* لم يكن ميدان "التحرير" في وسط القاهرة قد أُطلق عليه هذا الاسم تخليداً "للتحرر" من ربقة الإستعمار .. ولكن الإسم جاء بعد وقفة إحتجاجية لنساء مصر بقيادة رائدة تحرير المرأة المصرية السيدة هدي هانم شعراوي من سياسة "الحرملكَ" التي تنتهجها الإمبراطورية العثمانية تجاه المرأة "عصر الحريم" وقد كان جدي لأمي الخليفة/عثمان محمد فضل من المعجبين بشخصية هدي شعراوي وهو الحافظ لكتاب الله.. وخليفة الختمية بصك موسوم بخاتم السيد على وتوقيعه عام 1334 هجرية.. فأسمى إبنته "والدتي" هدي تيمناً بالسيدة هدي هانم كريمة.. رئيس مجلس النواب المصري في عهد الخديوي توفيق.. محمد سلطان باشا.. وهي أول من دعت لخلع غطاء الوجه "اليشمك" وقذفت به أرضاً وتبعتها الأخريات حتى إمتلأ الميدان.. بالطُرح والبراقع واليشمك.. فسمي ميدان التحرير وكان للسيدة هدي نشاطاً واسعا في الدفاع عن المرأة والطفل ومقاومة الإستعمار وقضية فلسطين وأسست الإتحاد النسائي المصري عام 1923م وصارت رئيسة له حتى وفاتها في 13/12/1947م.. وقد أُعتبر تحرير المرأة من الحجاب إنحلالاً وسفوراً وخروجاً عن قيم الدين.. ثمََ عاد الحجاب إلى المرأة المصرية عن قناعة وتمسك بدين الله بعد ذلك بعقود.. دون أن يصمه الناس بأنه تخلف أو ردة.. أو رجعية.. قبل أن يتحول ميدان التحرير إلى رمز ضد الظلم والطغيان والفساد حيث إنطلقت منه شرارة الثورة المصرية المباركة التي أفضت "بأم الدنيا" إلى فضاءٍ رحب من الحرية والديمقراطية وحكم القانون.. فجاء مرسي رئيساً لكل المصريين من خلال إنتخابات حرة ونزيهة ومبرأة من كل عيب يقدح في نتائجها النهائية.. وحسناً فعل القضاء المصري برفض قانون العزل السياسي الذي كان سيُقصي الفريق شفيق من المنافسة فيجئ مرسي حينها إلى سدة الرئاسة بما يُشبه "الإجماع السكوتي" أحد المصطلحات الترابية الموغلة في تبرير الانفراد بالساحة السياسية وإقصاء الآخر بالضربة القاضية "غير الفنية".. لكن مرسي حاز على الأغلبية "النصف زائد واحد" وهذا يكفي . * جاء مُرسي في يوم الجمعة بعد إنتخابه إلى ميدان التحرير حيث الحشود الجماهيرية التي لا يظنن ظانُّ إنها خالصة للأخوان المسلمين من دون سائر المصريين.. وهو يحمل صدراً عارياً من السترة الواقية من الرصاص عامراً بالإيمان بأن الأمر بيد الله.. وأن لن ينفعه الفرار من الموت أو القتل.. ولو كان في بروجٍ مشيَّدة.. المرحوم أنور السادات صبيحة إغتياله في حادثة المنصة.. رفض أن يرتدي السترة الواقية من الرصاص وقال لحرمه السيده جيهان "أنا رايح لأولادي" لم تكن السترة الواقية لتنجيه من القتل في ذلك اليوم المحتوم.. فقد كان "النيشنجي" يتحسب لذلك بحيث إستقرت رصاصته الأولى في عنق السادات وهي التي أدت لوفاته على الفور .. وكان أمر الله قدراً مقدوراً.. لم أندهش عندما كشف د. محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية وهو يؤدي القسم الدستوري أمام الجماهير .. عن صدره الخالي من الوقاية بعدما تخلَّى عن الموقع المحدد له واقترب من الجماهير .. وخلط حسابات خطة التأمين ومشروع الحماية.. وطابور حماية الشخصيات الهامة.. وكل النظريات الأكاديمية الأمنية.. تماماً كما يفعل الرئيس البشير في لقاءاته الجماهيرية عندما يبوِّظ عن عمد دوائر الحماية التي يجتهد في ترتيبها المختصون.. ويشير للجماهير بالإقتراب لدرجة الالتحام "وتلوص" كوادر التأمين والحماية وتذوب وسط الجماهير بلا أدنى فاعلية.. والحارس رب العالمين. وبينما كانت الجماهير المصرية الثائرة تحتفل برئيسها المنتخب وعلى الهواء مباشرة وبدون ترتيبات أمنية.. كانت قناة العربية بقيادة "المتصهين" عبد الرحمن "غير" الراشد تجتهد مع مراسلها في الخرطوم سعد الدين حسن تستحثه على نقل "ثورة سودانية" غير موجودة.. تحت شعار "جمعة لحس الكوع" وظفرت بصورة لبضعة أفراد يحملون لافتة جمعة لحس الكوع "على غرار أيام الجمع السورية" أمام مسجد لم يفرغ إمامه ومصلوه من أداء الفريضة!! والشرطة تأخذ زمام المبادرة وتفرقهم في لحظة قصيرة.. ويجتهد سعد الدين في إختيار مفردات.. العنفوان والمظاهرات العارمة الممتدة لأسابيع "بزعمه" تمتد من أقصى البلاد إلى أقصاها!! عشان يفرح البوم البيعجبو الخراب.. العربية.. ويقبض سعد الدين المسكين الماهية. * وبين ميدان التحرير .. في وقفة هدي شعراوي.. وفي وقفة مرسي.. وشائج لا تنفصم رغم تباين الإتجاهين ظاهرياً.. ومثلما كان مقبولاً ومعقولاً إلتزام هدى هانم بتحرير المرأة المصرية من "عهد الحريم" جاء إلتزام مرسي مقبولاً ومعقولاً بصيانة حقوق المرأة والطفل وجميع ألوان الطيف السياسي بلا "أخونة" لبرنامجه الإنتخابي.. "الأخونة" مفردة جديدة لمحاربة مُرسي بوضع العصي في دواليب حقبته الرئاسية. ولن يطلب عاقل من د.مُرسي حل قضايا مصر بلمسة واحدة إلا أن يُؤتى عصا موسى.. أو يكلم ربه كفاحاً. ونهدي تجربتنا "بحلوها ومرها" لمصر في عهدها الجديد. (والسعيد يشوف في أخوه .. والشقي يشوف في رقبتو) . وهذا هو المفروض