ظلت المرأة السودانية تدير شأن البيت في كل كبيرة وصغيرة، وتحتكر بصورة كاملة شؤون المطبخ ومصاريفه. وفي ظل ارتفاع الاسعار كان لا بد لها من ايجاد الوسائل الناجعة لتخفيف أعباء المطبخ، فقد اوجدت من قبل، قبل ظهور الثلاجة، السبل الكفيلة بحفظ اللحوم والخضروات عن طريق التجفيف، حيث يعرف اللحم المجفف ب «الشرموط» وانتجت فيما بعد «ام شعيفة» وتحايلت علي الجفاف والمجاعة في ازمانها بكثير من الحلول. وفي الآونة الاخيرة أعملت الكثير من مواهبها لمجابهة ارتفاع اسعار اللحوم والخضروات لتدخل وجبة ملاح الرز لقائمة الوجبات في العاصمة والارياف، ولتري النور مرة أخرى وجبة «ام بلط» في أنحاء دارفور وكردفان التي قد يضاف اليها في بعض الاحيان «الكول»، فيما عاد ريف الاواسط للألبان ومنتجاتها، وكثرت في الجزيرة هذه الايام «ملحات» «اللبن» و «الروب»، وانتشرت البقوليات كالبليلة والعدس. ورأى الوجود مرة اخري «ملاح اللوبة» ليأخذ مقعده مكرماً على طاولة الطعام. وتقول الحاجة نعمات حسين انهم في الماضي كانوا لا يطبخون وجبات ملاح اللوبة الا في آخر الشهر لجهة أن الراتب يأتي في آخر الشهر، بينما الآن أخذ ملاح العدس محله منذ اول الشهر، شاكية من غلاء العدس ايضاً، كاشفة عن انها تعرف أن بعض جاراتها يشترين نصف ربع الكيلو من اللحمة ويستخدمنه في عدة ملحات كذلك، حيث يعملن ملاح «الدمعة» أولا ثم تضاف اليها بعد ذلك الويكة، مشيرة الي ان المرأة السودانية تحاول أن تتكيف مع الوضع الجديد باية صورة كانت، وتبذل قصارى جهدها في تقليل تكلفة الطعام للأسرة في ظل أعباء معيشية أخرى من صحة وتعليم وجامعات وغيرها تتطلب من الاسرة التكاتف لتجاوز هذه العقبات جميعها. وقالت المعلمة في احدى مدارس الجزيرة احلام مصطفى، ان الضائقة المعيشية تحمل اعباء اضافية بالنسبة للمرأة، خصوصا المرأة العاملة، فبالرغم من عملها الدؤوب في المجالات المختلفة، الا انها تعود لمطبخها لتنظم ميزانية مختلة من جميع جوانبها، في ظل اطفال لا يرضون بالقليل وتستمر مطالبهم المكلفة بدون دراية منهم بالوضع الاقتصادي الذي يضرب جنبات مطابخهم، بينما ترى في صورة مغايرة انه في الريف يتكاتف الجميع. وتكشف عن انها وجاراتها المعلمات حتى قبل الضائقة المعيشية الاخيرة يكلفن كل مرة واحدة منهن بعمل الافطار لهن ولاطفالهن، وهكذا يدور الحال، حيث يمكن كما قالت ان يأتي دورها في الاسبوع مرة واحدة، ولا تكلف الوجبة كثيراً، حيث انها وجبة فطور عادية، لتذهب الى المدرسة «بعمودها» ليأكل كل اطفالهن معاً. الحاجة آمنة عبد المنعم تقول إن المرأة السودانية اعتادت على التحايل على الظروف القاهرة، وها هو الزمن قد عاد لتفعل ذكاءها مرة اخرى، كاشفة عن انها تطبخ هذه الايام العدس بالبطاطس لجهة انخفاض سعر البطاطس، بينما تطبخ في بعض الاحيان «القاورما» وتشابهها «السخينة». وتكشف عن ارتفاع في طبخ الاسود «كملاح» بدون لحم، وعن استخدام واسع «للمرقة»، مضيفة ان كثيراً من النساء يطبخن اللوبة العدسية، ولجأ بعضهن الى دفع اشتراكات لجلب السلع الاستهلاكية من الاجمالي باسعار منخفضة نسبياً وتقسيمها.