وعدت جماعة الاخوان المسلمين في مصر بتقديم نموذج للتوأمة بين شعبي وادي النيل في الشمال والجنوب، وقال مرشدها العام محمد بديع لدى استقباله سفير السودان بالقاهرة امس الاول " اننا نعلم فرح السودان باختيار د. مرسى لرئاسة مصر كما الشعب المصري"، ثم تابع بديع حسب وسائل اعلام مصرية : هذه الزيارة من اخوان لنا من جنوب مصر وهم اشقاء بمعنى الكلمة". وكان ان حفلت الصحافة المصرية بالامس بتغطيات مختلفة لهذه الزيارة، بخاصة وان السفير كمال حسن علي شغل موقع مدير مكتب المؤتمر الوطني هناك قبل ان يعود للقاهرة سفيرا، فالرجل يحتفظ بعلاقات مميزة مع قيادات الجماعة التي كانت محظورة على عهد الرئيس السابق، واعتبر صحفيون مصريون مخرجات هذا اللقاء علامة بارزة على ما ستكون عليه العلاقات بين الاخوان في مصر والسودان. غير ان اعلان المرشد العام للاخوان محمد بديع عن التزام الجماعة بتحقيق توأمة بين البلدين خلال ايام وليس شهوراً، يعيد استحضار تجارب البلدين في ذلك المسعى الى المشهد، بخاصة وان مصر والسودان خاضا الكثير من التجارب الفاشلة على هذا الصعيد، كما وقعا على مدى السنوات الماضية العديد من الاتفاقيات التي لم تتنزل على ارض الواقع. وربما لهذا فإن الخبراء المصريين في شئون العلاقات بين البلدين لا يتعاطون مع هذه التصريحات بجدية نظرا لما يرون من عقبات يجب ازالتها اولا قبل قطع وعود بتحقيق اي نوع من التعاون. ولكن اللافت ان الخبير الاستراتيجي في شئون العلاقات بين البلدين بمركز الاهرام للدراسات السياسية الدكتور هانئ رسلان ابدى اندهاشا واضحا في حديثه الهاتفي امس مع "الصحافة" من تلك التصريحات، وذلك لان مرشد الاخوان، كما يشير، ليس لديه اية صفة دستورية في بلاده حتى يقطع مثل هذه الوعود، فضلا عن ان د. محمد بديع، والحديث لازال لرسلان، ليس الشخص المخول للحديث في قضايا السياسة الخارجية المصرية. ويرى الخبير الاستراتيجي في شئون العلاقات بين البلدين ان ذلك اللقاء كان توجها نحو العنوان الخاطئ، ويتابع هانئ رسلان موضحا: كان الصحيح التوجه نحو الرئيس المنتخب او الخارجية، لان مخرجات هذا اللقاء اثارت القوى السياسية المصرية، بخاصة وان مرشح الجماعة " مرسى" فاز بفارق ضئيل (1.7)%، مما جعل الجماعة تدرك انها لن تستطيع تحقيق اهدافها دون التعاون مع الجماعة الوطنية المصرية، ويتابع الدكتور هانئ رسلان " على الطرف السوداني ان لا يتورط في الاستقطابات الداخلية حتى لا يؤدى ذلك لاحداث ضرر بمعادلة العلاقات السودانية المصرية، والتي تحظى باجماع كل القوى السياسية المصرية الآن". ولا يبتعد نظراؤهم السودانيون كثيرا عن ذلك، فالدكتور خالد التجاني يستنكف الاشارة الى التوأمة بين البلدين لانها لا تعني اي مدلولات عملية، لان العلاقات بين الدول تخدمها المصالح المشتركة، والاخيرة كما يشير التجاني في حديثه ل الصحافة عبر الهاتف امس لا تحققها الشعارات العاطفية على شاكلة التوأمة والاخوة وغيرها. ورغم ان التجاني يؤمن على وجود مصالح مشتركة بين السودان ومصر تستدعي العمل بجهد من اجل