت لما يقارب نصف قرن من الزمان!! ٭ فأي ضرر وقع على الأوقاف من تلك التعاقدات، خاصة أن إدارة ديوان الأوقاف في اتفاقياتها تلك كانت تشترط عدم دفع أي مبلغ من المال نتيجة لجهود تلك الجهات الا بعد تنفيذ ما تم الاتفاق عليه ومن عائدات استثمارها!! وسنرى في الحلقات القادمة إن شاء الله من أضرَّ بالأوقاف ومن يقع عليه وزر ذلك!! «نواصل بإذن الله يوم الأحد القادم». * أمين ديوان الأوقاف السابق