تحقيقها لفائدة الشعبين، فإنه يقول ان التجارب الكثيرة في هذا الاطار بين مصر والسودان اثبتت ان العلاقات الفوقية بين الجماعات والانظمة تفشل دائما في تحقيقها، ويتابع قائلا " تصريحات المرشد عاطفية فلا هو ولا الرئيس مرسى يستطيع تحقيق ذلك". وتمضى الناشطة السياسية نعمات كوكو في ذات الطريق، مؤكدة على ان المسار الصحيح لتحقيق علاقة تكاملية بين البلدين في كافة المجالات يبدأ من احترام الحكومة المصرية لخيارات الشعب السوداني، كما احترم هو خيارات المصريين، واشارت نعمات الى ان هذا الاحترام سيفتح الباب امام فتح حوار بين منظمات المجتمع المدني والاحزاب في السودان ومصر حول هذه القضية الهامة، مما سيجذر من هذه العلاقة على المستوى الشعبي بحيث يستحيل العبث به بعد ذلك. بيد ان وصول اخوان مصر الى السلطة في وقت يجلس اخوان السودان على سدتها في الخرطوم، يعد عند مراقبين ظرفا موضوعيا ملائما للمضى بسفينة العلاقات بين البلدين وفقا لرؤية موحدة، فالكثير من التجارب الفاشلة الماضية على مستوى التعاون والتكامل اصطدمت بغياب الرؤى و الاهداف المشتركة. لكن خبراء العلاقات السودانية المصرية في البلدين لا يؤيدون هذا لاعتبارات تختلف في القاهرةوالخرطوم، فالدكتور خالد التجاني يلفت اولا الى فشل " اخوان مصر" و" اخوان السودان" في التوأمة او حتى التوافق حتى على المستوى التنظيمي، موضحا ان " اخوان السودان" رفضوا الانضمام الى التنظيم العالمي للاخوان المسلمين الذي يقوده اخوان مصر، ويضيف : فكيف يستطيعون ان يحققوا تلك " التوأمة" على مستوى الدولتين!. وتطرق الناشطة السياسية نعمات كوكو من جهتها على القضية من زاوية اخرى، اذ تقول نعمات في حديثها ل الصحافة عبر الهاتف امس ان " التوأمة" المشار اليها قد تتحق على مستوى التنظيمات في البلدين لكنها لن تتحقق على مستوى الدول، مستندة في هذا على ان " اخوان مصر" لم يحملوا لوحدهم مرسى الى مقعد الرئاسة، وانما شاركت القوى الثورية هناك في ذلك قطعا للطريق امام مرشح النظام السابق شفيق، ثم تقول نعمات ان التيار الاسلامي في مصر يعي التوازنات الداخلية والاقليمية والدولية، التي سمحت له بالصعود الى المشهد السياسي هناك وبتوازنات القوى هنا ايضا، ولهذا فإنها لا ترجح ان يمضى في هذا الطريق. ولا تأخذ الناشطة السياسية ايضا تصريحات المرشد العام للاخوان المسلمين المصريين بجدية، وتعلق عليها قائلة " هذا الكلام لن يتخطى الاطار التنظيمي، فالمتوقع نظرا لتلك التوازنات ان يختلف الخطاب السياسي للدولة عن الخطاب التقليدي لاخوان مصر". ويعود هنا الخبير الاستراتيجي في مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ليؤمن اولا على اهمية تحقيق شراكة استراتيجية بين السودان ومصر، على آليات جديدة تختلف عن سابقاتها، ثم يشترط الدكتور هانئ رسلان لتحقيق تلك الشراكة فتح حوار حول كل المحاور بين المجتمع المدني والاحزاب في مصر والسودان، بمشاركة كل الاطياف هنا وهناك، على ان يتسم بالشفافية المطلقة والمكاشفة حتى يعيد للعلاقات بين البلدين توازنها المطلوب.